خلال 15 عاما بسجون أميركا.. كويتي أسلم على يديه المئات وألّف 22 كتابا
لم يدر بخلد الشاب الكويتي أن تتحول حياته من طالب مجتهد على مقاعد الدراسة في الولايات المتحدة إلى متهم يقضي عقوبة قاسية خلف قضبان السجون.
ورغم مرارة السجن وقسوة سنواته فإن ياسر البحري استطاع التغلب على محنة السجن، فألف الكتب وأسلم على يديه سجناء كثر، بعد أن حكمت عليه محكمة أميركية بالسجن 15 عاما بتهمة تحرش واغتصاب فتاة، وهي التهمة التي ينفيها.
نشأ ياسر مميزا بين أقرانه، فاحترف كرة القدم، واختير عنصرا أساسيا في منتخب الكويت للشباب، لكن الغزو العراقي حال بينه وبين مسيرة رياضية توقع كثيرون أن تكون واعدة، كما قادته هوايته للموسيقى إلى تعلم العزف على عدد من الآلات الوترية كالعود والكمان والبيانو والغيتار الكلاسيكي.
ولم يكد يبلغ ياسر 22 عاما حتى لحن أغنية بعنوان “يا شيخنا ويا سعد” غناها المطرب الكويتي حمد الراشد بمناسبة عودة ولي العهد آنذاك الشيخ سعد العبد الله الصباح من رحلة علاجية، وكان ذلك في عام 1997.
وظل الحظ ملازما لياسر حين قرر دخول عالم التجارة في بداية شبابه، فقد استثمر نصيبه من التركة التي خلفها والده في البورصة الكويتية وعدد من الشركات الناشئة، وهو ما در عليه أرباحا كبيرة، وضاعف أمواله في بضع سنين.
وخلال دراسته تخصص الفلسفة في جامعة الكويت كان ياسر متفوقا، ليجري اختياره بعد انتهاء سنوات الجامعة من قبل رئيس قسم الفلسفة شخصيا لاستكمال دراساته العليا في الولايات المتحدة والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه عن طريق بعثة دراسية تكفلت جامعة الكويت بمصاريفها.
بداية المأساة
حكاية ياسر البحري الذي حط رحاله في الولايات المتحدة عام 2001 يسردها للجزيرة نت شقيقاه محمد وعبد الله والدموع تترقرق في عينيهما بالقول إن ياسر بعد أن وصل إلى مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس نال شهادة الماجستير في الفلسفة السياسية، كما تزوج من فتاة أحلامه وهي ابنة عمه ورزقه الله منها طفلتين.
عقبها انتقل ياسر برفقة زوجته وابنتيه إلى ولاية فلوريدا لنيل درجة الدكتوراه وتحديدا في منطقة تالاهاسي، حيث تقطن شقيقته التي تدرس الدكتوراه أيضا وتعيش مع زوجها.
ويكمل الشقيقان محمد وعبد الله الحكاية، فيقولان إن ياسر وجد لديه متسعا من الوقت، فقرر إنشاء مشروع تجاري، ووقع اختياره على افتتاح مقهى على الطراز العربي بالشراكة مع أخيه الأصغر عبد الله كلفهما ثلاثمئة ألف دولار، فكان المقهى يقدم المأكولات والمشروبات الشرقية إلى جانب الشيشة، وما لبث أن أصبح أكبر وأشهر مقاهي فلوريدا.
وبات المقهى الذي يقع بالقرب من الصرح الجامعي يدر دخلا يقدر بألفي دولار يوميا، وهو ما جعل ياسر سعيدا بهذا النجاح، كما يضيف شقيقه عبدالله.
وما إن وصل ياسر إلى هذا النجاح حتى بدأت فصول مأساته، ففي 2007 لم تسر الأمور وفق ما تمناه ياسر الذي اشترى منزلا في منطقة تالاهاسي بمئتي ألف دولار، وأعده كمفاجأة لزوجته وطفلتيه للعيش فيه، ففي أحد الأيام اتهمت موظفة لم تكمل يومها الرابع في العمل بالمقهى ياسر بالتحرش بها واغتصابها وقدمت شكوى بذلك.
وخوفا من مغادرة ياسر الولايات المتحدة قدمت الشرطة طلبا للقاضي باعتقاله ومنعه من السفر، ورغم أن ذوي ياسر يقولون إن المحامي الأميركي الذي وكله ياسر نظير نصف مليون دولار كان دائم الوعود له بسرعة الإفراج عنه لأن جميع الفحوصات الطبية للفتاة أظهرت براءة ياسر من الاعتداء عليها فإن هيئة المحلفين في المحكمة آزرت الفتاة لتحكم القاضية في النهاية على ياسر بالسجن 15 عاما.
سبعة سجون
مر ياسر بفترة عصيبة للغاية خلال تنقله في سبعة سجون بولاية فلوريدا والتي كان السواد الأعظم من نزلائها من الأميركيين السود واللاتينيين، ولم يخفف عنه سوى لجوئه وتقربه إلى الله ووقوف أفراد عائلته إلى جانبه ومؤازرته رغم بعد المسافات.
ويقول محمد البحري إن شقيقه ياسر رأى توق كثير من السجناء للتعرف على الإسلام عندما كانوا يشاهدونه يصلي، وقد أسلم على يديه أكثر من 500 شخص، كما أنشأ أربع مكتبات إسلامية في سجون مختلفة عبر مساعدة من زوجته وأفراد عائلته الذين كانوا يرسلون كل الكتب التي يطلبها منهم عن طريق الشحن رغم ما كانوا يتكبدونه من مصاعب أثناء إدخال مثل هذه الكتب.
كما تعلم ياسر في سجنه اللغة الإسبانية ولغة الإشارة، إضافة إلى إجادته الإنجليزية وقليلا من الفارسية.
لم يمنع السجن ياسر من تأليف الكتب، فألف خلال فترة سجنه 22 كتابا، منها ما ظهر للنور، مثل “خلف الأسلاك الشائكة”، و”ألف ليلة حبس انفرادي” بالعربية، إضافة إلى كتاب بالإنجليزية يحمل عنوان “إحياء المسيح” (Jesus Resuscitated).
ويقول محامي ياسر في الكويت عبد الرحمن الصقلاوي للجزيرة نت إن ياسر على موعد مع الحرية نهاية الشهر الجاري، وفي حال الإفراج عنه في الوقت المحدد فإنه سيرحّل إلى سجن الاستقبال، ومنه إلى سجن الهجرة طبقا لإجراءات إدارة الهجرة الفدرالية، حيث إن إقامته انتهت منذ فترة طويلة وعليه أن يخوض إجراءات الإبعاد.
ويضيف “إذا سارت الأمور على ما يرام وحكم قاضي الهجرة لصالحه فإن ياسر سيعود إلى بلده الكويت، وسيكون علي كمحامٍ له التعامل مع قضية القروض التي كان قد حصل عليها ياسر من أحد البنوك لتمويل مشروع المقهى، إلى جانب قضية ديون بعثة جامعة الكويت بعد أن سحبت المنحة منه بسبب القضية التي دفع ثمنها 15 عاما من حياته خلف قضبان السجون الأميركية”.
المصدر: الجزيرة