البحث عن الظهور الثاني للمسيح المنتظر وعن نبوءة يأجوج ومأجوج خلف الدعم الأعمى “للمتجددين” الأمريكيين لإسرائيل
هل ستغير الولايات المتحدة دعمها الجارف الأعمى لإسرائيل مستقبلا؟ يبدو مجرد التساؤل غير واقعي لكن أوساطا إسرائيلية تحذر مما يشبه الانقلاب في السياسة الأمريكية، محملة حكومة نتنياهو مسؤولية المساس بالعلاقة بالحزب الديمقراطي. هذا ما تؤكده دراسة صادرة عن المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية (مدار) بعنوان “تعميق نتنياهو الانقسام مع الديمقراطيين سيلحق ضررا فادحا بإسرائيل”. وتنوه دراسة “مدار” أنه مع اقتراب الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة بعد شهور تتزايد في إسرائيل الأصوات المحذرة من مغبة قيام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتعميق الانقسام مع الحزب الديمقراطي، وأساساً من طريق تعزيز تحالفه مع عتاة المسيحيين المتجددين(الإفنجيليين) من قادة وأنصار الحزب الجمهوريّ، والذين يعتبرهم مؤيدين متحمسين لإسرائيل وسياستها الإقليمية لا سيما حيال المسألة الفلسطينية وسبيل تسويتها. وترى بعض هذه الأصوات أن الإفنجيليين كانوا مؤيدين للحركة الصهيونية على الدوام، لكن في السنوات الأخيرة تحول هذا التأييد إلى مكوّن أساس في معتقداتهم. وفي الواقع بدأت حكومات إسرائيل بتطوير العلاقات بهم بعد حرب حزيران 1967، غير أن ما يمكن ملاحظته في السنوات الأخيرة أنه كلما اتجهت إسرائيل نحو اليمين، ازداد تأثير الإفنجيليين في العلاقات بين الدولتين. وأدّى انتخاب دونالد ترامب إلى وصول هذا التأثير إلى الذروة، وذلك كما ثبت من خلال الجمهور الذي حضر الاحتفال غير المسبوق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس يوم 14 أيار/مايو 2018. كما تشير إلى أن السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر، يسعى لأن يكون التأييد الأمريكي لإسرائيل معتمداً حصرياً على الإفنجيليين، الداعمين للسياسة الصقرية والرافضة لإسرائيل إزاء الفلسطينيين. وبرأي تلك الأصوات، فإن هذا التضافر يتسبب بتآكل إضافي في مكانة إسرائيل وسط مراكز قواها التقليدية، وفي طليعتها يهود الولايات المتحدة، الذين يعتبرون الإفنجيليين خطراً حقيقياً على قيمهم. وبهذا الشأن قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، في حديث أدلى به إلى صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، مؤخراً، إن الحضور البارز لمؤيدي إسرائيل من المسيحيين الإفنجيليين في مراسم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، يؤكد أن هؤلاء يدعمون إسرائيل بحماسة وإخلاص أكبر من الكثيرين في الجالية اليهودية الأمريكية. وأقر فريدمان بأنه وجه دعوة شخصية إلى جون هيغي، الذي ألقى كلمة ختامية خلال ذلك الحدث، وإلى القس روبرت جيفريس، الذي ألقى كلمة افتتاحية، ووصفهما بأنهما من أبرز قادة الإفنجيليين.
خطة الرب
يشار أن جيفريس هو من أشد أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكان عضوا في مجلسه الاستشاري الأفنجيلي، وحذر مرة من أن الشعب اليهودي سيذهب إلى الجحيم، وقال إن “هتلر هو جزء من خطة الرب لعودة اليهود إلى إسرائيل”.
وكان من أبرز المنتقدين لاختياره للتحدث في المراسم المرشح الرئاسي السابق ميت رومني، الذي وصف جيفريس بأنه متعصب ديني. وردّد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون دريمر بتصريحات مماثلة لتصريحات نظيره الأمريكي، مشيداً بالمجتمع المسيحي الإفنجيلي. وقال للصحيفة إن المسيحيين المتدينين أصبحوا العمود الفقري في دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وأضاف دريمر أن الحديث يدور حول ربع ثابت من السكان، وقد يكون ذلك أكبر بـ10 أو 20 أو 30 مرة من عدد السكان اليهود. وتتنبه دراسة “مدار” لتحذيرات عضو الكنيست يائير لبيد، رئيس حزب “يوجد مستقبل” المعارض، من أن نتنياهو يقوم على نحو خطر بربط حكومته بفصائل محافظة وإفنجيلية في الحزب الجمهوري، ويزيد من الانقسام مع الديمقراطيين. واعتبر لبيد كون الحكومة الإسرائيلية الحالية تتفق تماماً مع الفصيل المحافظ والإفنجيلي في الحزب الجمهوري خطيرة. وأضاف أنه إذا ما تم انتخاب رئيس وكونغرس ديمقراطيين في عام 2020، سيشكل ذلك مشكلة خطرة لإسرائيل في حال استمرار بقاء نتنياهو في السلطة.
حلف غير مقدس
وجاء في تقرير “نيويورك تايمز” المذكور والذي نُشر تحت عنوان “إسرائيل والإفنجيليون”: “السفارة الأمريكية الجديدة هي مؤشر على التحالف المتنامي”، إن افتتاح السفارة هو بمثابة أكبر اعتراف علني حتى الآن بالأهمية المتزايدة التي توليها حكومة نتنياهو في الوقت الحالي لحلفائها المسيحيين المحافظين، حتى لو اتُهم البعض منهم بالإدلاء بتصريحات معادية للسامية. وترى الصحيفة أن ذلك يمثل تحولا تاريخيا واستراتيجيا، قوامه الاعتماد على قاعدة أكبر من المسيحيين الإفنجيليين، حتى لو كان ذلك عبر المجازفة بإبعاد اليهود الأميركيين الذين قد يكونون يشعرون بالانزعاج من تشويه بعض الإفنجيليين لدينهم. ونتيجة للروابط الوثيقة بشكل متزايد بين اليمين الإسرائيلي واليمين المسيحي فإن الاستقطاب يشهد تسارعا مُحولا الدعم لإسرائيل إلى مسألة حزبية في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى رأت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في مقال افتتاحي نشرته مؤخراً تحت عنوان “الحلف غير المقدس بين إسرائيل والإفنجيليين الأمريكيين”، أن قرار الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يهدف، أولاً وقبل أي كل شيء، إلى مكافأة الإفنجيليين على تأييدهم الحماسي لانتخابه ولولايته.
ونوهت “هآرتس” أيضا إلى أن الحركة الإفنجيلية في الولايات المتحدة تعد عشرات الملايين من الناس، الجزء الأكبر منهم يؤمن بأن إسرائيل تقرّب الظهور الثاني للمسيح المنتظر، وبأن إقامة مملكة إسرائيل وبناء الهيكل هما شرطان مسبقان لتحقيق نبوءتهم: حرب يأجوج ومأجوج يعقبها تدمير اليهود بصورة جماعية وتحولهم إلى الديانة المسيحية. وتقودهم معتقداتهم إلى التمسك بأكثر العناصر هذياناً في السياسة الإسرائيلية، وإلى تشجيع إسرائيل على انتهاج سياسات متطرفة تعمل على تقريب أهدافهم. وجزمت الصحيفة بأن ما يجري هو رهان خطر ومزدوج: فمن جهة، تتنكر إسرائيل لمؤيدين لها يمكن أن تحتاج إليهم بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، إذا ما سيطر الديمقراطيون على أحد مجلسي الكونغرس. ومن ناحية أُخرى، تثبت استطلاعات الرأي أن الإفنجيليين من الشباب يعارضون التأييد الأعمى لإسرائيل.
وتستذكر الدراسة أن التقارب الجدي، أو ما يمكن اعتباره علاقة صداقة مباشرة، بين النخب السياسية الإسرائيلية، من جهة، وجماعة المسيحيين الإفنجيليين من جهة أخرى، بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن، وذلك من خلال اتصالات ولقاءات مباشرة أجراها، نتنياهو، في فترة ولايته الأولى في رئاسة الحكومة الإسرائيلية(1996/1999). ومنذ ذلك الحين، يواصل نتنياهو التقرب من هؤلاء الإفنجيليين وزعمائهم وتوثيق العلاقات معهم، ليس على الصعيد الشخصي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الرسمي، الحكومي والبرلماني، من خلال ضم مسؤولين سياسيين إسرائيليين آخرين إلى هذه الدائرة باستمرار. وقد صرح نتنياهو، أكثر من مرة، بأن “المسيحيين الإفنجيليين هم أصدقاء إسرائيل الأكثر إخلاصا ووفاء”.
الجمهوريون لن يبقوا في السلطة إلى الأبد
وتنبه الدراسة إلى أن تحذيرات لبيد ليست يتيمة، وتشير لتحذيرات أخرى من أبرزها ليئور فاينتروب، الموظف السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وظهر في صحيفة “مكور ريشون” اليمينية، وقال فيه إن التسليم بابتعاد الحزب الديمقراطي عن إسرائيل سيكون مدعاة للندم الشديد. وعن المخاطر قال “قد يبدو غريباً الحديث عن ذلك في ذروة شهر عسل علاقاتنا بالولايات المتحدة، وفي الوقت الذي نستفيد فيه من ثمار العلاقة الحميمة غير المسبوقة بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، ويشهد العالم كله الرأي الموحد المطلق إزاء كل الموضوعات الملتهبة في المنطقة، لكن الآن تحديداً يجب أن نتذكر أن الرئيس أوباما لم يكن المصدر الوحيد للسياسة التي أثارت كثيرين من الإسرائيليين ضده، واعتُبرت كضعف وسذاجة، وفي أحيان أيضاً معادية لإسرائيل. منوها ان أوباما كان ممثلاً حقيقياً لمزاج وقيَم ورغبة نصف الأمريكيين ممن لا يتفقون مع إسرائيل بشأن علاقتها بالفلسطينيين والاتفاق النووي مع ايران. ويعتقد أن الاتفاق النووي هو الأمر الوحيد الذي يقف بين أمريكا وبين حرب أُخرى في الشرق الأوسط، ويربط بغير حق بين أزمة العمال المهاجرين في إسرائيل وبين الجدل المتشنج بشأن الهجرة إلى الولايات المتحدة، ويشمئز من مبادرات تشريع في إسرائيل يعتبرها تتعارض مع قيم الديمقراطية. يضاف إلى ذلك موقف اليهود الأمريكيين من قضايا الدين والدولة، ووقوفهم ضد كل من يتماهى مع إدارة ترامب، وطبعاً، ضد تصاعد العداء للسامية، ونحن نعرف أن الديمقراطيين ليسوا شركاء في الابتهاج بشهر العسل هذا”.