“غزة العثمانية”.. كتاب يحيي مخطوطة عمرها 160 عاما
نجح خبير فلسطيني في علم المخطوطات، في إحياء مخطوطة عثمانية يزيد عمرها على 160 عاما، عبر نشرها ودراستها لتتحول إلى أحد أهم المراجع التي توثق تاريخ مدينة غزة بالعهد العثماني.
وقضى خبير المخطوطات الفلسطيني عبد اللطيف أبو هاشم، أكثر من 5 أعوام في تحقيق ودراسة وطباعة مخطوطة عثمانية لسجل محكمة غزة الشرعية، للفترة بين عامي 1273 ـ 1277 بحسب التقويم الهجري، (1856 ـ 1860 ميلادي)، الذي يوثق مئات القضايا والقوانين العثمانية والأوامر السلطانية لحكام غزة، آنذاك، وعقود البيع والشراء ومعاملات الزواج والطلاق والمواريث والوقف.
** 1700 وثيقة
ويقول أبو هاشم للأناضول، إن “المخطوطة تحتوي على 1700 وثيقة متنوعة، يمكن من خلالها دراسة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية في نهاية الحكم العثماني لمنطقة غزة”.
ويضيف: “تعرفت على هذه المخطوطة عام 1986، حيث قرأت دراسة أعدها المؤرخ السوري عبد الكريم رافق، بعنوان: دراسة اجتماعية اقتصادية من خلال الوثائق الشرعية، وتناولت في جوانب منها سجلات المحكمة الشرعية لمدينة غزة خلال أواخر حكم الدولة العثمانية للمدينة”.
ويشير أن المخطوطة ظلت موجودة في غزة حتى عام 1277 هجري (1860م)، ثم انتقلت إلى سوريا ليستشهد بها في قضية ما، وبقيت هناك حتى وقتنا الحالي، وهي حاليا موجودة بمديرية الآثار والوثائق بدمشق.
ويتابع: “حصلت على نسخة مصورة من المخطوطة بطريقة رسمية عبر رئيس دائرة الآثار والمخطوطات في سوريا، هاني سكرية، وذلك بهدف دراستها وتحقيقها وطباعتها، لتكون أحد أهم المصادر التي توثق حقبة من التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمدينة غزة في عهد الدولة العثمانية”.
وأنهى الباحث الفلسطيني، قبل أيام، طباعة النسخة الأولية من كتابه، الذي أصدرته مؤسسة “عيون على التراث” للدراسات والأبحاث والنشر في مدينة غزة، تحت عنوان “غزة العثمانية”.
وتضمن الكتاب نصوص الوثائق المخطوطة وخلاصة دراسته لها على مدار أكثر من 5 أعوام متواصلة.
والمخطوطة العثمانية، التي اطلع مراسل الأناضول على نسخة منها، يصعب قراءتها بسبب تلف بعض أوراقها بفعل عوامل الزمن، إضافة إلى أنها تحتوي على مصطلحات كتبت بلهجات محلية غير مفهومة للقارئ العادي.
** مرجع لتاريخ غزة
ويعتبر الباحث الفلسطيني أن كتابه الجديد يعد مكملا لأهم مصادر تاريخ مدينة غزة بعد كتاب “إتحاف الأعزة في تاريخ غزة” للمؤرخ عثمان مصطفى الطباع.
ووفق “أبو هاشم”، فإن مخطوطة سجلات محكمة غزة الشرعية تتضمن نحو 1700 وثيقة، منها حجج وقف، وعقود زواج وطلاق وخلع، وعقود شراء وبيع وأوقاف، وأوامر ومراسيم واردة من الولاة العثمانيين إلى حاكم غزة.
ومن أبرز المراسيم الواردة في المخطوطة، قرار صادر من والي القدس آنذاك، مصطفى باشا ثريا، وموجه إلى قائمقام لواء غزة (حاكم غزة) مصطفى بيك السعيد، ومفتي المدينة، ومشايخ الحارات، ومخاتير الأحياء، والوجهاء.
وينص القرار على ضرورة تحقيق المساواة والعدل بين جميع أصحاب الديانات والمذاهب والملل بمدينة غزة، ومنح كل أصحاب مذهب وملة الحرية المطلقة بأن يتصرفوا بإجراء أبنيتهم وصلواتهم المعتادة دون معارض أو منازع، وأن يكون الجميع مرفهي الأحوال تحت ظل عدل الوالي.
وفي مرسوم آخر صادر عن والي القدس، الذي كان بمثابة حاكم لمناطق فلسطين، قرر فيه تعيين مصطفى بيك السعيد قائمقام لواء غزة، بدلا من عثمان أفندي القاسم، وطلب فيه من الحاكم الجديد أن يعمل على إدارة المصالح على محور الاستقامة، وأن يسعى إلى راحة أهالي غزة ورفاهيتهم.
** أهمية اجتماعية واقتصادية وسياسية
وحول أهميته، يشير أبو هاشم أنه من خلال الكتاب يمكن معرفة جميع أسماء العائلات الموجودة بمدينة غزة قبل الحرب العالمية الأولى، لافتا أن هذه العائلات يبلغ عددها 1700 عائلة، وجميعها رحلت من غزة مع اندلاع الحرب، وعاد جزء منها إلى المدينة بعد الحرب.
ويوضح أنه من خلال الكتاب يمكن للمئات من العائلات الفلسطينية في غزة وخارجها أن تثبت نسبها وأصولها.
من جهة أخرى، فإن الكتاب يوثق معظم أنواع السلع التي كان يتم بيعها وشراؤها، وأسماء وأنواع العملات المستخدمة آنذاك، وحركة التجارة بين غزة والدول المجاورة من خلال العقود المبرمة بين التجار في تلك الفترة.
ويقول أبو هاشم، إن “الباحثين سيجدون في الكتاب سجلات ووثائق تسد ثغرة كبيرة، وتساعدهم في إجراء دراسات اجتماعية واقتصادية وسياسية حول مدينة غزة في أواخر عهد الدولة العثمانية”.
ويختم الباحث الفلسطيني بالتشديد على أن السجلات والوثائق والمخطوطات والصكوك والعقود، تعد من أهم المصادر لعملية التأريخ لأي مدينة في الفترة العثمانية وما بعدها.