التصعيد الأخير ودلالات اعتقال الشيخ رائد صلاح
سليمان أبو إرشيد
رغم أن اعتقال الشيخ رائد صلاح تحول إلى إجراء روتيني قد اعتاد عليه هذا “الشيخ المشاغب”، إلا أن الاعتقال الأخير ينطوي على دلالات مختلفة، تصعيد تجاوز التحريض المنهجي، الذي انطلق عقب عملية الأقصى وشكلت أم الفحم ووادي عارة وجماهير وكوادر للحركة الإسلامية المحظورة قاعدته، وصولا إلى رأس الهرم – الشيخ رائد صلاح، بصفته زعيم هذا التيار.
التصعيد الأخير تجاوز التحريض اللفظي إلى تنفيذ حملة بوليسية، شملت المداهمات والتحقيقات والاعتقالات والاعتقالات الإدارية لنشطاء في المنطقة، وكان من الطبيعي أن يقود الربط بين أم الفحم والأقصى، قادة إسرائيل ومخابراتها، إلى الشيخ رائد صلاح والجناح الشمالي المحظور من الحركة الإسلامية، الأمر الذي وفر عليهم الكثير من العناء ووفر لهم أرضية خصبة للتحريض وللعمل ضد المثلث، الذي يتشكل جغرافيا من وادي عارة وديمغرافيا من أم الفحم وعقائديا من الجناح الشمالي المحظور، والذي يقف على رأسه الشيخ رائد صلاح.
وقد كان لافتا ومستهجنا هذه المرة، وبعكس عملية نشأت ملحم، انحصار التحريض في منطقة وفي مدينة وفي تيار، خاصة وأننا نعرف أن المؤسسة تتعمد التعميم عادة، أولا لتعويم القضية وهروب الأجهزة المعنية من تحمل مسؤوليات وتبعات مباشرة، وثانيا لإنجاز الهدف السياسي لأطراف اليمين الحاكم في التحريض على العرب كوسيلة شحن وتعبئة أيديولوجية.
هذه المرة بدا وكأن السلطات الإسرائيلية قد حددت الهدف، وهو كما أسلفنا، وادي عارة أم الفحم الشيخ رائد صلاح، بصفته “متولي” الجناح الشمالي المحظور إن صح التعبير، وكلنا يعرف أن الشيخ رائد أخذ ملف الحركة الإسلامية على كاهله وظل الوحيد الذي يعرف ويعرف نفسه بمنصبه الرسمي – رئيس الحركة الإسلامية، فقد حددت السلطات الإسرائيلية الهدف، وهي تحاول عزله وإبعاده عن المجموع بغية التعامل معه.
ولم تخف تصريحات المسؤولين وغير المسؤولين الإسرائيليين هذه الأهداف، ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى المقالين اللذين كتبهما بعد عملية الأقصى وزير الأمن الأسبق، موشي أرنس، الأول (هآرتس 25.7.17) جاء “المحرض الرئيسي”، وحمل فيه الشيخ رائد صلاح المسؤولية الكاملة عن المواجهات وأعمال العنف وما وصفه بالدم المسفوك في الأقصى، لأنه من اخترع وروج شعار “الأقصى في خطر”، الذي يعتبره أرنس دعوة للقتال، كما أنه واصل هذه الدعوة “التحريضية” رغم إخراج حركته عن القانون. أما المقال الثاني (هآرتس 30.07.17)، والذي حمل عنوان “أم الفحم أولا”، وجاء على خلفية تشييع منفذي عملية الأقصى، فقد انتقل فيه التحريض من شخص الشيخ رائد صلاح إلى المدينة كلها التي خرجت عن بكرة أبيها (والتعبير لنا وليس لأرنس) لتشييع الشهداء الثلاثة.
بغباء المحتل وعنجهيته، يربط وزير أمن إسرائيل الأسبق بين دعوات “الأقصى في خطر” التحذيرية وبين عملية الأقصى، فيرى بالعملية وما أعقبها من أحداث نتيجة لهذه الدعوات، عوضا عن رؤيتها كاستمرار لها وجرس إنذار أخير، وهو، بدلا من أن “يشكر” الشيخ رائد صلاح الذي كان على مدى سنوات يحذر وبشكل سلمي، إسرائيل، من الانفجار الذي سيسببه التمادي في انتهاكاتها المتواصلة لحرمة المسجد الأقصى، فهو يطالب بمعاقبته لأنه تجرأ وقرع جرس الإنذار، بل هو يدعو أيضا لمحاسبة أجهزة المخابرات التي تحفظت على حظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون، دون الالتفات لوجود أو عدم وجود علاقة بين هذا الحظر وبين العملية الأخيرة.
إلا أن وزير الأمن الأسبق، يبقى أقل عنجهية وأكثر ذكاء من وزير الأمن الإسرائيلي الحالي، أفيغدور ليبرمان، حيث أنه، وبعد أن وحد الأحزاب العربية من خلال رفع نسبة الحسم، سيمكّن الفلسطينيين من “تحرير” وادي عارة دون أي نقطة دم، ولكن إلى ذلك الحين يدعو لاعتقال الشيخ رائد إداريا وإخراج التجمع عن القانون.