هنية يكتب لموقع بريطاني: هذه هي أهداف مسيرة العودة
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الخميس مقالا مطولا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، تناول فيه تطورات القضية الفلسطينية والأوضاع الإنسانية في قطاع غزة المحاصر من 13 عاما.
وتحدث هنية في مقاله عن مسيرة العودة التي انطلقت في الـ 30 من آذار/مارس الماضي، والأهداف التي وضعت لها، كما أنه طالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيلي لرفع الحصار المفروض على القطاع.
وتاليا نص المقال كاملا:
غزة.. الأزمة والمخرج
لا يوجد قضية على المستوى الدولي أوضح وأعدل من قضية فلسطين. شعب احتلت أرضه قبل سبعة عقود وتعرض لعملية تطهير عرقي منهجي، وهذا ما أثبتته كثير من التقارير الدولية وحتى المؤرخون الإسرائيليون أنفسهم. في عام 1948 تم طرد حوالي 700000 فلسطيني من ديارهم وأرضهم بالقوة، وتم تدمير المئات من المدن والقرى العربية. وللأسف الشديد فإن هذا تم تحت سمع وبصر المجتمع الدولي وبمساعدته أحياناً. بعد “النكبة” الفلسطينية في العام 1948 وقيام دولة “إسرائيل” صدرت العديد من القرارات الأممية في محاولة لإنصاف الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 والصادر في ديسمبر من نفس العام، والذي يعطي الحق للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها.
انتظر الفلسطينيون سبعة عقود، عانوا فيها الكثير من الظلم والحرمان والتشرد، على أمل أن يتمكنوا من نيل حقوقهم الأساسية بالحرية والاستقلال والعودة. في هذه الفترة قدم الفلسطينيون الكثير وجربوا كل السبل لإنجاز حقوقهم الأساسية، ولكن دون جدوى، بل إن أوضاعهم كانت تزداد كل يوم سوءاً إلى سوء، والمجتمع الدولي لا يحرك ساكناً لإنصافهم أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الاحتلال الإسرائيلي من ارتكاب المزيد من الجرائم بحقهم، أو حتى ليحمي قرارته التي اتخذها بأغلبية ساحقة لنصرة الحق في فلسطين.
في هذا السياق كانت غزة دائماً تحتل مكانة خاصة، ولأسباب عديدة، بين كل المكونات الفلسطينية. فقطاع غزة عبارة عن شريط ساحلي صغير مساحته لا تتعدى 360 كيلومترا مربعة، ويقطنه حوالي مليوني نسمة، 70% منهم من اللاجئين، وبهذا يكون من أكثر مناطق العالم ازدحاماً بالسكان. فلأسباب سياسية وجغرافية ومجتمعية، كان القطاع الوجه الأبرز للمعاناة الفلسطينية. فإضافة للاحتلال الذي مضى عليه الآن خمسة عقود منذ العام 1967، فقد تعرض القطاع لحصار ظالم وغير قانوني لأكثر من 12 عاما، حوله إلى أكبر سجن مفتوح في العالم بحسب وصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردان براون.
هذا العقاب الجماعي للفلسطينيين في قطاع غزة، كما وصفته منظمة العفو الدولية في تقاريرها، أدى إلى خلق أزمة إنسانية عميقة ومزمنة، للدرجة التي دفعت الأمم المتحدة بالتنبؤ، حسب دراسات معمقة أجرتها، إلى أن غزة لن تكون قابلة للحياة بحلول عام 2020. هذه المأساة الإنسانية طالت كل مناحي الحياة طولا وعرضاً، فنحن نتحدث عن نسبة فقر تزيد عن 80%، بطالة تصل إلى حوالي 50%، عن مياه غير صالحة للشرب بنسبة تزيد على 95%، عن كهرباء لا تصل لأكثر من 3-4 ساعات يوميا، معابر مغلفة أمام الغالبية الساحقة من المواطنين، مشاكل نفسية عميقة تطال الغالبية العظمى من السكان وخاصة شريحة الأطفال. وقد تفاقمت الأزمة الإنسانية في القطاع نتيجة تعرضه لثلاثة اعتداءات كبرى، إلى جانب العمليات العسكرية المستمرة، في نفس الفترة أدت إلى مقتل وجرح الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، وهدم عشرات الآلاف من البيوت وتدمير البنية التحتية الهشة أصلاً. وللأسف الشديد استطاعت إسرائيل وقيادتها أن تفلت من الحساب والمعاقبة، رغم صدور العديد من القرارات الدولية بذلك، ما أغراها بالاستمرار في عدوانها على شعبنا.
كل ذلك حول الحياة في قطاع غزة إلى جحيم لا يُطاق، ولا سيما أن الفلسطينيين يشعرون بأنهم يعاقبون على خياراتهم الديمقراطية في الانتخابات الحرة والنزيهة التي أجريت في العام 2006، والتي شهدتها وراقبتها كثير من المؤسسات والأحزاب الأوروبية.
في ظل هذه الظروف المعقدة قرر الفلسطينيون، بكل مكوناتهم السياسية والمجتمعية، بما فيهم حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في ذكرى يوم الأرض 3/30 من هذا العام، الانطلاق في مسيرات سلمية نحو السلك الفاصل شرق قطاع غزة لتحقيق ثلاثة أهداف:
- التأكيد على تمسكهم بحق العودة الذي أثبتته القرارات الدولية لكنه بقي حياً في ضمير كل فلسطيني.
- رفض قرار ترامب والإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة لدولة إسرائيل، وهو القرار الذي اعتبر تحدياً للأمة المسلمة كلها، كونه يعتدي على أهم رموزها وواحد من أقدس مقدساتها، الأمر الذي حول الولايات المتحدة في الضمير الفلسطيني والإسلامي إلى شريك في العدوان.
- الإعلان أن غزة لن تقبل الموت البطيء، والمطالبة برفع الحصار فوراً.
واستجاب لهذا النداء عشرات الآلاف من الفلسطينيين، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، ومن كل الاتجاهات السياسية، وعلى مدار أسابيع.
قطاع غزة ما زال أرضا محتلة حسب القانون الدولي، فإسرائيل تتحكم في الأرض والبحر والجو من كل الاتجاهات. وإسرائيل بصفتها قوة الاحتلال مسؤولة بالكامل عن حياة السكان المدنيين وتلبية احتياجاتهم، والمجتمع الدولي مطالب بممارسة الضغط واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإلزام إسرائيل برفع الحصار فوراً وبدون شروط، قبل أن تتفاقم الأزمة الإنسانية إلى الحد الذي يدفع بالأمور نحو الانفجار، والذي قد تكون تداعياته خطيرة على كل الأطراف.
الفلسطينيون عموماً وعلى مدار عقود قدموا كل ما هو مطلوب منهم لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكن ماذا كانت نتيجة ذلك كله؟ مزيدا من التعنت الإسرائيلي وتدمير كل فرصة لحل الصراع، مزيدا من سرقة الأراضي لبناء المستوطنات، تهويد القدس واعتقال الآلاف من أبناء شعبنا، إلى جانب الحصار الجائر على غزة. أما حركة “حماس”، كحركة تحرر وطني فلسطيني، على وجه الخصوص، ففي أكثر من محطة أبدت مرونة عالية وقدمت مقترحات وتبنت سياسات يمكن أن تساعد على الهدوء والاستقرار وتجنب التصعيد. فحماس في وثيقتها السياسية الأخيرة، والتي صدرت في مايو 2017، أكدت على احترامها للتوافق الوطني الفلسطيني وقبولها بدولة في حدود عام 1967، وعاصمتها القدس، مع عودة شعبنا لدياره التي هجر منها، هذا على مستوى الصراع مع الاحتلال، وعلى المستوى الداخلي ولتجاوز حالة الانقسام الضار، طالبت “حماس” في أكثر من مناسبة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة على كل المستويات وفِي كل مواقع التواجد الفلسطيني، لإنهاء حالة التفرد بالقرار ولإعطاء الشعب الفلسطيني الفرصة ليقرر في اختيار قيادته والبرنامج السياسي الذي يحقق أهدافه.
ورغم أننا كشعب فلسطيني أخذ قراره الوطني والموحد بالتظاهر سلميا ضد الاحتلال والحصار، إلا أن الدعاية الإسرائيلية، وتساندها بعض وسائل الإعلام الدولية الكبرى، تتحدث عن “العنف الفلسطيني”. كيف لعاقل أن يصدق هذه الدعاية السخيفة في الوقت الذي سجلت فيه الإحصائيات الرسمية حتى تاريخه أكثر من 13200 جريح، بعضهم جراحه خطيرة، وحوالي 20% منهم من الأطفال، واستشهاد 112 فلسطينيا بريئا، منهم 13 طفلا، ومنهم صحفيون ومسعفون، كان آخرهم الشهيدة رزان النجار التي قتلها الصهاينة بدم بارد بينما كانت تسعى في إسعاف المصابين، هذا في الوقت الذي لم يسجل فيه على الطرف الآخر أي إصابة.
وللأسف الشديد فإن بعض القوى الدولية وفِي مقدمتها الولايات المتحدة ما زالت مصرة على دعم الجلاد على حساب الضحايا، ومساندة الظلم على حساب العدالة.
يتحدث البعض عن اختراق الحدود وحق الاحتلال في الدفاع عن النفس، إنها ليست حدودا معترفاً بها دوليا، وحتى الاحتلال يصفها بأنها سلك أمني فاصل، ولا يعترف بها حدودا، ما يعكس شهوته المستمرة والمخططة للتوسع والعدوان. حتى إن خط الهدنة المتفق عليه في عام 1949 يعطي قطاع غزة مساحة تزيد على 200 كيلومتر شرقا وشمالا، سيطر عليها الاحتلال بمنطق العربدة والعدوان، كما يفعل اليوم في أراضينا التي يسرقها لتوسيع المستوطنات غير الشرعية.
وبهذه المناسبة نقدر عالياً كل الأصوات الحرة والجهود المخلصة، وخاصة في الغرب، التي وقفت إلى جانب شعبنا في محنته، سواءً كان بالتظاهر في الشوارع أو بإصدار عرائض الاحتجاج أو نشر المواد الإعلامية التي تؤكد سلمية حراكنا وكذب ادعاءات البروباغاندا الإسرائيلية.
كما أننا نشيد بقرار مجلس حقوق الإنسان الأخير الذي صدر بتاريخ 18 مايو 2018 في جلسة خاصة لبحث تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي طالب فيها بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان الكبيرة في سياق مسيرات العودة الكبرى. فمن حقنا أن يتم إجراء تحقيق نزيه في ما حدث وتقديم المجرمين من جنود الاحتلال وقيادته إلى المحاكم الدولية، حتى يسود القانون ونرفع من قيمة العدل، وإلا تبقى إسرائيل تتصرف بحصانة كدولة فوق القانون، وتسود شريعة الغاب.
نحن سنستمر في مسيراتنا السلمية الشعبية للمطالبة بحقوقنا المشروعة، وفِي مقدمتها العيش الكريم، والخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي رفع الحصار عن غزة فورا وبدون شروط، لإعطاء الفرصة للجيل الجديد ليرى أملاً في نهاية هذا النفق المظلم، بدلاً من دفعه، بضغط الواقع البائس، نحو الإحباط والتطرّف. نحن سنستمر في طرق أبواب هذا السجن الكبير وتحطيم جدرانه.
نحن شعب يحب الحياة والاستقرار والازدهار، يحب الخير للجميع، ليست هوايتنا صناعة الموت والحرب، وكل إنسان نفقده على هذا الطريق عزيز علينا وفقده مؤلم لنا. ولذلك فإننا إذا تمكنا من إنجاز حقوقنا بالحرية والاستقلال والعيش الكريم بالطرق السلمية فهذا هو الأفضل عندنا، ولكن إذا لم نتمكن من تحقيق ذلك فحقنا في مقاومة الاحتلال بكل السبل، بما فيها المقاومة المسلحة، مشروع ومكفول.
ما زال لدى شعبنا أمل كبير بمستقبل أفضل يرفع فيه الحصار وينتهي الاحتلال ونبني دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس ونشارك بفاعلية في صناعة الخير لكل البشرية.