حكومة فرنسا تفشل في نزع فتيل أزمة “السترات الصفراء”
في محاولة منها لوأد حركة الاحتجاجات ونزع فتيل الأزمة الاجتماعية التي تقودها حركة “السترات الصفراء” ألغت الحكومة الفرنسية كل الزيادات الضريبية على الوقود، بعدما كانت قد قررت قبل ثلاثة أيام “تجميدها” لمدة ستة أشهر.
لكن هذا التنازل الحكومي رغم أهميته اعتبرته الحركة مجرد ذر للرماد في العيون، ووصفته بـ “الفتات” ودعت إلى مواصلة المظاهرات حتى الاستجابة إلى كل مطالب المحتجين.
اقتحام الإليزيه
وقد امتد الغليان الشعبي -الذي تقوده السترات الصفراء منذ ثلاثة أسابيع-إلى أوساط مهنية واجتماعية أخرى بعدما عبرت النقابات الطلابية وعمال قطاع الصحة والمزارعون وسائقو الشاحنات عن مساندتهم لتلك الحركة، والمشاركة في احتجاجات غد السبت جنبا إلى جنب.
واستنجد الرئيس إيمانويل ماكرون بالأحزاب والنقابات، وطالبها بالكف عن صب المزيد من الزيت على النار، والاحتكام إلى صوت العقل والحكمة حسب وصفه.
وأعلن قصر الإليزيه في بيان أنه يخشى “عنفا هائلا” غدا في حال قرر ذوو “السترات الصفراء” الخروج في مظاهرات مجددا رغم دعوات الحكومة إلى التهدئة وإلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
كما حذر من انزلاق الأمور إلى مواجهات دامية مع المحتجين، بعدما دعا أحد قادة الحركة صراحة إلى “اقتحام قصر الإليزيه”.
ويرى مراقبون أن “السترات الصفراء” -التي رأت النور كحركة اجتماعية غير مسيسة وغير حزبية تمثل الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود-لم تتمكن على مدى الأسابيع الماضية من تأطير نفسها نظرا لغياب قادة وزعماء لتوجيهها لاتخاذ الخطوات الصحيحة، مما سهل على عدد من الحركات الشعبوية والعنصرية اختراقها، وهو ما يفسر أعمال العنف والاشتباكات مع قوات الأمن الأسبوع الماضي.
رهينة
في نفس السياق، أوضحت جاكلين مورو (إحدى الناشطات اللواتي أطلقن حركة “السترات الصفراء”) -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن الحكومة تتحمل وزر ما آلت إليه الأوضاع، محذرة في الوقت ذاته بأن السترات الصفراء باتت رهينة في أيدي بعض الحركات الشعبوية المتطرفة التي تريد الفوضى والخراب وتشترط رحيل كل من الرئيس والحكومة معا.
وأشادت مورو بقرار الحكومة بإلغاء الضرائب عن الوقود معتبرة إياها خطوة إيجابية لكنها غير كافية، واعتبرت أن على الحكومة اتخاذ إجراءين مهمين قد يخرجان البلاد من أزمتها وهما رفع معاشات البسطاء وإعادة فرض ضريبة الثروة على الطبقات الميسورة.
كما حثت الناشطة قيادات حركة “السترات الصفراء” إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة من أجل الخروج من الأزمة التي باتت تعصف بمستقبل البلاد حسب تعبيرها.
“عجرفة” ماكرون
وفي نفس السياق، حمل توماس جينوليه (أكاديمي وقيادي بالحزب الراديكالي اليساري) مسؤولية تأزم الأوضاع للرئيس، معتبرا أنه تعامل مع مطالب المحتجين بعجرفة كبيرة ولم يسرع في الاستجابة لمطالبهم.
كما اتهم جينوليه الحكومة بجر المحتجين إلى العنف من أجل نزع أي مصداقية بشأن مطالبهم المشروعة، ولفت إلى أن العنف الحقيقي هو الذي مارسته هذه الحكومة ضد الفئات المتوسطة والفقيرة منذ نحو عامين، من خلال فرض مزيد من الضرائب تمخض عنه انفجار اجتماعي لا تعرف كيف تطفئه حسب وصفه.
وقد جاءت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة متأخرة وغير كافية، بحسب القيادي الراديكالي الذي لفت إلى أن الحل الوحيد لوقف الاحتجاجات هو الاستجابة لمطالب الفرنسيين الذين لم يعودوا يتحملون غلاء المعيشة وفرض مزيد من الضرائب التي أنهكت قدرتهم الشرائية.
ودعا القيادي اليساري الحكومة إلى رفع الأجور بالنسبة للفئات الاجتماعية الفقيرة، وفرض مزيد من الضرائب بالنسبة للفئات الغنية خصوصا إعادة فرض “ضريبة الثروة” المثيرة للجدل.
كبش فداء
بدوره اعتبر المحلل السياسي مصطفى الطوسة أن الرئيس أدار الأزمة بشكل سيئ منذ بدايتها، وأساء تقدير قوة حركة “السترات الصفراء” نظرا لضعفها التنظيمي والهيكلي.
ويرى الطوسة أن مظاهرات غد السبت ستكون مفصلية بالنسبة لولاية ماكرون، خصوصا إذا شهدت أعمال عنف جديدة لأنها تهوي بالبلاد إلى أزمة سياسية غير مسبوقة.
وفي حال ازدادت الأوضاع تأزما فإن ماكرون -حسب المحلل السياسي-سيضطر إلى التخلي عن رئيس حكومته إدوارد فيليب وتقديمه كبش فداء، خصوصا أن هذا الأخير لم يتحرك بسرعة لإخماد حركة الاحتجاجات.