حول الفرج والأمل سنظلّ ندندن
الشيخ كمال خطيب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما وإني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحولها ندندن. يقصد الرجل أنه لم يبلغ علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علم معاذ بن جبل وقدرتهما على نظم الدعاء وانتقاء الكلمات، وإنما هو يتقن كلمات معدودات على لسانه بها يدعو الله سبحانه أن يرزقه الجنة وأن يجيره من النار. فكان جواب رسول الله أن كل ما يقوله هو ومعاذ يدور حول طلب الجنة والنجاة من النار.
في زمن كثر فيه المرجفون والمثبطون والمحبطون من الذين زاغت أبصارهم وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بربهم الظنون، وهم يرون الباطل يصول ويجول ويعربد، بينما الحق ضعيف مطارد وأنصاره يلاحقون ويلاقون أشد صنوف العذاب، وإذا بهؤلاء ومن غير فهم دقيق ولا إيمان عميق ولا بوصلة حسنة التوجيه، وإذا بهم يقبعون في خانة اليأس والإحباط، لا بل وإذا بهم يصبحون وسيلة لنقل عدوى وفيروس الإحباط لغيرهم.
لن نسمح بإذن الله لعدوى الإحباط والتشاؤم واليأس أن تنتشر وتتفشى، بل سنقف لها بالمرصاد ونحن نتسلح بسلاح الإيمان وبالفهم والقراءة الثاقبة لديننا ونصوصه الشرعية، وقراءة التاريخ الماضي، وحسن قراءة الواقع، لندرك وتدرك الدنيا كلها أن ما تعيشه الأمة الآن ليس إلا سحابة صيف وذلٍ ستنقشع، وأننا في ساعات ليل ما قبل الفجر، وأن الآلام والمعاناة التي تعيشها الأمة هي مثل آلام المخاض الذي يسبق الميلاد. نعم لن نتيه وفينا نور القرآن، ولن نضل ونحن نرفع راية محمد صلى الله عليه وسلم. وكيف نتيه وكيف نضل ورمضان ونفحاته وهلاله يملأونا باليقين بأننا إلى الفرج أقرب. فعن الأمل وعن الفرج ندندن.
دندنات الأمل من القرآن والحديث ومن الشعر
وكيف للمسلم أن يستسلم للظالم، ولا يكون على يقين أن بعد الليل فجرًا وبعد الظلام نورًا. وكيف له أن يتلفع بعباءة الظلام وقرآنه نور {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} آية 8 سورة التغابن. ورسوله نور {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} آية 15 سورة المائدة. وربه سبحانه نور {الله نور السماوات والأرض} آية 35 سورة النور. فأمة كتابها نور ورسولها نور وربها سبحانه نور، كيف لها أن تتيه في عتمة وظلام؟
وكيف للمسلم وهو يعلم أن من سبقوه من المصلحين بل من الدعاة والمرسلين قد لاقوا ما يلاقيه، وكان ذلك لحكمة من الله تعالى ثم كان يأتي بعدها بالفرج بل بالنصر {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} آية 110 سورة يوسف.
وكيف للمسلم أن ييأس ويقنط ويركن للحال الصعب وهو يعلم قوله الله سبحانه {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} آية 51 سورة غافر. {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} آية 171-173 سورة الصافات.
وكيف للمسلم أن ييأس ويقبع في خانة اليائسين ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”.
وكيف للمسلم أن ييأس وألا يكون على يقين بالفرج ورفع الغمة عن الأمة وهو يقرأ قول الشاعر المؤمن:
وكم من ضيقة ركدت بغمٍّ فكان عُقيبها فرج مفاجي
وأضيق ما يكون الأمر أدنى وأقرب ما يكون إلى انفراج.
وقال آخر:
لا تيأسن إذا ما ضقت من فرج يأتي به الله في الروحات والدُلج
فما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه الله بالفرج
وقال ثالث من شكى إليه الهم واليأس:
ألا أيها الشاكي الذي قال مفصحًا لقد كاد فرط اليأس أن يتلف المهج
رويدك لا تيأس من الله واصطبر عسى أن يوافينا على غفلة فرج
فرج رغم أنف المرجفين
إن مشكلتنا بل مصيبتنا هي ليست بالأعداء من خرجنا، يوجهون إلينا سهام اللؤم في صدورنا، بل إن الأخطر منها هي خناجر الغدر يطعن بها أبناء الجلدة في ظهورنا، أولئك الذين هم أشد خطرًا من الأعداء لأن إضعاف الصف الداخلي عبر هؤلاء المنافقين والمثبطين هو مقدمة للاقتحام الخارجي من قبل الأعداء. ولقد ظهر دور هؤلاء عبر تجارب كثيرة في التاريخ القريب والبعيد من خلال إشاعة الفتن ودق الأسافين والترويج لفكر التثبيط والقنوط واليأس وانعدام الأمل، لا بل والتمجيد بدور الأعداء، وأن حل مشاكلنا لا يكون إلا بالذي يأتينا من عدونا والسير على خطاه فكرًا وثقافة وأخلاقًا أو بتحالفنا معهم. إن من يعتبرون خلاص أمتنا وشعوبنا لا يكون إلا بالتحالف مع أمريكا والغرب، ومثلهم الذين يعتبرون خلاص أمتنا وشعوبنا لا يكون إلا بالتحالف مع روسيا وإيران، إن كل هؤلاء هم من الجبناء الضعفاء المهازيل.
ها هو التاريخ يذكرنا بمشهد هو نسخه طبق الأصل عمن يفتحون بلاد سوريا اليوم للاحتلال الروسي بزعم تخليص سوريا من الإرهاب وهم في الحقيقة يريدون منع أن يحكم أهل السنة في بلدهم مع أنهم قريبًا من 82 % من سكان سوريا، ويروجون للاحتلال الروسي والإيراني بأنه تحالف أصدقاء. يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه الرائع الجديد- إصدار 2018 وهو بعنوان- التشيع الفارسي المعاصر خفايا المؤامرة – صفحة 16 (فوزراء الشيعة الفاطميون “ضرغام وشاور” عقدوا التحالفات مع الصليبيين ضد سعي الدولة النورية – دولة نور الدين الشهيد، إلى تحرير مصر من الاحتلال الصليبي، وكانت نتيجة خياناتهم اجتياح الصليبيين مصر ومرابطة قواتهم على أبواب القاهرة وامتلاك مفاتيحها. ودفعت مصر الجزية للصليبيين، بل أطلق هؤلاء الوزراء الشيعة الخونة على الفرنج وصف “الفرج” بحذف النون). وكأن فرج الأمة وتحريرها وخلاصها لا يأتي إلا عن طريق التحالف مع الصليبيين تمامًا، كما يفعل اليوم حكام سوريا بتحالفهم مع الروس وحكام السعودية وتحالفهم مع الأمريكان. وبقي الأمر على هذا الحال (واستمر ذلك العار الشيعي الفاطمي حتى أزاله الجيش السني الذي قاده أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي)، وعندها كان الفرج الحقيقي الذي قاد إلى تحرير القدس والأقصى، وهذا ما سيكون بإذن الله بعودة الأمة إلى هويتها الحقيقية، وتعمل للخلاص من أعدائها، ليس عبر فرج الفرنج ولا الروس ولا الأمريكان، ولا عملاؤهم من أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، وإنما على أيدي أبنائها وأخيارها.
كيف نقرأ الأحداث
إن من أهم أسباب حالة الإحباط والتشاؤم التي يعيشها الكثيرون أنهم يستمدون رؤيتهم، ويبنون مواقفهم ويقرأون الأحداث عبر أقلام المهزومين والمثبطين واليائسين من السياسيين والمحللين وأصحاب الأقلام ووسائل الإعلام التي يقف على رأسها (ليس عفويًا ولا صدفة) أمثال هؤلاء ليكونوا هم الوسيلة لنشر فيروس اليأس والإحباط في الإمة. إنه ومع انعدام الحصانة والمناعة العقائدية والفكرية والثقافية والروحية، فمن السهل لهذا الفيروس أن يخترق التفكير والعقول والرؤوس، ويفسد ما بقي من تفكير سليم فيها.
إن كثيرين من هؤلاء إما بجهل فيهم وإما بعلم ومعرفة، باعوا ضمائرهم من أجل ملء جيوبهم، وعرضوا أقلامهم في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر، وإذا بهم يحدثون في الأمة هذه الزعزعة والهزيمة المعنوية، بأن الأمة قد ماتت وشيعت إلى مثواها الأخير، وأن الإسلام قد انتهى دوره، لا بل إنهم الذين يربطون الإسلام بالإرهاب والدم، وهم يعلمون أن الإسلام والمسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، وضحايا الكيد والظلم والاحتلال، يمارسه ضد المسلمين أعداؤهم من الشرق والغرب وروسيا وأمريكا وربيبتهم إسرائيل، ومعهم أنظمة فاسدة عميلة من أبناء الجلدة.
لذلك فإن من أهم أسباب الخروج من هذا الحال والشفاء من فيروس الإحباط هو الحصانة العقائدية والوعي الفكري والصفاء الإيماني والمعرفة بالمقاصد القرآنية والسيرة الشريفة، وقراءة الواقع من الثقات الأجلاء، وليس من الدخلاء والعملاء أيًا كانت أسماؤهم أو شهاداتهم أو مواقعهم أو اللغة التي ينطقون بها حيث أخطرهم من يتكلم بلغة الضاد.
ومع هلال رمضان ندندن:
أيام قلائل تفصل بيننا وبين أن يهل علينا هلال شهر رمضان المبارك. اللهم يا ربنا أهلّ علينا هلال رمضان باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام هلال رشد وخير، ربي وربك الله.
يهل علينا هلال رمضان وصوت المثبطين يعلو كلما سمعوا عن قرار ترامب حيث اعتبار القدس الشريف عاصمة إسرائيل الأبدية ونقل سفارتها إليها. ويعلو صوتهم بل نحيبهم وهم يرون الشهداء في مسيرة العودة يرتقون، ويضربون يدًا بيد بل ويلطمون وهم يرون قوى الشر أمريكا وحلفاءها، وروسيا وعملاءها يتصارعون ويتسابقون فيمن يقتل من أهل الشام أكثر وأكثر. وكذلك حال أهل اليمن وليبيا والعراق.
لكنه هلال رمضان الذي عودنا على الأمل والتفاؤل، هلال رمضان الذي كلما هلّ علينا فإنه يذكرنا بيوم بدر ونصره، ومعركة دخول مكة وفتحها، وعين جالوت ومجدها، وانتصارات الأندلس وعزها وغير ذلك الكثير مما كان من أيام مجد للمسلمين في رمضان.
لكأني بهلال رمضان يحمل بين ثنايا أيامه بشريات خير وأمل. لكأني به يبشرنا بخير قادم، حتى وإن سبق هذا الخير شرٌ عظيم، حتى وإن كان ذلك الفجر قد سبقه ليلٌ بهيم.
إننا لا نشترط على ربنا سبحانه وتعالى ولكن رجاءنا به وثقتنا فيه، وهو الذي عودنا أن بعد العسر يسرا وبعد الكرب فرج، وأن هذا قانونه وسنته التي لا تتغير ولا تتبدل {ولن تجد لسنه الله تبديلا}.
فاذا كان غيرنا يدندن حول اليأس والقنوط والعتمة، وانتظار الفرج من الأعداء، واستجلاب النصر من الكفار، فإننا سنظل ندندن حول الفرج والأمل والنصر والفتح المبين، وأن الأمة بانتظار وعلى أبواب دورة جديدة من دورات مجدها. أليس كذلك يا هلال رمضان؟
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون