أخبار وتقاريرمقالاتومضات

تشويه الإسلام والتطاول عليه مسموح وانتقاد إسرائيل محظور

أحمد حازم/ برلين

في العام 2010 تطرق الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف في كلمة له عن الإسلام في المانيا متسائلا بكل صراحة: “هل الإسلام يعتبر جزءًا من ألمانيا؟”، وقد أثار الرئيس الألماني جدلًا ساخنًا لا يزال مستمرًا حتى اليوم عندما أجاب هو نفسه على سؤاله: “نعم، الإسلام جزء من ألمانيا”.

وهذا اعتراف واضح من الرئيس الألماني شاء الحاقدون على الإسلام أم لم يشاؤوا بأن الإسلام أصبح جزءًا أساسيا من الحياة في ألمانيا بدليل تنامي طائفة المسلمين فيها، لدرجة أنَّ عددهم في مدينة فرانكفورت عاصمة الاقتصاد والبورصة والتجارة العالمية يقترب من أن يكون الأكبر فيها من بين بقية الطوائف. لكن روبرت هابك، نائب المستشار الألماني له رأي آخر.

فقد صرَّح مؤخرًا بكل وقاحة بأن “الإرهاب الإسلامي يشكل أحد أخطر التحديات الأمنية لألمانيا”.

الموقف السياسي الرسمي بشكل عام في ألمانيا يرى أنَّ أي انتقاد يوجه لإسرائيل فيما يتعلق بالحرب على غزة، يتم وضعه في إطار معاداة السامية، أي معاداة إسرائيل، التي احتكرت السامية باليهود علمًا بأن الفلسطينيين هم أيضا ساميون. الباحثة الألمانية في معاداة السامية مونيكا شفارتس-فريزل، قالت للإذاعة الألمانية العامة Deutschlandfunk: “لا يمكن لأحد يمتلك المنطق والعقل أن ينظر للنقد المشروع لإسرائيل على أنه شكل من أشكال معاداة السامية”.

حتى البرلمان الألماني “بوندستاغ” ودعمًا معنويا وسياسيا منه لإسرائيل صادق عام 2019، على قانون يدين حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل (بي دي أس) ويعرّفها باللاسامية. هذه الحركة تقاطع البضائع والعروض الثقافية الإسرائيلية، تنفيذًا لوثيقة تأسيس الحركة عام 2005، وذلك لإجبار إسرائيل على إنهاء احتلال جميع الأراضي العربية.

صحيفة “دي تسايت” الألمانية الواسعة الانتشار، نشرت دراسة تتحدث عن الدور الخطير للإعلام الغربي في تشويه صورة الإسلام والتحريض على المسلمين. تقول الدراسة، إن نسبة 60 إلى 80% من تقارير الصحافة الألمانية والغربية وفي قنوات التلفزيون العامة، تتناول الإسلام عند الحديث عن قضايا سلبية مثل الإرهاب، واضطهاد المرأة والتعصب والتطرف والتخلف.

الدراسة أشارت إلى نقطة مهمة وهي أنَّ وسائل الإعلام الألمانية لم تقدّم على مدى عقود، سوى جوانب سيئة من المجتمع الإسلامي، وتتساءل: ألا يوجد في المجتمع الإسلامي قضايا أو نماذج أخرى أكثر إشراقا من ذلك؟

الدكتور كاي حافظ أستاذ الاتصال الدولي في جامعة ايرفورت الألمانية، يرى أنَّ “الخلل في وسائل الإعلام يكمن في تشويه صورة الإسلام وعدم إظهارها الجوانب الإيجابية، علمًا بأن المجتمعات الإسلامية رائعة ومتنوعة”.

الحقيقة التي لا بد من التطرق إليها، هي أن العداء للإسلام في الغرب ليس قضية هامشية، بل قضية استراتيجية تخطط لها مراكز أبحاث نافذة وعقول استراتيجية غربية.

الرئيس الفرنسي ماكرون حين سئل عن قيام مجلة “شارلي إبدو” الفرنسية بإعادة نشر الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، قال: ” لدينا حرية إعلام، وليس لي كرئيس للجمهورية أن أعلق على خيارات تحريرية لصحفي أو صحيفة. يتوجب عليّ حماية الحريات طبعًا”. الرئيس الفرنسي وكل الذين يرون أن التعدي على الإسلام والمسلمين يندرج في إطار حرية التعبير والرأي هم كاذبون لأن حرية التعبير لا يمكن أن تعني ارتكاب جرائم بحق دين وبحق أتباع هذا الدين.

مركز مراقبة وسائل الإعلام في بريطانيا أصدر تقريرًا تحدث فيه عن كيفية الإبلاغ عن الهجمات الإرهابية اعتمادًا على مرتكبها. ووفقا للتقرير: “فإن أكثر من نصف التقارير الإخبارية البريطانية استخدمت مصطلح “إرهابي” جنبا إلى جنب مع مصطلحات الإسلام أو المسلم، أي تسعة أضعاف الموضوعات التي يتم فيها تحديد الجاني على أنه يميني متطرف أو نازي جديد.

هذه الأحداث ليست مجرد نتاج لتفكير أو موقف عنصري متطرف لجماعات محدودة، بل تندرج في إطار توجه استراتيجي عام في الغرب.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لو كانت هناك هجمة على اليهودية واليهود في أوروبا، هل يترجم ذلك إلى حرية التعبير؟ وهل يجرؤ ماكرون على القول ما قاله بشأن الإسلام والمسلمين؟ وبالأحرى هل يسمح للكتاب والمحللين التطاول على اليهود كما يفعلون مع المسلمين؟ بالطبع لا.

تقول الكاتبة الألمانية بيترا فيلد في كتابها “الإسلام العدو المفضَّل” (Lieblingsfeind Islam): “إن العداء للإسلام بالذات رائج في الغرب، ولا يستطيع السياسيون الغربيون الحديث عن اليهود واليهودية بشكل نقدي ومن يتعرض من السياسيين بالغرب لليهود أو اليهودية بنفس الطريقة النقدية التي يُعامل بها المسلمون فستكون النتيجة اعتزاله الساحة السياسية، لكن الحديث عن الإسلام والمسلمين فلا قيود عليه”.

هم لا يسمحون بنشر أي شيء يسيء إلى اليهود واليهودية وإسرائيل، إذ لا توجد هنا حرية تعبير. لكنهم يتذرعون بالحريات لتبرير جرائمهم بحق الإسلام والمسلمين كي يخفوا حقيقة أنهم كلهم يؤيدون الجرائم لأسباب استراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى