أرض النقب.. من لعذابات رمضائها
سليمان أبو هاني
قد يستغرب البعض أن تصاعد ممارسات السلطة ضد عرب النقب قد انحصر زمانياً في السنوات الأخيرة فقط، متغافلين بذلك عن أزمنه تبوأت فيها قضايا ملكيه أرض النقب (أعلى) رأس سلم أولويات السلطة بل ومنذ نعومه أظفارها ومن خلال أجندات متعددة ومختلفة التقنيات والمعالم، منها ما هو ذو طابع ناعم المعالم وأخرى عنجهية وقمعية صرفه.
كان في أرضية هذه الأجندات معطيات ذات صله مباشرة بسلوكيات أهل النقب وحضورهم أفقيا ومحورياً على الأرض، عزز ذلك نقاط قوه متمثلة بالتكاثر السكاني والتوزيع القبائلي.
تمخض عن هذه المعطيات عهد جديد فيه تعاظمت عذابات الأرض والأنسان ومنها بلورة وتطبيق خطط لتغييب الإنسان العربي في النقب عن امتداده الفلسطيني والعربي والاسلامي تربويا وتوعويا ومعنويا.
ولأن النقب والذي تشكل مساحته ما لا يقل عن 65% من مساحة فلسطين التاريخية قد أكسب أهله، بيولوجيا ومعنوياً، صبغة
السلوك الحذر بنشأته في ظروف المعيشة الصحراوية، على متعتها ومخاطرها، حذرا كان بنيه خصبه لأن يحمل في طيات صاحبه العزم والقناعة الحديدية أنه لن يتزحزح عن أرضه ومسكنه مهما أحاطت به ارسالات وحقائب الترغيب والترهيب.
ولقد كانت السلطة على دراية بهذه الصفات السلوكية للإنسان العربي في النقب، فقد صاعدت من أليات الإقصاء، سواء كان ذلك بطرق ناعمه متمثلة ببث عشرات الجمعيات المشبوهة والتي تظهر بين ربوع الناس بلباس القلق لمصيرهم والحريص على مصالحهم ومستقبل أبنائهم وحريه اختيار العمل والتعليم والمظهر لدى نسائهم، على اختلاف أطيافهم، حالها بذلك حال الثعلب الذي برز يوماً في ثياب الواعظينا!.. أو بطرق إقصائية وصلت إلى حد استحضار واستعادة تطبيق أليات التغريب (الترانسفير الداخلي) ومنها على سبيل المثال هدم المنازل والقرى العربية وإبادة بعضها بشكل كلي عن الأرض.
مخطئ من يظن أن رؤية المؤسسة الإسرائيلية لقضية النقب، الأرض والإنسان، هي شأن إسرائيلي داخلي يبرز على الساحة الاعلامية الإسرائيلية حين يكون له حيز إعلامي، وأنه يمكن فرزه داخل أوراق التدوير الإسرائيلية في المكاتب الحكومية ذات الصلة، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا أقحمت المؤسسة الإسرائيلية أقدر جنرلاتها تجريه وحنكهً لتتصدر مجلس إدارة الازمة المسماة “تسويه أراضي النقب” كالجنرالات برافر وعميدرور والقاضي جولدبرغ.
لا غرابه أن مثل هذه المحاولات الفاشلة “لتسويه أرض النقب” تصب في الأرشيف الفكري لدى ساسة المؤسسة، أن العربي بحنكته وصبره ودهائه قد فرض على الأرض سباق أدمغه صرف..، محولا بذلك ملف الأرض والإنسان في النقب إلى ملف شائك وشديد التعقيد بقيت الآت الاقتلاع مرفوعة الايدي في وجهه…
شتان إذاً بين ما يبذله الجانب السلطوي من ممارسات، وعلى كل المستويات وتحديداً الجماهيرية منها، من طاقات نفسية ومادية في التصدي للمخاطر المحدقة، وبين ما يبذله العربي لأجل بقائه على الأرض، والمتمثل بثباته وبقائه وعزمه وتصميمه دون الاحتياج إلى مليارات الطرف الآخر بل ودون أدنى مقومات الحياة!
إذا هي ايام او شهور او بضع سنين الفصل، الى ان يصل (او لا يصل) كلا (او بعض) طرفي الصراع الى خط نهاية لا رجعه بعده.
وتلك الايام نداولها بين الناس..