ماذا تخبئ لنا الأيام؟
الشيخ كمال خطيب
سبق وكتبت قبل شهور عديدة بأن الساحة السورية أبعد ما تكون عن الإستقرار بل إنني قلت من أنّ ما شهدناه وما نزال نشهده من ويلات وجرائم وحرب طاحنة ضحاياها هم أبناء الشعب السوري الشقيق، ما هي الا مشاهد أولية من فيلم الرعب الكبير الذي ستتوالى حلقاته وفصوله.
إنّ وجود نصف الأرض السورية خارج سيطرة النظام الدموي، وإنّ وجود نصف الشعب السوري كنازحين في وطنهم أو لاجئين في الدول المجاورة وإنّ تدخل دول كثيرة وتمركز قواتها وبناء قواعد عسكرية لها في سوريا يؤكد على أنّ خيوط القضية السورية قد تشابكت وأنّ الأصابع التي تمسك بها هي كثيرة وكثيرة جدًا.
إن مثل بشار الدموي كمثل صاحب الكرم الذي اتى باللصوص إلى كَرْمه حيث استغل اللصوص أنانية صاحب الكَرم واستقواءه على شركائه وانشغل هو بملاحقة شركائه فدخل اللصوص الكرم ونهبوا خيراته وأقاموا فيه.
لا أتردد بالقول إنّ ما يجري في سوريا هو مقدمة لاختلاط الأوراق وبداية حرب إقليمية لا بل عالمية لن يكون بشار فيها إلا مثل لاعب الاحتياط الجالس على الدكة أو مثل شرشوح الكرم، ولي أن أزيد أكثر بالقول أنّ ما يجري في بلاد الشام، سوريا وفلسطين، وحالة الإضطراب التي بدأت تعصف بالسعودية انما هي مقدمات لأحداث مفصلية في تاريخ الأمة وإن ما يجري ليس الا رسمًا جديدًا لخارطة العالم. طبول الحرب تقرع:
إنهم ثلاثة من كبار الكتاب في أشهر الصحف العالمية البريطانية الأمريكية، “روجر بويس” من صحيفة “التايمز” البريطانية، و”روبرت فيسك” من صحيفة “الإندبندنت”، و”توماس فريدمان” من صحيفة “نيويورك تايمز”، ثلاثتهم وخلال أسبوع واحد كتبوا مقالاتهم التي وبغض النظر عن تفاصيلها إلا أنّ ملخصها وجوهرها والسطر الأخير فيها يشير إلى أنّ ما يجري في سوريا هو أبعد ما يكون عن نهايته لا بل اننا سنشهد بداية أهوالٍ وخطب شديد، هي معارك حامية الوطيس بدايتها سوريا ونهايتها ليس المنطقة وحسب بل إنها قد تمتدّ ليصبح العالم ميدانها.
أمّا الكاتب “روجر بويس” فقد استهل مقالته في صحيفة “التايمز” بالقول (إن هجوم الحلفاء على أسلحة نظام بشار الأسد الكيماوية لا يمثل شيئًا بالنسبة للنزاع القادم).
ويضيف: “إن الحرب الكبيرة قادمة وأنا متأكد هذه المرة، فأنا الذي هرمت وأنا انتظر الحرب العالمية الثالثة”. حيث يعتبر الكاتب أن بناء القواعد العسكرية عمومًا والإيرانية خصوصًا إضافة إلى تولّي “جون بولتون” وظيفة مستشار الأمن القومي الأمريكي وتعيين “مايك بومبيو” بمنصب وزير الخارجية حيث كلامها من أصحاب السياسة الصدامية مع أعداء أمريكا عمومًا ومع إيران تحديدًا. إن الكاتب البريطاني “روجر بويس” يلخص مقالته بعبارة “أتوقع ان يكون الصيف القادم دمويًا”.
وأمّا “روبرت فيسك” الصحفي البريطاني الشهير والذي يعتبر أن معركة الغوطة ثم قصف دوما بالكيماوي لم تنه الصراع وإنما زادت من تعقيداته، حيث يقول إن المعركة القادمة قريبة وان امكانات استخدام السلاح الكيماوي واردة جدًا وأن الموقف سيصبح اكثر تعقيدًا وليس كما قال ترامب بأن المعركة قد انتهت وهي لم تنته بل انها بدأت تمامًا مثلما قال بوش الابن عام 2003 بعد احتلال بغداد أنّ المهمة قد انتهت ونحن نرى حال العراق وأنها أبعد ما يكون عن الإستقرار.
وأما الكاتب “توماس فريدمان” والذي يتحدث عن المواجهة المحتملة يقول: “سوريا على حافة الإنفجار، انت لم تسمع هذا مني في السابق لكن هذه المرة ستنفجر حقيقة وأن حالة الهدوء النسبي في طريقها للنهاية وأن الحرب القادمة بين اسرائيل وإيران ستخرج عن السيطرة”. ويختم فريدمان مقالته بالقول “اربطوا الأحزمة”.
وحتى المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرونوت ليوم الجمعة 20.4.2018 فقد كتب معقبًا عما أسماه الجيش الإٍسرائيلي خطأ تقنيًا صدر يوم ذكرى النكبة واحتفالات اسرائيل فيما تسميه بعيد الإستقلال حين تم استدعاء الاف جنود الإحتياط وبعد ساعات تم الغاء الأمر واعتبار ما حصل خطأ، حيث يقول الكاتب أليكس فيشمان متسائلًا، هل فعلًا كان ذلك خطأً؟! يقصد أنّ احتمالات أن يكون الأمر ليس خطأ بقدر ما يكون لفحص الجاهزية والاستعداد لظرف قريب يتم فيه استدعاء كتائب الجيش بشكل فوري.
ولعل هذا هو الشعور العام الذي يسود المجتمع الإسرائيلي في هذه الأيام من أن حربًا شاملة تدق طبولها وأنها على الأبواب، حيث أنه ووفق نتائج الإستطلاع الذي اجرته ونشرته صحيفة معاريف العبرية يوم 19.4.2018 والذي كانت نتائجه تشير الى أن 52% من الإسرائيليين يخشون اندلاع حرب إقليمية قريبة، وكلنا يعلم أن كل بيت في المجتمع الإسرائيلي له علاقة بالأذرع الأمنية على اختلافها وأن هذا ليس مجرد شعور بل لعلها الإرهاصات والمؤثرات يعرفها أفراد هذه البيوت من خلال خدمتهم.
ويؤكد على هذا الإحساس ما كتبه الصحفي الإسرائيلي أفيعاد كلينبيرج في صحيفة يديعوت أحرونوت أول أمس الأربعاء 25.4 في مقالة بعنوان “لن يمر بدون دماء” مشيرًا إلى المستقبل وخاصة أحداث شهر أيار وأنه سيكون ملتهبًا محليًا واقليميًا، حيث يتوقع الكاتب تصعيدًا كبيرًا في الأحداث تقود الى حرب وسفك دماء.
*هل نحن على أبواب الملاحم الكبرى؟
مع قناعتي المطلقة بأن إيران ليس في مخططها المواجهة مع اسرائيل لا في المنظور القريب ولا البعيد وانما هي التي رفعت شعار القدس وتحرير القدس والعداء للصهيونية شكلًا من أشكال التقية التي يؤمن بها الإيرانيون الشيعة، حيث سياسة إيران الحقيقية هو التمرد وتصدير الثورة وفق منطقهم، فلم يكن عجبًا افتخارهم بأن أربعة عواصم عربية أصحبت تحت تأثير نفوذهم المباشر بل واحتلالها وهي بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد.
لكن من يقرأ أحداث معركة بدر وكيف خرج المسلمون ليس للقتال وانما لاعتراض القافلة لكن الله سبحانه كان له إرادة أخرى بجعل هذا سببًا للصدام المباشر فكانت بدر الكبرى (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) )- سورة الأنفال.
إنها إيران التوسعية في مشروعها الصفوي وإنها اسرائيل التوسعية في مشروعها الصهيوني، حيث سيقود ذلك الى صدام بين المشروعين ولأن لكل منهما حلفاؤه ومعسكره، وبات هذا جليًا وواضحًا على الأرض السورية حيث تهيأت الظروف لاقتراب المواجهة.
إن تمركز القوات وان بناء القواعد العسكرية بل وأن تتشكل فيما يسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وأن الحشود العسكرية على الأرض في البحر وفي الجو ليؤكد على أننا بين يدي أحداث جسام ولعلها تلك التي أشارت اليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وانها ستجري في بلاد الشام بل وفي سوريا خصوصًا بل وفي منطقة حلب والشمال السوري تحديدًا لكنها التي ستتطور لتكون مواجهة اقليمية بل عالمية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يجيء الروم في الف الف من الناس، خمسمائة الف في البر وخمسمائة الف في البحر، ينزلون في أرض يقال لها العميق”. قال الإمام النووي في شرحه: الأعماق ودابق موصفان قرب حلب في الشام. وقال صلى الله عليه وسلم: “إنّ الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحوات فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت الروم تعني؟ قال نعم”. في رواية أخرى “يأتون لكم تحت ثمانين غاية (راية) وتحت كل غاية اثني عشر الفًا”.
مثلما أن أحدًا لم يكن يتوقع أن يكون اغتيال ولي العهد النمساوي على يد طالب حربي يوم 28.7.1914 سببًا لبداية حرب عالمية عظمى حيث قامت النمسا بغزو صربيا فقامت روسيا بإعلان الحرب على النمسا فدخلت المانيا الحرب حليفًا للنمسا ضد روسيا ودخلت بريطانيا وفرنسا الحرب حلفاء لروسيا وهكذا كانت حربًا عالمية أولى حصدت مع الحرب العالمية الثانية -التي كانت امتدادًا نسبيًا غير مباشر لها-أكثر من 60 مليون قتيل وكانت النتيجة غياب دول وظهور قوى عظمى كالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. إنّ ما يجري في المنطقة من تزاحم أحداث ليشير الى أن فتيل نزاع اقليمي بانتظار من يشعله أولًا حيث الجميع قد نزع القفازات بانتظار توجيه الصفعة بل الضربة القاضية للطرف الآخر وحتمًا ويقينًا سيقود هذا الى خروج قوى عظمى تكتب تاريخ الإنسانية من جديد.
*السعودية وبروفا المشاهد الحقيقية:
وليس بعيدًا عما يحصل في بلاد الشام فإنه الذي يحصل في بلاد الحجاز وما أصبحت تسمى “السعودية” ليس باعتبار أن السعودية قد أصبحت تبعا وذيلًا لأمريكا وحليفًا لها فقط، بل باعتبار ظروفها الداخلية والفساد والفقر بل والأخطر من ذلك، النزاعات الداخلية بين أفراد العصابة الحاكمة والذي سيظهر حتمًا الى السطح على شكل صدام عسكري مباشر يقود الى فرز حاد ليس في العائلة الحاكمة ولا في المجتمع السعودي بل سيكون له انعكاسه المباشر على الأمة كلها، وكل ذلك ليس بمعزل عما سيدور والأحداث التي تجري ساعتها في بلاد الشام عمومًا وسوريا خصوصًا.
يصعب جدًا إنزال النصوص من الأحاديث الشريفة على أي زمان ومكان لكنها المقاربات التي تشير أننا بين يدي الإمام والخليفة الذي سيظهر في زمن الظلم والجور والفتن ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورا. بل ولعله الذي سيكون له الدور المباشر في مواجهة الروم -الشرق والغرب، روسيا وأمريكا-الذين سبق ونزلوا في بلاد الشام كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم “فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، وانما هذا الذي سيكون بعد الفرز وتطهير جزيرة العرب من طغاتها ولصوصها كما في حديث مسلم وأحمد قال صلى الله عليه وسلم “تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله – أي بداية ظهور المهدي-ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله – أي الملحمة الكبرى-ثم تغزون الدجال فيفتحه الله”.
إنه وبغض النظر عن حقيقة ما جرى في الرياض –العاصمة السعودية-ليلة الأحد الأخير، وسماع دويّ إطلاق نار كثيف، فإن ما حصل ليس الا استعراضًا “بروفا” للمشهد الحقيقي الذي سيعمّ السعودية كلها في قادم الأيام. إنني لا أتمنى للشعب السعودي إلا كل خير، وأن يصرف الله عن أهلنا وإخواننا الظلم والفتن، ولكن فساد أهل سعود لا بد له من نهاية، ونهايته ستكون مروعة بحجم جرائمه بحق الأمة، وعندها ستعيش بلاد الحرمين الأمن والرخاء الحقيقين هي وكل بلاد المسلمين، وإنّ غدًا لناظره قريب..
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون