منح الجنسية الألمانية مُشترط بـ “الولاء لإسرائيل” والمعاداة لها سبب سحبها

أحمد حازم/برلين
ذات يوم من صيف العام 1970 قمتُ بزيارة الراحل غسان كنفاني في مكتبه بمجلة “الهدف” في بيروت، وفي تلك الفترة لم تكن الزيارة الأولى ولا الأخيرة لمعلمي الكبير في الاعلام والسياسة.
وقتها قال لي خلال حديثنا عن الصحافة: “الصحفي الملتزم بمهنته يجب أن يكون دائما على استعداد لأي شيء والتبرير مرفوض مهما كان”. هذا القول لا يزال في ذاكرتي.
صحيح أنَّ زيارتي الحالية لبرلين ليست سياحية، بل لمراجعات وفحوصات طبية وأسباب أخرى أيضا تتعلق بهذا الشأن، لكن تحليلي الأسبوعي في صحيفة “المدينة” له الأولوية حتى في حالة المرض كما أوصاني الراحل غسان، وقد اخترت الكتابة عن موضوع سحب الجنسية الألمانية من حملة الجنسية المزدوجة العرب لوجود عشرات آلاف الفلسطينيين بينهم.
في السابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو العام الماضي، دخل قانون الجنسية الجديد حيز التنفيذ في ألمانيا. وقتها نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تقريرًا بعنوان: “يجب على المواطنين الألمان الجدد الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود أو إعلان الولاء”.
أمر مستغرب بالفعل. ما علاقة إسرائيل بمنح الجنسية؟ كيف أن دولة ألمانيا الاتحادية الأوروبية تريد من مواطنيها الجدد القادمون من الشرق الأوسط وغيره أن يعلنوا ولاءهم الإجباري لإسرائيل وإذا لم يفعلوا لا يحصلوا عليها أو يتم سحبها منهم.
هل نسي أصحاب الشأن أن الدستور الألماني لا ينص على حق سحب الجنسية الألمانية إلا في حالات استثنائية، مثل الانضمام لجماعات إرهابية كـ “داعش”، حتى أنَّ الدستور لا يتضمن معاداة السامية.
عودوا الى الدستور ثمّ اتخذوا القرارات، إلا ذا كانت إسرائيل أهم من الدستور وتريدون تفصيل قانون جديد على قياس إسرائيل.
المفاوضات حول تشكيل الحكومة بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU الفائز في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرًا في ألمانيا وبين ثاني أكبر حزب وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD، كشفت عن اقتراح لسحب الجنسية الألمانية من الأشخاص الذين يحملون جنسية ثانية، إذا ثبت دعمهم للإرهاب، أو معاداتهم للسامية، هذا الاقتراح ورد في وثيقة الائتلاف، حيث يرى منتقدوه أنه “يحمل مخاطر التمييز ويعزز فكرة المواطنة غير المتساوية”.
وهناك سياسيون ألمان يرفضون سحب الجنسية. المفاوضات وحسب المعلومات المتوفرة شهدت خلافات حادة. ففي الوقت الذي سعى فيه الحزب الاشتراكي للحفاظ على مبدأ التجنيس بشكل عام حتى أنه سعى إلى الإسراع في عملية التجنيس وهو ما عارضه حزب “الاتحاد المسيحي” منذ البداية، يريد هذا الحزب الآن بعد فوزه فرض رؤيته بإدراج بند سحب الجنسية.
الاتحاد المسيحي طالب كثيرًا خلال الحملة الانتخابية بتشديد هذه القواعد. في بداية كانون الثاني/يناير أعلن المستشار الألماني الفائز فريدريش ميرتس من حزب الاتحاد المسيحي عن سحب الجنسية الألمانية من “الأشخاص الذين يرتكبون جرائم” ولديهم جواز سفر آخر، وهو ما ينطبق فقط على المواطنين مزدوجي الجنسية. ولكن!! ماذا عن الذين يصرّحون مثلًا بعبارات معادية للسامية ومن أجرموا من الجنس الآري يعني “ألمان قح”؟
فهل يتم سحب جنسيتهم؟ قمة العنصرية. لكن زميل المستشار في الحزب المسيحي، ماركوس زودر كان أكثر وضوحا من رئيسه، إذ قال بعد ذلك بفترة وجيزة على موقع إكس: “من يدعو إلى الخلافة يجب أن تُسحب منه الجنسية المزدوجة”.
ويبدو بكل وضوح أنَّ الاتحاد المسيحي الذي سيحكم ألمانيا في السنوات الأربع القادمة متمسك بقوة بمشروع القانون الجديد لسحب الجنسية الألمانية من مزدوجي الجنسية بمعنى يكفي توجيه تهمة “داعم للإرهاب” أو “معادٍ للسامية” من أجل سحب الجنسية.
لكن هناك مشكلة أمام واضعي اقتراح سحب الجنسية المنافقين لإسرائيل: لقد نسي هؤلاء أنّ معاداة السامية لا تمثل في حد ذاتها جريمة جنائية في ألمانيا حسب الدستور.
الصورة المستقبلية لحملة الجنسية الألمانية لا تدعو للتفاؤل في ظل التطورات السياسية الحالية، وذلك لعدة أسباب منها: في السابق لم يكن الولاء لإسرائيل شرطًا في القانون الأساس في ألمانيا ليصبح المقيم الاجنبي مواطنًا ألمانيا بالتجنس، وفي السابق لم يكن سحب الجنسية متعلقًا بمعادات السامية.
في السنوات الماضية، اقترح الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي حلًا للسلام في الشرق الأوسط من خلال عيش مشترك للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في دولة واحدة اسمها “اسراطين” بدلًا من اسرائيل وفلسطين، واعتبره بعض ساسة العرب مجنونًا. لكن هذا المجنون وبدليل التطورات كان هو الحكيم والمجانين كانوا هم. واستنادًا للنفاق الألماني المتزايد، هل يقترح سياسي ألماني اسم “المائيل” بدل المانيا وإسرائيل؟ “اعملوها وريحوا حالكو”.