حول اللحظات المؤسسة… من هبة القدس والاقصى إلى قانون القومية
المحامي علي حيدر
هنالك لحظات مُؤسسة في حياة الشعوب؛ ُتشكل معالم واضحة على الطريق؛ تساهم في تنبوء اتجاه الرياح العاتية وسرعة انتشار الحريق؛ وُتنذر بما هو آتٍ. ورغم مبالاة أو عدم مبالاة الشعوب وقادتها بالاشارات والعلامات المرسلة تباعا، إلا ان المعالم تبقى حاضرة وجاهزة من أجل إعادة انتاجها من جديد أو من أجل إعطاءها معنى أكثر راهنية وتحيينا أو من أجل استثمارها ورسم معالم أخرى على الطريق. وبذلك يكون المَعلم الماضي أكثر ذكاءً وأصالة وعمقا وحيوية من الحاضر حتى يستطيع الحاضر تأسيس لحظته.
لقد كانت انتفاضة القدس والاقصى ٢٠٠٠ والتي يحيي الشعب الفلسطيني بشكل عام وفلسطيني الداخل بشكل خاص ذكراها يوم الاثنين الموافق الاول من اكتوبر٢٠١٨ (الذكرى الـ-١٨) لحظة مهمة ومؤسسة في تاريخ الشعب الفلسطيني قاطبة وخصوصا في تطور فلسطيني الداخل، حيث استُشهد بها ١٣ شابا فلسطينيا في الداخل برصاص قناصة الشرطة الاسرائيلية.
وبالرغم من مرور الأيام وتتالي السنين، إلا أن القتله ما زالوا يسيرون أحرارا في شوارع البلاد بل أُغلقت الملفات ضد رجال الشرطة ولم تُقدم ولو لائحة اتهام واحدة؛ وحتى توصيات لجنة أور البنيوية المتعلقة بالتمييز ضد المجتمع العربي ُضربت بعرض الحائط. ومنذ ذلك الحين وأوضاع المجتمع الفلسطيني في الداخل آخذة بالتردي والتراجع. فالحكومات اليمينية المتطرفة تعمل ليل نهار وبشكل منهجي ومستمر، ودون خجل؛ على قمع واضطهاد وشيطنة وملاحقة وتقييد حريات المجتمع الفلسطيني وقيادته وممثليه وناشطيه. أضف الى ذلك، فإنها مصرة على الاستمرار بالاستيطان ورفض حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية والسيطرة على القدس والعبث بالمقدسات الاسلامية والمسيحية وهدم القرى وتهجير أهلها وأخرها خان الأحمر وحصار غزة والاعتداء على أهلها ومتجاهلة كل القرارات والمواثيق الدولية وحتى الاتفاقات التي وقعتها مع الجانب الفلسطيني وفقدانها لأي أفق سياسي سوى الرغبة بالسيطرة على “كمية أكبر من الأرض وكمية أقل من الفلسطينيين” وسؤدد الهوية اليهودية-المسيانية لدولة اسرائيل. مسنودة ومدعومة من الإدارة الأمريكية التي تنفذ كل ما يملى عليها من قبل الحكومة الاسرائيلية (نقل السفارة إلى القدس لضرب ملف القدس؛ المس بالأونروا لضرب ملف اللاجئين؛ منع تمويل مستشفيات القدس؛ إغلاق ممثلية المنظمة بواشنطن؛ دعم الاستيطان الخ..).
لقد أعلنت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في هذه المناسبة وبالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية عن اضراب شامل يشارك به كل أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم في الداخل؛ وتحت الاحتلال وفي مواقع اللجوء. باعتقادي فان خطوة الاضراب والتي تندرج ايضا في إطار نشاطات مواجهة قانون القومية اليهودية الخطير هي خطوة مهمة وضرورية. فالانتفاضة جمعت كل أبناء الشعب الفلسطيني واحياءها واجب على كل فلسطيني وقانون القومية يستهدف كل فلسطيني وليس فلسطيني الداخل فحسب.
إن الاضراب والمسيرة المزمع عقدها في قرية جت المثلث يهدفان إلى أسماع صوت واضح وقوي وجماعي للمجتمع الإسرائيلي وقيادته والمجتمع الدولي ضد قانون القومية العنصري، وضد الممارسات القمعية ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام وفي الداخل بشكل خاص وضد اعتقال واتهام وملاحقة السياسيين والناشطين وآخرهم كل من رجا إغبارية والشيخ صياح الطوري (شيخ العراقيب) وضد القوانين والتصريحات والقرارات العنصرية والمتطرفة (وأخرها مشروع كحلون وريغف “الموالاة والثقافة”).
لقد قام الممثلين العرب في الداخل حتى الآن ببعض الخطوات المهمة في المسار الدولي وإجراء مظاهرة مشتركة في تل أبيب. ولكن يبقى الجانب الشعبي هو الأهم في مواجهة قانون القومية وجميع السياسات العنصرية ولذلك فالمشاركة بالإضراب والمسيرة هي امتحان لمدى إيماننا بقدرتنا على الصمود والمواجهة.
يهدف الاضراب أيضا إلى تعميق الذاكرة، وتذكر الشهداء الذين ارتقوا في أكتوبر ٢٠٠٠ ومساندة ودعم عائلاتهم وذويهم. وهو درس في التربية الوطنية والتضامن الاجتماعي وإحياء روح الجماعة والالتزام بقضايا المجتمع، راهنه ومستقبله والانتماء والدفاع عن اللغة العربية والأرض والوجود.
إن الاحتجاج استراتيجية مهمة في النضال ولكن مع ذلك هنالك ضرورة إلى استراتيجية وطنية شاملة ُتشتق من مشروع وطني لكل أبناء الشعب الفلسطيني يستجيب لتطلعاتهم وحقوقهم التاريخية الثابتة وهنالك ضرورة لوجود قيادة جماعية مسؤولة وموحدة وقادرة على العمل بإخلاص ومهنية ومثابرة وجدية وخصوصا على ضوء فشل أوسلو وعلى ضوء التحديات الاسرائيلية والامريكية والعربية لذا فلربما نحن على مشارف لحظة مؤسسة!!