يوم عاشوراء.. بين دموع موسى ودماء الحسين
الشيخ كمال خطيب
دموع موسى عليه السلام
غدًا السبت العاشر من محرم من العام الهجري الجديد 1439، وهو نفسه يوم العاشر من الشهر الأول من العام العبري الجديد، ذلك أنّ التقويم الإسلامي والتقويم العبري هو التقويم القمري وليس الشمسي حيث التقويم الغربي.
غدًا السبت هو ما يسمى عيد الغفران عند اليهود والذي يعتبر من أقدس أعيادهم. ومن أهم خصائص هذا اليوم هو الصيام بنية التخلص من ذنوب العام الماضي وتكفير السيئات، حيث يرجع تاريخ صيام هذا اليوم إلى موسى عليه السلام، وقد نزل من طور سيناء للمرة الثانية بعد أن ذهب يستغفر لقومه ذنبهم بعبادة العجل وهذا وفق الرواية الإسرائيلية.
وأما نحن المسلمين، فإننا نصوم يوم العاشر من محرم اقتداء وتأسيًا بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لمّا وصل إلى المدينة المنورة يوم الهجرة فقد وجد من فيها من اليهود صائمين، فلما سألهم عن مناسبة صيامهم، قالوا: (هذا اليوم الذي نجّى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه) فقال صلى الله عليه وسلم: (أنا أحق بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه، ثم قال صلى الله عليه وسلم في بيان فضل صيامه (أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله). ولئلا يُظنّ بأن هذا الصيام تقليدًا لليهود وليس حبًا لموسى عليه السلام فقد قال صلى الله عليه وسلم مطالبًا بمخالفة اليهود (خالفوا اليهود وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده). وفي رواية (خالفوا اليهود وصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده ).
كانت المرة الأولى التي ذهب فيها موسى عليه السلام لملاقاة ربه سبحانه في طور سيناء ويرجع بالألواح التي كتبت عليها التوراة، وخلال غيبته وإذا بقومه يُفتنون ويصنعون لهم عجلًا ذهبيًا يعبدونه من دون الله، فلما رآهم على تلك الحالة غضب غضبًا شديدًا، ومع الغضب بكاء على ما أصاب قومه {ولما رجع موسى إلى قومه غضبانًا أسفًا قال بئسما خلفتموني فيه من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح} 10 سورة الأعراف. لقد ألقى الألواح من شدة الغضب وبكى من شدة التأثر والحزن.
ثم كانت المرة الثانية التي ذهب فيها موسى عليه السلام لملاقاة ربه، واختار معه سبعين رجلًا من صفوة بني إسرائيل ليتوبوا بين يدي الله من جريمة اتخاذهم العجل إلهًا من دون الله، لكن اللافت بل الصاعق والمذهل أن هؤلاء الصفوة وما إن وصلوا إلى المكان الموعود في طور سيناء وإذا بهم يقولون لموسى {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} 55 سورة البقرة. عندها سلّط عليهم الرجفة فصعقوا، عندها بكى موسى عليه السلام ودعا الله أن يكشف عنهم الرجفة حتى لا يقول بنو إسرائيل أنّ موسى ذهب بخيارهم وصالحيهم ثم أهلكهم {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا…. } 100 سورة الأعراف.
فلأن الله سبحانه لم يهلك هؤلاء الأخيار رغم قلة أدبهم، ولأنه سبحانه استجاب لموسى فلم يميتهم بالرجفة، ولأنه تاب على بني إسرائيل بعد عبادة العجل فإنهم صاموا شكرًا لله سبحانه، وكان هذا في اليوم العاشر الذي أصبح فيما بعد يعرف بيوم الغفران فيه يصومون ويستغفرون ويتقربون إلى الله سبحانه.
