للمرة الأولى على الإطلاق.. الكشف عن الشبكة العنكبوتية الخلوية
لا تختلف الطريقة التي تنتقل بها المعلومات داخل خلايا أجسامنا عن الطريقة التي تنتقل بها الرسائل داخل الأسلاك والدوائر الكهربائية الموجودة داخل شرائح الحاسوب، وفقا لدراسة جديدة كشفت النقاب عن طريقة العمل المعقدة لشبكة من أيونات الكالسيوم التي تقوم بدور المرسال داخل الخلايا الحية.
وللمرة الأولى على الإطلاق تمكن باحثون من جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة من الكشف عن الشبكة العنكبوتية الخلوية، واستطاعوا التقاط أول صورة لتلك الشبكة بمساعدة تقنيات حوسبة مماثلة لتلك المستخدمة في الحصول على أول صورة للثقب الأسود.
فوفقا للدراسة المنشورة في دورية “نيتشر كوميونيكشنز” في 24 مايو/أيار 2019، تستخدم شبكة عنكبوتية على مستوى الخلية شبكة مجهرية لنقل المعلومات عبر مسافات نانوية عن طريق التأشير الخلوي، وتحمل التعليمات والأنشطة التي تعطي أوامر للخلايا لأداء عمليات حيوية، مثل استرخاء أو انقباض العضلات.
التأشير الخلوي
في علم الأحياء، يعبر التأشير الخلوي عن قابلية تلقي الخلايا واستجابتها للمعلومات بشكل صحيح مناسب لبيئتها المصغرة، كما يستخدم التأشير الخلوي في نقل المعلومات بين الخلايا الحيوية في أجسام الكائنات الحية، وتكون الإشارة عادة على هيئة تيار كهربائي ناتج عن التفاعلات الكيميائية للأيونات المشحونة.
ويعتبر التأشير الخلوي أساس التوازن النسيجي الداخلي، ويوجه بترميم النسج وإصلاحه، بالإضافة إلى دوره في كل من المناعة والنمو، ويكون أي خطأ في المعلومات الخلوية مسؤولا عن أمراض خطيرة في الإنسان مثل السرطان وأمراض المناعة الذاتية وداء السكري.
ولفهم آلية التشفير وفك ترميزها، ركزت دراسات علم الأحياء الخلوي والجزيئي على دراسة أجزاء مفردة من شبكات التأشير الخلوي ومساراته، ومع تراكم النتائج البحثية الحديثة درس باحثو علم أحياء النظم البنية التحتية لعمليات التأشير الخلوي وشبكتها وترميزها، حيث يحتل كشف النقاب عن هذه الآلية المعقدة أهمية خاصة للمعالجة الفعالة للعديد من الأمراض، كما قد يساعد أيضا في بناء نسج صنعية حية جديدة.
مسارات نانوية
ألقى الباحثون نظرة قريبة فاحصة غير مسبوقة على كيفية نقل أيونات الكالسيوم للرسائل داخل الخلية، حيث تعد أيونات الكالسيوم (+Ca2) جزءا أساسيا من نظام المراسلة لخلايانا، وتعتبر إشاراتها ضرورية لمجموعة واسعة من الوظائف، بما في ذلك حركة الخلايا ونموها وموتها.
وتشبه الخلايا الحيوانية إلى حد ما الأكياس، ولها بنى مختلفة تسمى العضيات تطفو داخل الخلية (التي تشبه الكيس)، وتكون عادة معلقة في مادة تشبه الهلام تعرف باسم العصارة الخلوية أو “السيتوسول”، وتشكل محتويات الخلية الداخلية ما يعرف باسم السيتوبلازم.
وحتى الآن، كان يعتقد أن أيونات الكالسيوم تتدفق عبر السيتوبلازم لإخبار الخلايا بما يجب القيام به، لكن -حسب الدراسة الأخيرة- يبدو أن الاتصالات الخلوية أكثر تنظيما من ذلك، حيث اكتشف الباحثون أن أيونات الكالسيوم لديها شبكة خاصة بها من “التوصيلات”، وتسمى شبكة الأسلاك هذه المسارات النانوية، وهي تنتقل في اتجاه النواة الموجودة في قلب الخلية وتتحكم في الجينات التي يتم إطلاقها، كما تتحكم في طرق التعبير عنها.
هذه “التوصيلات” ليست ثابتة أيضا، فمع تغير سلوك الخلية يمكن إعادة تشكيل هذه المسارات النانوية، وفقا لذلك التغيير.
حاسوب حي
استخدم الفريق خلايا الفئران للتحقيق عن كثب في هذه الظاهرة، واستخدم المجهر الإلكتروني للكشف بدقة عن كيفية عمل هذه المسارات النانوية.
ويوضح الباحثون أن سلسلة المسارات النانوية -التي تحمل أيون الكالسيوم-تعمل إلى حد ما على غرار وظيفة الأنابيب الكربونية النانوية المستخدمة في المعالج الدقيق للحاسوب، وذلك على الرغم من أن الخلايا أسبق، وتبدو أكثر تقدما في استخدام مثل هذه الآلية الحديثة.
ويوضح الباحثون في بحثهم المنشور أنه “من الأهمية بمكان ملاحظة أن هذه الدائرة ليست مثبتة (أي أنها قابلة للتغيير أو التعديل) وتعيد تشكيل مختلف النواتج أثناء تكاثر الخلايا”.
ويقول مارك إيفانز المتخصص في العلوم الخلوية الصيدلانية وأحد الباحثين المشاركين في البحث الأخير “هذا شيء لا تستطيع المعالجات الدقيقة أو لوحات الدوائر الكهربائية تحقيقه حتى الآن”.