“كيف الشيخ رائد؟ كيف الأقصى؟”!!

أحمد حازم/ برلين
رغم أنَّ زيارتي لألمانيا، كما ذكرتُ في المقال السابق، هي فقط لأسباب صحية وعائلية إنسانية في منتهى الخصوصية، إلا أنني لا أستطيع تحمل صدور “المدينة” بدون تحليلي الأسبوعي، لأنّ “المدينة” أصبحت طيلة سنوات كتابتي فيها جزءًا مني وأنا منها.
في مقالي هذا الأسبوع أتطرق الى نقطتين مهمتين جدًا: حكاية شيخ وحكاية مسلمي برلين. في الحكاية الأولى اكتشفتُ أنَّ فضيلة الشيخ رائد صلاح له جذور محبة واحترام لدى فلسطينيي برلين لا تقل مكانة عن محبة أبناء جلدته له داخل مجتمعنا العربي. اسمعوا الحكاية، حكاية شيخ مع فلسطينيي أوروبا:
بعد أيام قليلة من وصولي إلى برلين، التقيتُ صدفة بمسؤول جمعية فلسطينية، وطلب مني زيارة مقر الجمعية للحديث عن المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني مع نقاش حول ذلك.
وبما أن هذا واجب وطني ومهني وأخلاقي ولا سيما في هذا الظرف، فقد قبلت الدعوة.
وعندما بدأ مدير اللقاء بتقديمي للمشاركين تفاجأ الحضور بوقوف شاب يقاطع المدير معتذرًا ويسألني وعلامات السرور بادية على وجهه: “قل لي يا أستاذ كيف الشيخ رائد وكيف الأقصى؟” ثمّ جلس.
ليس هذا فقط. في نهاية اللقاء اقترب مني رجل متقدم في العمر وقدَّم لي نفسه معرفًا وقال لي: “عندما عرفت انك من الأرض المحتلة أتيت للمشاركة في اللقاء لأطمئن على الشيخ رائد والوطن”.
وأضاف قائلًا لي -وهنا المفاجأة: “لقد شاركتُ في العام 2009 بمؤتمر فلسطينيي أوروبا السابع في مدينة ميلانو الإيطالية لأن الشيخ رائد كان الضيف الأبرز في المؤتمر، كما شاركت في نفس المؤتمر في برلين عام 2010 لأن الشيخ كان حاضرًا”.
ماذا يعني هذا؟ يستطيع أحفاد ين غوريون أن يعيقوا تحركات الشيخ وعرقلة نشاطاته حتى منعه من دخول الأقصى، لكنهم لا يستطيعون مطلقا التقليل من محبة أبناء شعبه له في الداخل والخارج.
ولمسلمي برلين حكاية أخرى، ولكن قبل الحديث عنها وعلى أساس أنَّ الشيء بالشيء يذكر ما دمنا في الحديث عن الإسلام في برلين، لا بد من التنويه إلى حقيقة تاريخية إسلامية عن المانيا القليل من الناس يعرفونها وهي أن ألمانيا القيصرية دربت جهاديين في مسجد “فونسدورف” (Wünsdorf) في ولاية براندنبورغ وهو أول مسجد في ألمانيا تم بناؤه عام 1915 بناء على طلب مفتي إسطنبول ويعتبر أقدم مبنى إسلامي في ألمانيا وكل أوروبا الوسطى.
ألمانيا القيصرية استخدمت المسجد لإثارة مشاعر المسلمين ضد القوتين الاستعماريتين: فرنسا وإنجلترا.
نقطة مهمة أخرى لا بد من التطرق اليها: يوجد في برلين وحدها 80 مسجدًا تابعة لجمعيات إسلامية عربية وغير عربية. وهذه المساجد ليست للصلاة فقط، فهي تحتوي على غرف يتم فيها تدريس اللغة الأم ، حيث يتم تدريس أبناء الجاليات العربية، اللغة العربية والدين الإسلامي.
وقد لفت نظري في هذه الزيارة أن جمعيات فلسطينية قد قامت بشراء مباني المساجد، وأصبحت ملكًا لها مما يدل على التضامن والتعاون بين الفلسطينيين للحفاظ على الإسلام واللغة العربية.
الإسلام أينما كان في أوروبا لا بد أن يتعرض لمؤامرات ومحاولات تشويه، وهذا ما حصل في برلين. فقبل عدة سنوات، تمَّ افتتاح “مسجد ؟!!” أطلقوا عليه اسم “مسجد ابن رشد غوته”. الغريب في الأمر أنه تمّ اختيار قاعة في كنيسة لتأسيس هذا المسجد المشبوه.
واضح أن هذا المسجد جاء ليهدم الإسلام ولتقويض تعاليم الدين الإسلامي لأن ما يجري فيه مخالف كليا لتعاليم الإسلام. كيف ذلك؟ إدارة “المسجد” تتيح الصلاة والخطبة للنساء والرجال على حد سواء.
كما أنّ النساء فيه غير مجبرات على ارتداء الحجاب ويسمح بالصلاة المختلطة للرجال والنساء معًا، ويُسمح للنساء بالوعظ، ولا يُستبعد الأشخاص الشواذ، لدرجة ان جدران الجامع علق عليها علم الشاذين جنسيًا “قوس قزح ” وكل هذه الأمور مخالفة للدين الإسلامي وتهدف الى هدم التعاليم الإسلامية.
ليس هذا فقط. فهناك هدف سياسي أيضا. فلو نظرنا الى تصريحات إدارة هذا “المسجد” المشبوه لعرفنا الجهة الداعمة له أو الجهات المعنية به بشكل عام. مؤسسة هذا “المسجد”، التركية سيران أطيش قالت في حوار أجرته معها صحيفة “تاغس شبيغل” اليومية البرلينية: “أعلنا تضامننا مع إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول”.
صحيح أنَّ هذا “المسجد” مغلق منذ أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. لكن صلاة الجمعة وكذلك الاستشارات والزواج للمسلمين الشواذ تقام فيه في ظل احتياطات أمنية مشددة، وفق سيران أطيش. فأي مسجد هذا الذي تنتهك ادارته تعاليم الإسلام؟