لكن اللافت أنّ موسى عليه السلام وهو يدعو الله أن يغفر لقومه والله سبحانه قد قبل مغفرتهم، فإنه سبحانه قد أخذ على بني إسرائيل العهد والميثاق أن يتخلقوا بأخلاق ويتصفوا بصفات لاستمرار قبول توبتهم، بل إنه أخذ عليهم العهد أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتبعوه إذا ظهر بينهم. نعم لقد كان من شروط قبول توبة الله على بني إسرائيل أنه أخذ عليهم العهد والميثاق باتباع الرسول النبي الأميّ ويسيرون على هديه وأخلاقه، ولقد أخذ موسى العهد على قومه كما أمر الله سبحانه، قال الله تعالى {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }156 – 157 سورة الأعراف.
نعم لقد وصف الله سبحانه مستحقي التوبة والقبول والرحمة والمغفرة من بني إسرائيل بعد جريمة عبادة العجل أن يكونوا متصفين بصفات أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل وأساسها الايمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وليس العداء السافر والكيد والحقد كما هو سلوك من ينسبون أنفسهم إلى موسى عليه السلام. ولأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف قدر أخيه موسى ومقامه، فإنه الذي قال ليهود المدينة وقد وجدهم يصومون “أنا أحق بموسى منكم” فصام ذلك اليوم شكرا لله وحبًا لأخيه موسى عليه السلام.
إنه اسم محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه وصفاته موجود في التوراة وفي الإنجيل ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لذلك فقد آمن بعض أحبار اليهود مثل عبد الله بن سلام وبعض كهنة وعلماء النصارى مثل تميم الداري رضي الله عنه.
نعم إنّ دموع موسى كانت عزيزة على الله سبحانه، لأنها كانت دموع الايمان والصدق والرحمة منه لقومه، فكانت سببًا لتوبة الله على بني إسرائيل. ولأن ذلك اليوم كان مشهودًا يوم نجّى الله موسى وقومه من ظلم فرعون وقومه وأهلكهم، ثم تاب الله على بني إسرائيل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف قيمة إخوانه الرسل الكرام فصام ذلك اليوم وحبّب إلينا صيامه، ولكنه لأنه علم ما سيكون عليه قوم موسى من مخالفة لشريعته فقد أمرنا بمخالفتهم بصيام يوم قبله ويوم بعده أو يوم قبله أو يوم بعده. صلى الله على موسى ومحمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
دماء الحسين
يظن البعض أننا نحن المسلمين نعظّم يوم العاشر من محرم لأنه اليوم الذي قُتِل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب مع عظيم حبنا لهما رضي الله عنهما. وهذا جهل ما بعده جهل حيث شاء الله أن يكون يوم مقتل الحسين في يوم العاشر من محرم سنة 61 هجري، هذا اليوم العظيم الذي سبق لجد الحسين الرسول صلى الله عليه وسلم أن عظّمه وحبّب إلينا صيامه لأنه اليوم الذي نجّى الله موسى وقومه من فرعون وجنده. ولو كان تعظيم هذا اليوم بسبب مقتل الحسين فيه لكان من الأولى أن نعظم اليوم الذي قتل فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو حتى اليوم الذي مات فيه جد الحسين أي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن الشيعة وهم الذين افتروا كذبًا بأن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجب أن تكون لعلي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته فاطمة الزهراء، لكن أبا بكر وعمر وعثمان قد اغتصبوها على حد زعمهم وخزعبلاتهم.
نعم لقد وقعت الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وازدادت خلال خلافة علي كرم الله وجهه، وعلا لهيبها أكثر وأكثر حين تحزب البعض وتشيّعوا وناصروا الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم جميعا. أما الحسن فقد تنازل لمعاوية درءًا للفتنة، وأما الحسين فقد أغراه أهل العراق بأنهم سيناصرونه لكنهم سرعان ما تخلوا عنه وقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء يوم 10 / محرم /61 هجري.
