أخبار وتقاريرمقالاتومضات

ماذا بعد؟!

الشيخ رائد صلاح

1- منذ أواخر عام 2023 وحتى أبريل 2025، لا يزال الكرب الشديد يُلقي بثقله على أهل غزة وأرضها ومؤسساتها ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها وعلى حجرها وشجرها وعلى كل ما يدب عليها من حيوان أو يطير فوقها من طير. لا يزال هذا الكرب الشديد مستمرًا، وكلما قيل إنه انقضى، تمادى ولم يتوقف إلا لبرهة قصيرة بين عامي 2023 و2025.

2- هذا الكرب الشديد لم يقع نتيجة زلزال أو إعصار أو هزة أرضية أو صاعقة، بل بسبب الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية التي لا تزال تُستخدم لإيقاع هذا الكرب الشديد على غزة، بأيدي قوات إسرائيلية برية وبحرية وجوية.

3- تشير الأرقام إلى أن عدد ضحايا هذا الكرب الشديد في غزة تجاوز خمسين ألفًا من الرضع والأطفال والنساء والرجال، وفاق عدد الجرحى مائة ألف، ولا يزال هناك آلاف المفقودين الذين لا يُعرف مصيرهم. في الوقت نفسه، سجلت المؤسسة الإسرائيلية قائمة بمئات الإسرائيليين بين قتيل وجريح.

4- تشير الأرقام إلى أن الهدم الكلي أو الجزئي طال 80% من بيوت غزة، وهو ما أكدته المنظمات الدولية. في المقابل، سجلت المؤسسة الإسرائيلية قائمة بمئات البيوت الإسرائيلية التي تعرضت لهدم كلي أو جزئي.

5- تشير الأرقام إلى مقتل أو إصابة آلاف من عناصر المقاومة الفلسطينية في غزة. ووفق البيانات الإسرائيلية، هناك قائمة تضم آلاف الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح.

6- تشير الأرقام إلى أن 90% من أهل غزة تعرضوا للتهجير القسري الداخلي، حيث هاجر بعضهم من شمال القطاع إلى جنوبه أو من مواقعه البرية إلى شواطئه، وهو ما أكدته المنظمات الدولية. في الوقت نفسه، تشير وكالات إعلام إسرائيلية وغيرها إلى أن الكثير من السكان الإسرائيليين القاطنين في مستوطنات غلاف غزة أو على حدود جنوب لبنان هاجروا منها ولم يعودوا إليها حتى الآن، بل صرح بعضهم بأنه لن يعود.

7- خلال يوميات هذا الكرب الشديد، اغتيل قائد حركة حماس الشيخ إسماعيل هنية، كما اغتيل قائد القسام يحيى ال سنوار. وفي الوقت نفسه، أُعلن عن مقتل بعض الضباط الإسرائيليين وقيادات وحدات عسكرية وفق البيانات الإسرائيلية.

8- خلال يوميات هذا الكرب الشديد، اشتد الحصار على بلدات غزة ومخيماتها، ولا يزال أهلها يعانون من هذا الحصار حتى بلغت القلوب الحناجر. في الوقت نفسه، وجدت المؤسسة الإسرائيلية نفسها في حصار من نوع آخر، إذ جعلت محكمة الجنايات الدولية بعض القيادات الإسرائيلية مطلوبة للعدالة، مما يعني تضييق مساحة حركتها، وقد تتعرض لخطر الاعتقال إذا وطئت أقدامها بعض الدول. كما أن العديد من الشعوب باتت تحاصر السردية الإسرائيلية وترفضها، وتتبنى السردية الفلسطينية.

9- لا تزال أنياب الجوع والمرض والعطش تهدد حياة أهل غزة، لدرجة أن العديد من المنظمات الدولية أصدرت بيانات تحذر فيها من أن كارثة الجوع والمرض والعطش في غزة تجاوزت الخط الأحمر، وأن خطر الموت جوعًا أو مرضًا أو عطشًا يهدد عشرات الآلاف من الكبار والصغار. ومن الواضح أن هذا الوضع الكارثي لم يُصِب المجتمع الإسرائيلي.

10- لا تزال غزة تعاني من كارثة تعطيل المستشفيات عن القيام بدورها، إذ تعرضت مستشفياتها للقصف فهُدمت مبانيها، واعتُقل بعض أطبائها فأصبحوا أسرى في السجون الإسرائيلية، كما تعاني من ندرة الأدوية وتخريب الأجهزة الطبية وانقطاع الكهرباء والماء والغذاء. هذا يعني أنها لم تعد ملاذًا آمنًا لأهل غزة. ومن الواضح أن هذا المصاب الجلل لم يُصِب أي مستشفى إسرائيلي.

11- في غزة، التي شهدت بين عامي 2023 و2025 آلاف المظاهرات والمسيرات المليونية وغير المليونية الداعية إلى رفع الكرب الشديد عنها، يكفي أن يشاهد المرء نشرة أخبار قناة الجزيرة ليكتشف أن هذه المظاهرات والمسيرات لم تتوقف حتى الآن، وأنها تجوب العديد من عواصم دول العالم وتنتشر في جميع قارات الأرض. في الوقت نفسه، ليس من الصعب على العاقل أن يكتشف أن المؤسسة الإسرائيلية لم تحظَ إلا بعدد محدود من المظاهرات أو المسيرات القليلة التي دعمت ما تقوم به في غزة.

12- حظيت غزة بين عامي 2023 و2025 باعتصامات عشرات الطلاب الجامعيين في حرم جامعاتهم الأمريكية والأوروبية دعمًا لكل دعوة تطالب برفع الكارثة والكرب عن غزة. ولولا العصا الغليظة التي انتهجتها أمريكا وبعض الدول الأوروبية ضد هذه الاعتصامات الجامعية، لامتدت إلى مئات الجامعات حول العالم. وفي الوقت نفسه، أتساءل: هل شهدت أي جامعة في العالم اعتصامًا لدعم ما تقوم به المؤسسة الإسرائيلية في غزة؟

13- خلال هذا الكرب الشديد الذي لا يزال يُلقي بثقله على غزة، تغلغل التصدع في المجتمع الإسرائيلي، سواء بين قطاعات المجتمع والحكومة الإسرائيلية، أو بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، وطال هذا التصدع أجهزة الأمن والجيش والقضاء والجامعات والإعلام والنقابات. فهناك ألم الكرب الشديد في غزة، وهناك ألم التصدع في المجتمع الإسرائيلي.

14- خلال هذا الكرب الشديد، دعمت بعض الدول العربية المؤسسة الإسرائيلية بدعم إغاثي غير محدود على قاعدة “الجار ولو جار”. وفي الوقت نفسه، ادّعت هذه الدول العربية عجزها عن إدخال لقمة طعام أو شربة ماء أو حبة دواء إلى غزة. وستكشف الأيام كل مستور!

15- خلال هذا الكرب الشديد، قمعت بعض الدول العربية نشاطات شعوبها التي حاولت تنظيم مظاهرات أو مسيرات للمطالبة برفع الكرب الشديد عن غزة. في المقابل، سمحت المؤسسة الإسرائيلية بإقامة مئات المظاهرات والمسيرات الإسرائيلية بين حيفا وتل أبيب والقدس ضد نتنياهو وسياسات حكومته. فهل يستوي قمع الشعوب مع توفير الإمكانيات للتعبير عن الرأي؟

16- بين أواخر عام 2023 و2025، لا يزال نتنياهو يؤكد في خطاباته أنه سيقضي على حركة حماس في غزة، ويحرر جميع الأسرى الإسرائيليين، ويعيد جميع السكان الإسرائيليين إلى بلداتهم في غلاف غزة وعلى حدود جنوب لبنان، ويدمر جميع أنفاق غزة. وبعد كل هذه المدة التي مضت دون تحقيق هذه الوعود، لا يزال نتنياهو يصر عليها. ورغم أن أصواتًا إسرائيلية بلغت مئة وعشرين ألفًا باتت تطالب بإيقاف الحرب، ورغم أن خبراء إسرائيليين أعلنوا أن تحرير الأسرى لا يمكن أن يتم بالحرب، بل قال الجنرال اسحق بريك إن 10% فقط من أنفاق غزة دُمرت، وقال آخرون إنه لم يتم الانتصار على “حماس” في غزة، فإن نتنياهو لا يزال يصر على وعوده.

17- ماذا بعد؟ أقول -والله أعلم-: إن بعض الأنظمة العربية قد انتهى تاريخ أي مبرر لوجودها، فلذلك، فإن تغييرها قادم لا محالة! وإن بعض الذين تقمصوا القومية العربية العمياء والوطنية العمياء بهدف محاربة المشروع الإسلامي قد سقطت أقنعتهم، ولن تنفعهم مليارات الدولارات التي تملأ جيوبهم، ولا ما يملكون من أكاديميات ومراكز دراسات وقنوات فضائية ومواقع إعلامية! وأقول – والله أعلم-: إن خداع الشعوب الذي أتقنه الحكم الجبري على يد حكام مسلمين وعرب لن يدوم، وها هو حكمهم الجبري يلفظ أنفاسه الأخيرة! وإن الجامعة العربية كانت كارثة على العالم العربي، وإن منظمة التعاون الإسلامي لم تنتج إلا خيبة أمل كبرى لمسلمي العالم بسبب وهن دورها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى