لن نعبد الله سرًا بعد اليوم
الشيخ كمال خطيب
إنّ الحرب السافرة التي يشنّها ويخوضها أعداؤنا فإنها تستهدف الإسلام في شخص حركات إسلامية يصفونها بالإرهاب والتطرف. وهم في الحقيقة يتخذون ذلك ستارًا يخفون خلفه حقيقة استهدافهم للإسلام. إنهم الأعداء يخدمهم وينفذ مخططاتهم العملاء من بني جلدتنا من أصحاب الجلالة والفخامة.
ولقد ظنّ هؤلاء أن نظرية ( ما لا يأت بالقوة فإنه يأت بمزيد من القوة). فلقد ظنوا أنّ كيدهم ومكرهم وحربهم السافرة هذه ستقود إلى أن يتخلى أصحاب الدعوة عن دعوتهم، وأن يديرون الظهر لإسلامهم ناسين أو جاهلين أنّ هناك نظرية أخرى تقول( إنّ لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه).
إننا ونحن الذين نعيش تدرج هذه الحرب العالمية على الإسلام اتخذت لها شكل تحالفات دولية، واعتمدت كل الوسائل المتاحة لها والإمكانات المسخرة بين يديها سياسيًا وفكريًا وإعلاميًا واقتصاديًا وطبعًا عسكريًا، حتى أصبحت بلادنا وأجساد أطفالنا حقول تجارب لأسلحتهم الحديثة يجربونها في بلادنا وعلى أهلينا. إنهم ظنوا أنهم يسجلون انتصارًا على الإسلام ليس بالنقاط وإنما بالضربة القاضية، لكنهم في كل مرة كانوا يتفاجأون باطلالة للإسلام جديدة وبموجة جارفة لا يقدرون على مواجهتها.
ولأننا على ثقة ويقين بمستقبل الإسلام، وأنه الحق وما دونه الباطل، فإنه العهد منا أن لا ندير للإسلام ظهورنا، ولا ننقض مع دعوته عهدا ولا بيعة، بل إننا الذين سنزداد به اعتزازًا وبالانتماء إليه فخرًا، نقول ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم أسلم وجرّد سيفه وخرج إلى جوار الكعبة ينادي بأعلى صوته ويقول: ( والله لا أعبد الله سرّا بعد اليوم )، إنه عمر رضي الله عنه لمّا أسلم فإنه قد سأل عن أشهر الناس في قريش ثرثرة وأسرعهم نقلا للأخبار، فقالوا له إنه جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى إذا لقيه قال له: يا جميل إني قد أسلمت، فوالله ما ردّ الرجل عليه كلمة حتى قام يجرّ رداه، حتى إذا قام على باب المسجد الحرام صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش ألا إنّ عمر بن الخطاب قد صبأ وعمر خلفه يقول: كذَب ولكني والله أسلمت أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله.
نعم إننا على هدي عمر رضي الله عنه، وحتى لو قالت عنا كل وسائل الإعلام أننا إرهابيون ومتطرفون فإننا مسلمون، الله غايتنا والقرآن دستورنا ومحمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا. فلتقل عنا كل وسائل إعلام الدنيا كما نقل جميل بن معمر عن عمر رضي الله عنه، فإننا لن نختفي ولن نتوارى ولن نعبد الله سرًا بعد اليوم، ولن نخجل في أن نقول للدنيا كل الدنيا من نحن.
أنا مسلم ولي الفخار فأكرمي يا هذه الدنيا بدين المسلم وأنا البريء من المذاهب كلها وبغير دين الله لن أترنم ولتشهد الأيام ما طال المدى أو ضمّ قبري بعد موتي أعظمي إني لغير الله لست بعابدٍ ولغير دستور السما لن أنتمي
ارفع رأسك فأنت مسلم
إنه الإسلام الذي علمنا أنّ العزة ليست إلا لله ولرسوله وللمؤمنين. إنه الإسلام الذي غرس فينا فهم أنّ من دلالات سجود المسلم وركوعه في صلاته لا يكون هذا إلا لله رب العالمين، وأنّ هذه القامة التي تنثني وتنحني لله فإنها لا تفعل لبشرٍ أيًا كان، وأنّ هذا الرأس المرفوع لا يعرف أن يطأطئ، بل حرام عليه أن يفعل ذلك أبدا لغير الله رب العالمين.
وإن أعداءنا بغبائهم فإنهم يظنون أنّ الظروف والواقع الذي تعيشه الأمة، وهذا الاستقواء من الباطل، وهذا التداعي من الأمم علينا كما يتداعى الأكلَة على القصعة، فإنها الفرصة الذهبية ليدرك المسلمون أن نجمهم قد أفل وأنّ شملهم قد تشتت، وأنّ دينهم يلفظ أنفاسه الأخيرة ويوشك أن يشيّع إلى مثواه الأخير، وليس المطلوب بل لم يعد أمامهم إلا شيء واحد يفعلونه وهو أن يسيروا مثل العبيد، وأن يقبّلوا يد الظالم، وأن يتوسلوا إليه ليلقي عليهم بقايا فتاته، وأن يتعطف عليهم بما تجود به نفسه وإلا…..
فلهؤلاء الواهمين اللاهثين خلف سراب غرورهم، لهؤلاء الذين لا يقرأون التاريخ، وإذا قرأوه فإنهم لا يستفيدون من عظاته وعبره. لهؤلاء نقول بأنّ الزمان قد تغير وأنّ الأحوال تبدلت، وإن في الأمة اليوم يسري نفسٌ يعبق بالعزة ويجري في العروق دمٌ طاهرٌ يقطر همة وقوة وشموخًا. إننا نقول لهم بأننا قد نفضنا عنا غبار وذل السنين وخلعنا معطف الهوان، إننا الذين قلنا :
سلامٌ على الدنيا سلامٌ على الورى إذا ارتفع العصفور وانخفض النسر
إننا أبناء الإسلام اليوم نوصي بعضنا بأنّ الإسلام أغلى علينا من أبنائنا وأهلينا وأنفسنا، وإننا من أجل الإسلام وعزّته فلن نبخل بالغالي والنفيس، وإننا الذين على ثقة ويقين بأنّ الزمان زماننا والمرحلة مرحلتنا وأنّ المستقبل لنا، فلا مكان بعد اليوم للذل ولا للهوان ولا للوقوف كالأيتام على موائد اللئام ننادي ويصرخ كل منا برأس مرفوع :
أنا مسلم سر الكرامة في دمي وعقيدتي التوحيد ليس فخارا
أنا مسلم عودي قويٌ راسخٌ سأقاوم التيار والاعصارا
أنا مسلم أمشي بخطوٍ ثابت وأقارع الأهوال والأخطارا
أنا من يحوز المجد من أطرافه ويحوّل التاريخ والأسفارا
حريتي عزمي وذلّي شهرتي أنا دستها وصنعتها إكبارا
فارفع رأسك يا مسلم، ارفع رأسك يا وريث محمد صلى الله عليه وسلم. ولا تنحني ولا تخضع ولا تطأطئ الرأس، ابق شامخًا منتصب القامة وتذكر أن المستقبل لك، وأنك إذا انحنيت للأقزام اليوم فإنك غدًا ستعض أصابع الندم، وستبكي على نفسك ألمًا وحسرةً كيف أنك انحنيت
أأبكِي عليكَ؟ أأبكِي إليكَ؟ أأبكِي علينَا لِمَا قدْ جَنيْتْ؟
ففي غدِكَ المُستباحِ الجريِح ستصرخُ “ياليتني ما انحنيْتْ”
ويرتدُّ سهمُك في مُقلتيكَ ولن يُنقذَ البيتَ آلاف “لَيْتْ”
وتُدْركُ – بعدَ فواتِ الأوانِ بأنكَ لمَّا انْحَنَيْتَ.. انْتَهَيْتْ
قولوا لا وألف لا
لأنها مفاهيم كثيرة، تسربت إلينا فقبلناها وصدّقناها بل إنها شكلت شخصيتنا، وصبغت ثقافتنا وهي التي دُسّت إلينا كما يُدس السم في العسل. فقد ظنّ البعض وما أكثر هذا البعض أنّ السلامة والنجاة والسعادة في قول نعم وأنّ البلاء والألم والشقاء في قول لا. ويرون أن الشجاعة وقول الحق والانتصار له، والدفاع عن العقيدة والثوابت يجلبان المشاكل والهموم والأحزان. يقول شيخنا العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ( ولن تترعرع الرجولة الفارعة، و يتربى الرجال الصالحون إلا في ظلال العقائد الراسخة والفضائل الثابتة والمعايير الأصيلة والتقاليد المرعية والحقوق المكفولة. أما في ظلام الشك المحطم والإلحاد الكافر والانحلال السافر والحرمان القاتل فلن توجد رجولة صحيحة، كما لا ينمو الغرس إذا حرم الماء والهواء والضياء).
إنه المسلم، يقول نعم وألف نعم للخير والفضيلة والكرامة والثوابت. نعم للأصالة والجذور، نعم للدين والقيم. لا وألف لا للرذيلة والتميّع والتبعية والهوان.
لا للطغاة أقولها فوق الصوامع في علن
لا لن أبالي بمن نفا ومن بغى ومن سجن
لا:من يقول بها نجا والله أودعها المنن
لا: يأ أحبة رددوا وذروا “نعم” فهي الفتن
فلا وألف لا، ومليون لا وكل لاءات الدنيا لمن يريد مساومتنا على ديننا وهويتنا وثوابتنا. لا وألف لا لمن يريد أن يسوقونا معه إلى سوق النخاسة والنذالة والجري خلف بريق طروحات مستوردة أو مدسوسة. لا وألف لا لمن يريد منا أن ننضم إلى قائمة اليائسين والمحبطين والمتشائمين. لا وألف لا لمن يقول لنا، اهتم بنفسك وبيتك وأولادك، ودعك من الناس ومن قضايا الأمة. إنه يريدنا أن نعيش لأنفسنا ونتخلى عن العيش لأجل ديننا وأمتنا، ومن نكون عندها نحن إلّا مجرد أنانيين. ومن يكون للدين إن لم أكن وتكن أنت. فلا ومليون لا لمن يريد منا أن نقول لله ولرسوله ولقرآنه ولدينه ولأمته لا. وكل لاءات الدنيا لمن يقول لنا قولوا في الأقصى مثلما يقول غيركم، واقبلوا من الحلول ما يقبله غيركم، لأنّ الأقصى بالنسبة لنا عقيدة ولن نقول فيه إلا ما قال الله، وما كان عليه التاريخ يجب أن يظلّ عليه المستقبل، وأنّ اللّا الوحيدة التي نتقنها ونحبها ونقولها هي لا إله إلا الله.
المسلمون قادمون
يظن البلهاء والأشقياء والعملاء والضعفاء أنّ الإسلام لن تقوم له بعد اليوم قائمة، وأنه كلما رفع رأسه ضُرب ضربة جعلته يهوي في عمق التاريخ سنين بل عقود، ويضربون على ذلك أمثلة كيف أنّ المشروع الإسلامي في مصر نهض ثم أجهضه السيسي، وفي كثير من الدول ضربت الحركات الإسلامية بدعوى الإرهاب والتطرف، ثم كيف للإسلام أن يقوم وينهض ويعود ويسود وفق منطقهم، وأمريكا والدول العظمى تقيم تحالفات عسكرية دولية لمحاربته؟.
ولأننا لا ننظر إلى الأشياء وفق منطق هؤلاء المهزومين، وإنما وفق عقيدة نؤمن بها وقرآن نصدّق وعد الله فيه بأنه سبحانه سيتم نوره ولو كره الكافرون، وقراءة للتاريخ قرأنا كيف أنّ الإسلام تعرض لمثل ما يتعرض له اليوم وأكثر، وخلال الحملات الصليبية والمغولية قيل بأنه لن تقوم للإسلام بعد اليوم قائمة.
فمن خلال هذا الفهم نحن نظن بالله خيرا ونرى كما نرى الشمس في رابعة النهار كيف أنّ الإسلام بدأت تسطع أنواره، وبدأ المسلمون يعودون إليه بل أصبح له في كثير من المواقع سلطة وهيبة، وأنه لا يخلو بلد إلّا وفيه نواة خير لهذا الدين العظيم، وإنما هي الأيام تفعل فعلها لتلتقي هذه الأجزاء المبعثرة تحت ظلال دولة الإسلام والخلافة الراشدة القادمة القريبة بإذن الله تعالى. فالمسلمون قادمون والإسلام قادم.
النهار قادم والمسلمون قادمون.
فقل لأنصار الظلام، ما لكم لا تعقلون؟
من ذا يؤخر النهار؟
من يصارع الاقدار
من يعاند القهار
من يناطح المريخ
من يوقف التاريخ
إلا بلهاء يجهلون، أو صغارٌ يعبثون
فليتهم يفكرون ساعة، ويصدقون
ليعلموا علم اليقين، أننا قادمون
أجل، أجل المسلمون قادمون
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون