صمت “الحاضرون الغائبون” – المحاضرون العرب في الأكاديميّة الإسرائيلية.. إصدار حديث للأكاديمي الفحماوي ابراهيم فريد محاجنة
يستعرض د. ابراهيم فريد محاجنة، من مدينة أم الفحم، في كتابه الجديد ” صمت “الحاضرون الغائبون”- المحاضرون العرب في الأكاديمية الإسرائيلية”، واقع المحاضرين العرب في الأكاديميا الإسرائيليّة، متفقا مع الإجماع السائد حول آليات التمييز التي تديرها دولة إسرائيل ضد مواطنيها العرب، ويعرض للتفسير القائل إنّ الديمقراطية “الجمهورية” في إسرائيل تتضمن نوعين من المواطنة: المواطنة الليبراليّة للعرب، والجمهورية لليهود.
ويعمل محاجنة محاضرا كبيرا في المعهد الأكاديمي العربي للتربية- بيت بيرل، حاز على الألقاب الثلاثة في الخدمة الاجتماعية بدرجة الامتياز من الجامعة العبرية في القدس. وحصل على البوست دكتوراه من جامعه تل أبيب. تركزت أبحاثه في الفترة الأخيرة على أربعة محاور مركزية: تعاطي المجتمع العربي في إسرائيل مع الفقر؛ المحاضر العربي داخل الأكاديميا الإسرائيلية؛ تطور الخدمات الاجتماعية في الداخل الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني إلى الآن؛ وتوطين مهنه الخدمة الاجتماعية في الداخل الفلسطيني.
وفي كتابه يتطرق محاجنة إلى التفسير القائل إنّ الديمقراطية “الجمهورية” في إسرائيل تتضمن نوعين من المواطنة: المواطنة الليبراليّة للعرب، والجمهورية لليهود، وهي ديمقراطية، وإن بدا لأول وهلة أنّ اليهود والعرب يتمتعون فيها بحقوق رسمية متساوية، إلا أن اليهود فقط هم من يستطيعون ممارسة مواطنتهم من خلال المشاركة في الصالح العام، وهو النهج الذي ميّز المؤسسات الحاكمة لدولة إسرائيل وتمثل في انتزاع الملكية والاستيلاء على الموارد وإنشاء مشروع التهويد، الذي يعطي امتيازات لليهود ويخلق فصلًا عنصريًا متغلغلا.
وأضاف أن “هذا النهج، يخلق مجموعات سكانية منفصلة تتلقى كل منها حزمة من الحقوق على أساس عرقي، بينما يتميز عمل المؤسسات الرسمية في إطاره بالازدواجية العلنية حيث أنّ الموارد المخصصة للمجتمع العربي محدودة، كما أنّ شروط الاستحقاق لا تتطلب معايير موضوعية، مثل المواطنة أو الحاجة، بل ترتكز إلى معايير انتمائية، مثل الفئوية الجمهورية “منفعة الولاء” وحتى “المحسوبية”.
وعمومًا، فإنّ الإطار البنيوي الذي ينبري تحته الفلسطينيون في إسرائيل، كما يقول، هو ما يهمشهم ويقصيهم عن عملية صنع القرار السياسي وتوزيع الموارد المادية والمعنوية، أمّا مشاركتهم في الاقتصاد الإسرائيلي فتقع على هامشه دونما تطوير لاقتصاد فلسطيني مستقل وقسم “تعليم العرب” يهدف إلى إحكام السيطرة عليهم من خلال عدّة أدوات، أهمها تعطيل إقامة جامعة عربية.
وأشار إلى أن تعطيل إقامة جامعة عربية في الداخل “أثرت على بلورة وتشكيل الهوية الجمعية والثقافية، كما أنها تخلق أزمةً فعليةً لمئات الأكاديميين العرب من محاضرين وباحثين لا يجدون الإطار المناسب لاستيعاب كفاءاتهم العلمية، فيضطر بعضهم إلى الهجرة، وبعضهم الآخر إلى الاندماج في أماكن عمل دون مستوى هذه الكفاءات، فيما يجد من استطاعوا الوصول بشق الأنفس إلى الأكاديميا الإسرائيلية أنفسهم أمام فصل آخر من المعاناة” والتي هي عنوان البحث في كتابه المذكور.
وبحسب محاجنة، فإن عدد المحاضرين العرب في الجامعات الإسرائيلية، وفق معطى من عام 2013، يشكلون 2% فقط من مجمل المحاضرين في الأكاديميا الإسرائيلية، في حين أوردت دراسة حول الموضوع، اعتمدت على أرقام صدرت في العام ذاته، أن عدد المحاضرين الكبار في الجامعات الإسرائيلية هو 4665 بينهم 4583 يهوديا و82 عربيًا يشكلون 1.75% فقط.
وحول هذه النقطة يقول “من المفترض أن الأكاديميا هي المكان الوحيد الذي يكون فيه العربي مساويًا لليهودي، بل ومتفوقًا عليه بحكم الموقع، أستاذ/ تلميذ، ولكن موازين القوى القائمة خارج أسوار الأكاديميا تخترق هذه الأسوار وتدفع بالأكاديمي العربي إلى زاوية مكانته الهشة والهامشية التي كانت خارج الأسوار، وتغدو بذلك ألقاب الدكتوراه أو المحاضر الكبير والبروفيسور لا تسمن ولا تغني من جوع أمام موازين القوى التي ترجح الانتماء القومي، عربيًا أم يهوديًا، على أيّة اعتبارات أخرى، هذا الانتماء يطغى على كافة نواحي الأكاديميا، سواء بالعلاقة مع الطلاب أو العلاقة مع الإدارة المهنية أو التنظيمية أو بالتعامل مع مجلس التعليم العالي”.
وحول أعداد المحاضرين العرب في الكليات قال محاجنة “أولا يجب التمييز بين كليات تأهيل المعلمين، التي تمنح ألقابًا في التعليم فقط، وبين الكليات الأكاديمية التي تمنح ألقابًا أكاديمية، وتلك الكليات لا تتجاوز فيها أعداد ونسب العرب الأكاديميين العاملين فيها الأعداد والنسب القائمة في الجامعات بكثير، والحديث يدور عن العشرات، قد يتجاوزون المئة ولكن لا يصلون المئات، في إطار بحثي وصلت إلى الغالبية العظمى وأجريت مقابلات معهم، بمعنى أنني لم آخذ عينةً فقط، إنما اعتمدت على المجموعة كلها وسمعت وأسمعت صوتها، واستطيع القول إنها مجموعة تعاني في أكثر من مستوى، فالكثير منهم يرون الفجوة الكبيرة بين كفاءاتهم وتحصيلهم وبين واقعهم التشغيلي، إضافة إلى محاولات “طيّهم” واحتوائهم وتوظيف أبحاثهم وعملهم الأكاديمي في خدمة الأجندة الإسرائيلية، هذا ناهيك عن الحصار والرقابة الذي يقعون تحتهما”.
وحول تفسره لمفهوم “الحصار والرقابة” قال د. ابراهيم محاجنة “المصنع الاستعماري الكولونيالي الإسرائيلي لا يرحم أحدًا، نحن نقع تحت وطأة استعمار داخلي أو كولونيالية داخلية بتعبير أحد المحاضرين، فالمحاضر العربي تحت المجهر حتى إنّ السلطة داخل قاعة المحاضرة هي للطالب اليهودي وليس للمحاضر العربي، وهناك ما يمكن تسميته بـ”الشرطة المعرفية” من جماعة “إم ترتسو”، التي يراقب أفرادها ويسجلون ما يقول المحاضر العربي ولديهم قوائم سوداء، وإن كانت تلك حالات شاذّة، لأن المحاضر العربي يمارس على نفسه رقابة صارمة منعًا للوصول إلى هكذا وضع”.