وفي هذا اليوم نرى الشيعة يظهرون وكأن هذا اليوم ومكانته لأن فيه قتل الحسين وسالت دماؤه الشريفة، وليس لأن جد الحسين قد عظّمه، نرى تلك المظاهر من إسالة دمائهم وضرب أجسادهم بالخناجر والجنازير تلويمًا لأنفسهم كيف أنهم لم ينصروا الحسين.
لقد ابتدأ مشوار التشيّع من نصرة الإمام علي وأبنائه وانتهى بسبّ الصحابة رضي الله عنهم والتطاول عليهم ويظهر ذلك دائما، ولكنه يبرز أكثر في يوم عاشوراء الذي ألفّوا فيه الروايات والقصص حتى قال قائلهم ( في كل خطوة يخطوها الزائر في سبيل زيارة الحسين له قصرٌ في الجنة). وقول قائلهم (من بكى أو تباكى على الحسين وجبت له الجنة ).
لقد أصبح يوم عاشوراء يومًا للتحشيد الطائفي ليس ضد الأعداء ولكن ضد المسلمين من غير الشيعة، ولقد برز هذا جليًا حين قام الشاه إسماعيل الصفوي ملك إيران باستغلال عاشوراء لجمع أهل فارس لمواجهة الخلافة العثمانية. وكانت هذه الخطوات ذات تأثير كبير حيث قامت جيوشه بالانقضاض على أطراف الدولة العثمانية مما اضطر السلطان سليمان القانوني لإيقاف زحفه في وسط أوروبا عند فيينا عاصمة النمسا والرجوع لمواجهة الجيش الفارسي الطائفي.
وما يحدث اليوم من تحشيد طائفي إيراني، ويظهر ذلك عند أذرع إيران سواء في جنوب لبنان أو في العراق أو في اليمن حيث يستغل يوم العاشر من محرم (عاشوراء) ليكون أهم منبر وأكبر حشد لزيادة الجرح الطائفي والانقسام المذهبي الذي تعاني منه الأمة.
ليس هذا وحسب بل، إننا نجد ونلمس أنّ الذين تظاهروا بنصرة الحسين وضد الظلم الذي وقع عليه، فإنهم يصبّون جامّ غضبهم على المسلمين من أهل السنة وليس على الأمريكان ولا على الإسرائيليين الذين يتظاهرون بأنهم أشد أعدائهم، وإذا بنا نجد أمريكا الشيطان الأكبر قد تحوّل إلى حليف غير معلن وهذا يظهر في التناسق بين سياسة البلدين في سوريا وفي العراق وفي اليمن.
فإذا كان هؤلاء يعتقدون بالظلم الذي وقع على الحسين فكيف يمارسون هم الظلم ضد المسلمين الآخرين، ورأينا ما فعلوه في أهل سوريا من قتل وتهجير وتشريد، وإلا فما الذي أتى بالشيعي الأفغاني والباكستاني والإيراني والعراقي إلى أرض سوريا يذبحون الأطفال ويغتصبون النساء باسم الدفاع عن الحسين وأبيه، وكأنهم هم أولى بالحسين وأقرب إليه رضي الله عنه وعن أبيه.
وعليه فإننا نحن المسلمين لا نعظّم يوم العاشر من محرم اكرامًا لبنى إسرائيل لا في الماضي ولا في الحاضر، ولكن احترامًا وتعظيمًا لدموع موسى عليه السلام وبكائه الصادق يوم فُتِن قومه وعبدوا العجل ويوم تاب الله عليهم، وقبل ذلك بكاؤه شكرًا لله أن نجّاهم بعد أن شقّ لموسى البحر وأغرق فرعون وجنوده. وإننا كذلك لا نعظّم هذا اليوم بسبب تزامن مقتل الحسين فيه مع حبّنا للحسين وأبيه رضي الله عنهما ولكنه حبًا واقتداء بجده الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الذي عظّم هذا اليوم.
نحن أمة الإسلام أولى وأحق بموسى عليه السلام من بني إسرائيل يومها واليوم.
ونحن أمة الإسلام أولى وأحق بالحسين عليه السلام من الشيعة يومها واليوم.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون