مقالات

زفرات من رحاب الحج

الشيخ كمال خطيب

الثياب البيضاء والقلوب السوداء

ها هم حجاج بيت الله الحرام سيلبسون بعد أيام ملابس الاحرام البيضاء، استعدادًا وايذانًا ببدء مناسك الحج منذ اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية، فيه يبيتون بمنى استعدادًا ليوم عرفه، يوم التاسع، يوم الدعاء والرجاء وصولًا إلى يوم النحر يوم عيد الأضحى المبارك.

الثياب البيضاء، ثياب النقاء والطهر، ثياب التواضع والزهد، الثياب غير المخيطة التي تذكر الإنسان بثياب الكفن يوم يتوفاه الله سبحانه وتعالى، حيث في ثياب الإحرام وثياب الكفن يتساوى ويتشابه الغني والفقير، الأبيض والأسود، العربي والعجمي، ويتشابه العامة من الناس بالملك والأمير والمستشار والوزير.

ليت قلوب الحجاج وكل المسلمين تتغير مثل ثيابهم، وليت سواد قلوب حكام المسلمين وأحقادهم تتحول إلى بياض وصفاء ونقاء. ولو أنّ قلوبنا تحولت من سواد إلى بياض مثلما تتحول ملابسنا إلى بياض كملابس الإحرام لتغيّرت حالنا وصلحت أمورنا.

وليت الذين يلبسون الثياب البيضاء من حكام السعودية خاصة والخليج عامة، ليت هؤلاء تكون لهم قلوب بيضاء مثل بياض ثيابهم. وإذا كان باقي المسلمين يلبسون الثياب البيضاء خلال أيام الحج، فإنّ هؤلاء يلبسونها طوال العام لأنّها من تراثهم، لكننا لا نجد من هؤلاء إلّا قلوبًا سوداء يملؤها الغلّ والحقد والضغينة على كل من يخالفهم الرأي، وعلى كل من يطالبهم بالإصلاح ويدعون إلى الاستقامة.

حتى لو لبس حكام السعودية والإمارات الثياب البيضاء، لكنهم يحملون في صدورهم قلوبًا سوداء، أولئك الذين أيّدوا انقلاب السيسي على رئيس منتخب هو مرسي. أولئك الذين دعموا وموّلوا وباركوا مجزرة ومحرقة رابعة، وقد أزهقت آلاف الأرواح البريئة وانتهكت الحرمات، وأهين العلماء وحفظة القرآن.

ما أسود قلوبهم وإن كانت ثيابهم ناصعة البياض، أولئك الذين صمتوا على حصار غزة وتجويع أهلها، ولو أرادوا غير ذلك لكان لهم بمجرد إشارة بأصبع اليد للسيسي الذي أغدقوا عليه المليارات.

على هؤلاء أن يتذكروا ويعلموا أنّ الله سبحانه علّام الغيوب، و أنّه ربّ القلوب، فلن ينفعهم لباسهم الأبيض ما داموا يضمرون السواد والأحقاد، وما دام ظلمهم وكيدهم ينال أشراف الأمة وأخيارها.

عادل الجبير التابع وسعيد بن جبير التابعي

عادل الجبير هذا التابع لآل سعود وسعيد بن جبير ذاك التابعي لأصحاب وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشتان شتّان بين التابع والتابعي.

عادل الجبير وزير الخارجية السعودي الليبرالي، ومن تربّى في أمريكا وعُجِن وصُنِع فيها يوم كان سفير السعودية هناك. وسعيد بن جبير العالم الجليل والمفسر العظيم وصاحب المواقف المشهودة.

عادل الجبير خادم مطيع لآل سعود لأنهم راضون عنه، فهو يقول بما يقولون وهو الببغاء التي تردد ما تسمع، لم تمر سوى أسابيع قليلة عن كلامه من العيار الثقيل على إيران، وإذا بنا نراه في مؤتمر في اسطنبول يصافح ويعانق وزير خارجية إيران، لا بل إنه يوجه له الدعوة لأداء مناسك الحج هذا العام، لكن الرجل اعتذر. انه يدعوه وكأن الكعبة المشرفة والبيت الحرام بيت أبيه وأجداده، هو نفسه عادل الجبير هذا الذي رفض الاستجابة للجهات الليبية التي اتصلت به للتدخل من أجل الإفراج عن ثلاثة قياديين من القادة الليبيين الذين ساهموا في سقوط القذافي وهم الآن يواجهون سيسي ليبيا “خليفة حفتر”. لقد قامت الأجهزة الأمنية السعودية وبطلب من حفتر باعتقال هؤلاء القياديين خلال أدائهم لمناسك العمرة، ويسلّمهم إلى عدوٍ مجرم قاتل هو خليفة حفتر.

عادل الجبير هذا الذي تطاول على غزة وأبطالها وشرفائها الذين هم مصدر شرف الأمة كلها حيث من باريس قال إنهم إرهابيون.

وأنا أقرأ عن أفعال العلماني عادل الجبير تابع آل سعود، فقد تذكرت سعيد بن جبير التابعي الجليل، جهبذ العلماء ومفسر القرآن العظيم من قال فيه أهل زمانه( مات سعيد وما على الأرض رجل إلّا ويحتاج لعلمه).

لقد مات سعيد بن جبير لأنه وقف موقف حق في وجه عبد الملك بن مروان، فطارده الحجاج والي عبد الملك بن مروان وألقى القبض عليه بعد أن اختفى مدة اثني عشر عاما في مكة المكرمة، ولقد دار بينهما حوار مشهور فيه راح الحجاج الظالم يسخر منه وهو يقول له ( ما اسمك؟ فقال اسمي سعيد بن جبير. فقال له: الحجاج بل أنت شقي بن كُسير……. ). وإذا كان العالم الفاضل في عين الحجاج هو شقي بن كسير، فأنت لست إلا ظالم بن كُسير ولست عادل بن جبير أيها التابع الذليل، ألست ظالمًا وأنت تصف غزة وأهلها وأبنائها المدافعين عنها بالإرهابيين؟

قتل جنود الحجاج سعيد بن جبير، وكانت آخر كلمات خرجت من فمه قوله ( اللهم لا تسلّطه على أحد يقتله بعدي) فلم يعِشْ الحجاج بعد قتله سعيد بن جبير إلّا أربعين يوما، أصيب خلالها بمرض فتّاك، لا بل إنه كان يستيقظ من نومه مذعورًا يصرخ ويقول مالي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم جاء وأخذ يجرني من رجلي.

نعم يا ظالم ابن كسير، سترى في منامك من يجرّك من رجلك وستقول مالي وغزة وأطفالها ونسائها ومرضاها وجائعيها. مالي ولرابعة وشهدائها ولحفظة القرآن الذين أهانهم السيسي ومالي ومالي ومالي.

مات الحجاج ولم يقتل أحدًا بعد قتله سعيد بن جبير. أما وإنك خادم للظلمة يا ظالم بن كسير، فإنني على يقين أنّ مآل ظلمكم إلى بوار، وأنكم إلى نفس مصير الظلمة والطواغيت ممن سبقوكم، وأنّه قد حان الوقت بإذن الله لئلا تظلْوا متسلطين على بيت الله الحرام، إليه يدعو ظالم بن كسير وأسياده من يريد، وعنه يصدر ويمنع بل ويعتقل ويسلم للسجن والقتل من يريد.

المسجد الحرام والمسبح الحرام

كل عاقل يدرك ويفهم بفطرته كيف أنْ الله سبحانه الذي فجّر الماء من تحت قدمي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام في وادٍ غير ذي زرع، فكانت زمزم التي أسقت وما تزال بإذن الله، وأنّ الله سبحانه هو الذي رزق تلك البلاد من الثمرات على مدار التاريخ اكرامًا لبيته الحرام ولضيوف بيته.

وأنه سبحانه قد أوجد النفط والغاز وعمّ الخير والثراء لتلك البلاد لتتهيأ الظروف لخدمة بيته الحرام وببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ها هي السعودية تتجه سريعًا نحو الليبرالية والعلمانيه وأدارت الظهر لتعاليم الإسلام، ولو لم يكن ذلك بشكل علني وصريح، وإلّا فكيف يمكن تفسير خطة محمد بن سلمان بالبدء ببناء منطقة سياحية على شاطئ البحر الأحمر، وستكون وفق المقاييس والمعايير العالمية؟ يعني أنها منطقة فنادق وشواطئ سباحة ليس فيها قيود على التعري ولباس البحر واختلاط الرجال بالنساء وأكثر من ذلك.

لا بل إنه أعلن أنّ الوصول إلى تلك المنطقة لا يتطلب الحصول على تأشيرة دخول رسمية، فهي متاحة لمن شاء وكأنها تقع خارج السعودية ولا تنطبق عليها القوانين والنظم التي تطبق في باقي أرجاء السعودية، وبكلام أوضح إنها غير خاضعة لأي رقابة دينية ولا أخلاقية.

إنّ النظام السعودي الذي فرض أنظمة صارمة على دخول الحجاج لأداء مناسك الحج، وجعل لكل دولة عددًا محصورًا، فلكل مليون من سكان أي دولة يسمح سنويًا لألف حاجّ، ولا بد من الحصول على تأشيرة رسمية ويتطلب ذلك إجراءات صارمة، وانا لست ضد هذا لضمان تسهيل ظروف الحجاج. ولكن كيف يمكن تفسير أنّ دخول السعودية لأداء الحج والعمرة تتطلب تأشيرات، بينما لدخول شواطئ السياحة والسباحة لا يتطلب ذلك.

هكذا إذن وقريبًا من المسجد الحرام ستكون المسابح الحرام والشواطئ الحرام، و لتصبح آية {وليشهدوا منافع لهم} تحمل معاني كثيرة ودلالات أكثر، وسيفسرها فقهاء آل سعود ويخرجون لها فتوى تستجيب لخطة وليّ أمرهم ومشروعه المعروف بـ السعودية 2030 والتي يقينا أنهم لن يبلغوها، لأن الله سبحانه سينتقم من المفسدين.

أضاحي العيد وضحايا العبيد

ها هم الحجاج وبعد إذ يقفون على صعيد عرفات الطاهر، ثم يبدأون في اليوم الذي يليه يوم العاشر يوم النحر، فيه ينحرون هديَهم ومثلهم من غير الحجاج كلّ في بلده ووطنه ينحرون أضاحيهم لتسيل دماؤها قربى وطاعة لله سبحانه {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}.

إنها الأضاحي رمز الفداء والعطاء وسيرًا على طريق إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل، وقد استجاب إبراهيم لطلب ربّه واستجاب إسماعيل لطلب أبيه { قال يا بني إني أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تأمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} وإنها أمة محمد صلى الله عليه وسلم الماضية في السير على هذا الطريق {ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيدًا وتكونوا شهداء على الناس}.

لكنها أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي التي تدفع اليوم ثمن هذا السير على خطى إبراهيم حيث تُحارَب وتُقاتَل وتُعادى فقط، لأنها اختارت هذه الهوية، وإذا كانت هي التي تقدم أضاحي العيد قربى لله سبحانه فإنها هي التي تقدم من أبنائها الشهداء والجرحى ضحايا بيد الظالمين والحاقدين.

ها نحن بين يدي عيد الأضحى عيد النحر، يسبقه ذكرى ضحايا رابعة في مصر 14/8/2013 وذكرى ضحايا الكيماوي في غوطة دمشق 21/8/2013 . ثم تلحقه من بعد العيد ذكرى ضحايا صندلة، الأطفال الخمسة عشر الذين انفجرت بهم قنبلة من قنابل جيش إسرائيل وهم عائدون من المدرسة يوم 17/9/1957 . وفي نفس اليوم فإنها ذكرى ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، وقد فعل بهم الجيش الإسرائيلي وحلفائه من ميليشيا الكتائب المسيحية ما فعل حيث بلغ عدد الضحايا من الفلسطينيين من سكان المخيميين قريبًا من خمسة آلاف وكان ذلك يوم 17/9/1982، لا بل إنه مشروع ضحايا المسلمين الذي لم يتوقف، وما يزال مستمرًا في كل لحظة منهم من يسقطون بين أعداء الأمة، ومنهم يسقطون بيد عبيد أعداء الأمة من بني جلدتنا من أصحاب الجلالة والفخامة والظالمين.

سنفرح بالعيد رغم أنوفهم

لأننا على ثقة ويقين بأنّ ليلنا في آخر لحظاته، وأنّ شمسنا بدأت تشرق، لأننا على يقين بأنّ صوت المولود الجديد يوشك أن يأتي بعد المخاض العسير، وبعد الألم والزفرات والدماء والآهات. لأننا على يقين بأن المرحلة الآن هي مرحلة الإسلام، وأنّ الدورة الآن هي دورة الحق. لأننا على يقين بأنّ مارِدَنا الذي وقف سيناطح ويصرع من يظنون أنه يصلح ليكون ضحية لهم، وإليه تصوّب سهامهم، و لأجله تشحذ سكاكينهم. نعم رغم كل الآلام والجراح، فإننا على موعد مع الفارس البطل يرفع راية الإسلام يصرخ في كل الدنيا:

نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما حيينا أبدا

نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى