قانون القومية ومواطنون درجة “ب” مُحَسَّن ودون ذلك
توفيق محمد
لم يقر نتنياهو قانون القومية، الذي اعتمده الكنيست منذ يوم الخميس الماضي 26.7.2018 حتى يغير فيه شيئا، ولو كان يسيرا. فهو وطاقم العمل الذي وضع بنود القانون وناقشوه طويلا حتى خرجوا بهذه الصيغة النهائية، بذلوا جهدهم، وهم يعلمون أن أبناء الطائفة المعروفية من الدروز سوف يحتجون على القانون، ويعلمون أيضا أن الذين يخدمون في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة من غير الدروز سيلحقون بالدروز في هذه الاحتجاجات، ولذلك فقد منحهم نتنياهو الفرصة حتى يتحدثوا عن حلف الدم وخدمة العلم، وعن “احترام القانون والرموز التي من أجلها خرجنا الى هذا النضال”، وعن “ضرورة التأكيد أن النضال – ضد القانون- هو نضال اجتماعي وفوق سياسي”، وأنه “بوحدتنا سنواصل الحفاظ على الدولة” (الاقتباسات أعلاه من بيان صادر ليلة أمس الخميس عن رؤساء وممثلي الطائفة الدرزية برئاسة الشيخ موفق طريف، وأعضاء كنيست ورؤساء سلطات محلية وممثلي الضباط، قيادة النضال، ولوبي المحامين ووجهاء الطائفة، وذلك في أعقاب اجتماعهم مع الفريق الذي عينه نتنياهو لنقاش الأزمة التي تسبب بها قانون القومية مع الطائفة الدرزية.
وقد أراد نتنياهو “المُخَلِّص” أن يحظى بشكر أبناء الطائفة الدرزية أيضا، على الجهود الكبيرة التي بذلها لتعزيز مكانة الطائفة الدرزية القانونية في دولة إسرائيل، وخلص إلى مقترح يجعل من الخدمة العسكرية والتجنيد خارج سياق النقاش الجماهيري، في الوقت الذي سيجعلهم فيه مواطنين تصنيف الدرجة “ب” مُحَسَّن! والحديث يدور هنا عن حقوق مدنية وفردية ودينية، أما من يخدمون في الأذرع الأمنية المختلفة من غير الدروز، والذين كانت قد بدأت بعض مجالسهم المحلية بالتحرك باتجاه أن يعقدوا جلسات لاتخاذ خطوات ضد قانون القومية؛ أسوة بما حصل لدى الدروز، لكنهم على ما يبدو قرروا أن ينتظروا نتيجة نضال الدروز أبناء الطائفة المعروفية ليبنوا عليه تحركهم. والنتيجة هي أن هؤلاء سوف يحظون بمكانة مواطنين من تصنيف الدرجة الثانية المحسَّن الأقل من الدروز، والحديث يدور هنا عن حقوق مدنية فردية.
ووفق مخطط نتنياهو الذي قُدِّمَ لقيادة النضال ضد قانون القومية لدى الطائفة المعروفية فإن نتنياهو يقترح “تعزيز مكانة الطائفتين الدرزية والشركسية القانونية، ويقدر تضحياتهما للدولة وأمنها…. ويعمل المخطط على دعم مؤسسات الطائفة وتقوية البلدات الدرزية، وإيجاد حلول للبناء، وإقامة بلدات جديدة حسب الحاجة، والحفاظ على التراث الدرزي”. هذا ما ورد في الخصوصية الدرزية، وهو لا يعترف بالحقوق الجماعية لهم كعرب. أما على مستوى من يخدمون في الأذرع الأمنية المختلفة من غير الدروز فقد تحدثت الوثيقة عن “تعزيز حقوق ومصالح أبناء الأقليات الدينية والطوائف الذين يخدمون في قوى الأمن، بهدف الحصول على مساواة اجتماعية.
سأترك التعليق على هذا المخطط النتنياهويّ الخبيث العنصري، للضابط الدرزي المتقاعد أمل أسعد، وهو من قادة نضال الدروز ضد قانون القومية، والذي يقول: “اقترح رئيس الحكومة بواسطة موظفي مكتبه على الدروز أن يكفوا عن الاحتجاج على قانون إهانتهم من الأسبوع الماضي. وعوضا عن ذلك فإنه يقترح إهانة جديدة من ثلاث نقاط؛ أساسها تحقيق مصالح للطائفة وللأفراد الذين يخدمون في قوى الأمن مقابل عطائهم (أي في قوى الأمن ت.م). وبكلمات أخرى فإن المخطط الذي يقترحه رئيس الحكومة هو مخطط جيش مستأجر” (واي نت أمس الخميس) أي جيش مرتزقة.
وفي المحصلة فإن عقلية نتنياهو الاقتصادية المبنية على أساس السلام الاقتصادي إن كنتم تذكرون مع السلطة الفلسطينية تظن أن في إمكان المصالح المالية والتجارية والحقوق الفردية أن تشتري من الناس أوطانها وقوميتها ودينها وشرفها وعزها وانتماءها، ولذلك فإنه بات – وفق هذا المقترح- يحقق تماما سياسة وزير “أمنه” ليبرمان الذي ينادي باشتراط الحقوق بالواجبات وفق مفهومه؛ أي اشتراط الحقوق المدنية لفلسطينيي الداخل بالخدمة العسكرية أو بدائلها المختلفة، ولذلك فإن قانون القومية حتى يجري تنزيله على أرض الواقع سيتبعه عدة قوانين مساعدة في المرحلة القادمة؛ وفق محورين:
المحور الأول: الجنس الفوقي، وهم اليهود الذين ستسن قوانين مفضِّلة لهم، تساهم في أفضليتهم على من هم غيرهم، وتضاف إلى سلة القوانين المفضِّلة المعمول بها حاليا.
المحور الثاني: غير اليهود، وهم أصحاب الحقوق الدونية، وفيه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أبناء الطائفة المعروفية، أي الدروز الذين يعدهم نتنياهو بحقوق دينية وفردية، فيما ينتزع منهم حقوقهم القومية واللغوية (اللغة)، وبهذا يجعل منهم مواطنين درجة ثانية محسَّنة.
القسم الثاني: وهم غير الدروز ممن يخدمون من غير اليهود عسكريا وأمنيا، وهؤلاء يعدهم بحقوق فردية فقط دون المكانة الدينية حتى، وهؤلاء وفق أقل تفسير سيكونون جنودا مرتزقة في جيش دولة تقتل وتضطهد شعبهم، وسوف يُصنَّفون بـ درجة “ب” أقل تحسينا من الدروز.
القسم الثالث: وهم المسلمون والمسيحيون من أبناء شعبنا، وهم السواد الأعظم والغالبية الساحقة الذين بقوا متمترسين في حدود دينهم وقوميتهم ووطنيتهم، ورفضوا مغريات نتنياهو الفردية لبيع المكونات الثلاث آنفة الذكر، وهؤلاء يهددهم نتنياهو بأن يكونوا درجة ثانية أو أقل، لأنه وفق مخططه أعلاه فإن الذين سيعمل على مساواتهم الاجتماعية مع اليهود من أبناء “الأقليات” هم أولئك الذين يخدمون في قوى الأمن.
نتنياهو المغرور بالقوة التي بين يديه – العسكرية على مستوى الدولة وسط بيئتها الموبوءة بالتفتت والتشرذم والحروب الأهلية- والجماهيرية التي تسكره بيمينيتها العنصرية الاضطهادية التي باتت تطالبه بمزيد من الظلم والاضطهاد ضد أهل البلاد، والذين هم نحن الفلسطينيين على كل خارطة الوطن التاريخية، نتنياهو هذا الذي يقرأ توجهات شعبه نحو اليمين المتطرف بات هو من ينافس البيت اليهودي (حزب بينت وشاكيد وريث المفدال) و”يسرائيل بيتينو” حزب أفيغدور ليبرمان في التطرف والعنصرية، لأنه أولا هو من نفس المدرسة، وثانيا يعلم من أين تأتي الأصوات وهو يسعى لأن يعاد انتخابه في الانتخابات القادمة عبر تحقيق حلم التفوق العنصري اليهودي الذي يحاكي تطرفه وتطرف شعبه.
إزاء ذلك فإن لجنة المتابعة العليا قد أقرت العديد من الخطوات النضالية المناهضة لهذا القانون، والتي من ضمنها مظاهرة أمام الحكومة الإسرائيلية في القدس ومؤتمرات صحفية، ومظاهرات على مفارق الطرق، ومظاهرة قطرية في تل أبيب، والتواصل مع الهيئات الدولية المختلفة المعنية بحقوق الأقليات وغيرها… وكلها خطوات جيدة ويجب العمل على إنجاحها جميعا، لكنها ما تزال خطوات طبيعية وعادية ردا على قانون غير عادي وغير طبيعي، ولذلك فإننا مطالبون بتطوير أدوات نضالنا مع الدولة التي باتت تتعامل معنا كأعداء.
أما كيف؟ فقد طُرحت في الأسبوع الماضي مسألة الاستقالة الجماعية لأعضاء الكنيست العرب، وبالذات أعضاء القائمة المشتركة، وللأسف كان الرد أن أعضاء المشتركة يطالبون أعضاء الكنيست من الأحزاب الصهيونية بالاستقالة (جيد وممتاز)، ولكنهم يسعون إلى تعزيز مكانتهم هم؛ أي القائمة المشتركة، في الكنيست، وهو الأمر الغريب حقيقة!
أعود وأطرح مجددا، ونحن على أعتاب انتخابات السلطات المحلية، وبعد عام بالكثير انتخابات الكنيست، أن ينسحب أعضاء الكنيست العرب منها، وأن يقدم رؤساء السلطات المحلية العرب استقالات جماعية أمام مشهد قانون القومية، وأمام مشهد هدم البيوت العربية بشكل مكثف، وأن يعيد أبناء الطائفة المعروفية حساباتهم من جديد، فقد ضُربوا – حسب قانون القومية – مثلنا في الصميم وبأعز ما يملكون، وأن نعيد صياغة وجودنا وتأطرنا في الداخل وفق الانتخاب المباشر للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، وتغيير السقف السياسي الذي ما يزال يلعب بالأدوات التي سلبتها منا الحكومة الإسرائيلية عبر هذا القانون، وعبر عشرات القوانين التي سبقته ومهدت له، ربما البعض لم يدرك أن أدواته القديمة أضحت مصادرة إسرائيليا، فوجب التذكير.