أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

نشأة الحركة النسوية العربية (1)

ليلى غليون

قبل أن نتحدث عن المراحل التي مرَّت بها الحركة النسوية العربية، هناك ثلاث حقائق يجب الوقوف عندها، الحقيقة الأولى: أنه لا يوجد شيء اسمه الفراغ أو الصدفة، ففي كل مكان نتركه ولا يكون لنا حضور فيه، يأتي غيرنا ويملأ هذا المكان، فإن لم تكن أنت يكن غيرك، وهذا الغير هو الذي يعلم ويربي ويوجه ويشوه ويفعل الأفاعيل بلا عراقيل فليس هناك من يقف أمامه متحديًا أو معارضًا، وكما قال المثل الشعبي (إن غاب القط العب يا فار).

والحقيقة الثانية: ان مجتمعاتنا ومنذ زمن، تتعرض لحرب فكرية ضروس، بلا دبابات ولا أسلحة ولا صواريخ ذكية ولا غبية، إنها حرب ثقافية تتسلل ببطء الى واقعنا وتخترق مجتمعاتنا من أجل احتلال عقول الأفراد وغسل الأدمغة.

والحقيقة الثالثة التي فرضت نفسها على أرض واقعنا: أن الجمعيات النسائية في مجتمعاتنا هي جزء لا يتجزأ من القوى الفاعلة داخل مجتمعاتنا مثلها كمثل المنظمات غير الحكومية والأهلية الأخرى.

وقد مرت الحركة النسوية العربية بثلاث مراحل بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ونلخصها بما يلي:

1- المرحلة الأولى: وهي ما يسمى بعصر النهضة حيث زاد اختلاط العرب بأوروبا وانفتحوا على مدنيتها وثقافتها، وقد تمَّ إرسال بعض النخب المثقفة للدراسة في جامعاتها مما أدى لانبهار هذه النخب بهذه المدنية الغربية او التي اعتبرتها نموذجًا للتحضر والرقي، ثم الدعوة لتقليد هذه المدنية في مجتمعاتنا وديارنا في محاولة للخروج من حالة التخلف والأمية والفقر التي كانت سائدة في بلاد العرب، وقد كانت الثقافة الغربية في هذه الفترة تتحدث عن المرأة ومساواتها مع الرجل وعن حقوقها وضرورة مشاركتها في الحياة العامة، الأمر الذي دعا لاهتمام المثقفين العرب بقضية المرأة بل تبنيهم لهذه القضية.

ومن شخصيات هذه المرحلة: رفاعة الطهطاوي، خير الدين التونسي، بطرس بستاني، فرح أنطون.

2- المرحلة الثانية: هذه المرحلة تبدأ من نهاية القرن التاسع عشر إثر صدور كتاب (لمرقص فهمي) عام 1894 بعنوان “المرأة في الشرق” والذي أحدث هزة عنيفة في المجتمعات الإسلامية لأنه نقل موضوع المرأة وحقوقها إلى حلبة صراع مع المعتقدات الإسلامية، بالإضافة لصدور كتاب “المرأة الجديدة” لقاسم أمين والذي دعا فيه علانية المرأة العربية لترك الحجاب وتقليد المرأة الأوروبية لتلحق بركب الحضارة والمدنية، حيث قال: ” … الكل متفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق، وإن عدم الحجاب هو السر في تقدم الغرب”.

وأما على المستوى العملي فقد تأسست في هذه الفترة الاتحادات النسائية التي شاركت في مؤتمرات عالمية للمرأة، وخرجت المرأة في مظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي عام 1919 ونزعت المرأة الحجاب في تلك التظاهرة التي كانت في مقدمتها هدى شعراوي لتخلع كل النساء المشاركات في التظاهرة الحجاب ويحرقنه في الميدان الذي سمي بعد ذلك بميدان التحرير، مما يدل على أن هذه المنظمات النسائية أصبحت جزءًا من القوى المؤثرة على حركة المجتمع وبنائه الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي.

ومن أبرز رموز هذه المرحلة: قاسم أمين، هدى شعراوي، درية شفيق، سلامة موسى، أمينة السعيد، إحسان عبد القدوس.

3- المرحلة الثالثة: وهذه المرحلة تبدأ من خمسينيات القرن الفائت، ومع ازدياد الأحزاب التي تبنت الفكر العلماني، ومع انتشار الشيوعية واتساع نفوذها واستيلائها على السلطة في العديد من البلدان العربية والتي كانت قد بدأت تتحرر من الاستعمار المباشر، والذي لم يرحل إلا بعد أن مكّن الثقافة الغربية من العقول وأرسى قواعدها في المجتمعات، أي رحل بشكل صوري لا حقيقي، حيث تمكن من تغريب مجموعة قيادية في المجتمع لها الأثر في عملية التغيير القيمي والثقافي المطلوب، وقد ترجمت في هذه الحقبة الى العربية العديد من الكتب اليسارية الماركسية حول تحرير المرأة مثل كتاب (الجنس الآخر) وكتاب (لينين والمرأة) وكتاب (الحب والحضارة) وكتاب (الثورة الجنسية) وكتاب (الاشتراكية والمرأة) وغيرها… مما أدى إلى تسرب هذه الأفكار اليسارية المتطرفة إلى المجتمعات، فسادت أجواء الشك في الدين والقيم وعمَّ التبرج، وسُمي الدين والتقاليد بالرجعية والتخلف، لا بل واتهم الدين بأنه السبب المباشر في دونية وتخلف المرأة واضطهادها، ويمكننا القول إنه في هذه المرحلة انتقلت حركة تحرير المرأة من مرحلة التأثر والانبهار بالنموذج الغربي إلى جعل هذا النموذج أيديولوجيا وعقيدة للمرأة.

حيث كانت الأيديولوجيا الشيوعية من أقوى الفلسفات تأثيرًا في هذه المرحلة والتي دعت لإقصاء الدين عن مظاهر الحياة ونعتته بالرجعية.

وفي العقد الأخير من القرن العشرين والذي يعتبر نهاية هذه المرحلة وحتى يومنا هذا، ازداد اهتمام الحركات النسوية المتطرفة بدراسة مفهوم ما يسمى (الجندر) الذي يتنكر لطبيعة الأنثى وخصوصياتها، وينادي بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل مجالات الحياة، فلا يوجد ذكر ولا توجد أنثى حسب فلسفة الجندر، بل هناك نوع واحد، أي أن الرجل والمرأة نوع واحد على اعتبار أن الفروقات البيولوجية والطبيعية بين الرجل والمرأة هي فروقات اجتماعية من صنع المجتمع، وبالتالي يمكن تغييرها أو إلغاؤها، فهي خاضعة لنظرية التطور، وهي ليست طبيعية فطرية، بحيث يستطيع كل واحد منهما أن يقوم بدور الآخر، وهذه بالطبع دعوة صريحة للشذوذ.

وفي هذا الكلام إثبات لنظرية داروين التي تقوم على أساس التفسير التطوري للبشر، بمعنى أن كل أشكال الحياة الموجودة اليوم، أشكال مرحلية قابلة للتغير مع الزمن.

ومن أبرز شخصيات المرحلة الثالثة: نوال السعداوي، فاطمة المرنيسي، محمد شحرور، وغيرهم كثيرون، منتشرون ومنتشرات في أوطاننا الإسلامية بطولها وعرضها، كالأخطبوط يسوقون نفايات الغرب وانحرافاتهم، يحاربون الفطرة ويشهرون سيوفهم أمام الفضيلة، خدام أوفياء لأسيادهم سكتت ضمائرهم وخرست أمام دولارات معدودة، تجرأوا على القيم والعقيدة والإسلام، تجرأوا على كتاب الله، تجرأوا على رسولنا صلى الله عليه وسلم، بل تجرأوا والعياذ بالله على الذات الإلهية {تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا}.

إن التغيير الإيجابي المنشود هو التغيير الذي لا يتعارض مع مبادئ الدين وأساسياته، ولا مع الفطرة النقية الطاهرة، فهو التغيير الذي يخدم المرأة ويساندها ويدعمها ويقوض أركان كل العادات السيئة التي جنت على المرأة وإنسانيتها، ويخدم المجتمعات ويرفع من شأنها، وليس التغيير الذي يخدم الأجندات الخارجية ولا التغيير الذي يتبنى أفكار الغرب ويطبقها علينا. يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى