لا يقل لي قائل: (مش وقته الآن)؟!

الشيخ رائد صلاح
مع شديد الأسف والألم، هو مقطع مصور انتشر في مواقع التواصل العامة والخاصة، ويكشف لنا هذا المقطع المصور عن مجموعة فلسطينية مسلحة في دير-البلح في غزة وهي تقتاد شابًا فلسطينيًا تحت تهديد السلاح، ومن حول هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة يُظهر لنا هذا المقطع المصور عددًا قليلًا من أهل دير البلح وهم يسيرون جنبًا إلى جنب مع هذه المجموعة الفلسطينية.
وخلال اقتيادهم لهذا الشاب الفلسطيني يسمع مشاهد هذا المقطع المصور أصواتًا تقول: هو ليس من حماس، ويُسمع صوت هذا الشاب الفلسطيني المهدد بالسلاح وهو يقول: أنا لست من حماس، وبناءً عليه قد يستنتج المشاهد لهذا المقطع المصور أن هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة تقتاد هذا الشاب تحت تهديد السلاح لأنها تعتبره من حماس.
ثم تواصل هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة اقتياد هذا الشاب الفلسطيني والسلاح فوق رأسه حتى تصل به إلى لافتة كبيرة مكتوب عليها: (دير-البلح ترحب بكم)، وهذا يعني أن هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة اقتادت هذا الشاب الفلسطيني حتى مدخل دير-البلح الرئيس، ولماذا حتى هناك؟! هذا سؤال يبقى يبحث عن جواب، ثم عندما وصلت هذه المجموعة الفلسطينية بذاك الشاب الفلسطيني عند ذاك المدخل الرئيس لدير-البلح، أجبرته أن يجثو على ركبتيه وينظر إلى الأرض، ثم وقف أحد أعضاء تلك المجموعة الفلسطينية وراء ذاك الشاب الفلسطيني الجاثي على ركبتيه وأطلق عليه مجموعة رصاصات من مسافة صفر فسقط ذاك الشاب الفلسطيني على الأرض!
ولم ينته هذا المقطع المصور عند هذا المشهد الفاجع المأساوي، بل جاء أحد أعضاء تلك المجموعة الفلسطينية شاهرًا سلاحه وأطلق سيلًا من الرصاص على ذاك الشاب الفلسطيني الجاثي على الأرض، فأخذ هذا الشاب الفلسطيني الجاثي على الأرض ينتفض بكل أعضائه خلال أنفاسه الأخيرة كأنه الدابة الذبيحة حتى سكنت أعضاؤه وخرجت روحه!! ولم ينته هذا المقطع المصور عند هذا المشهد الهجين على الضمير الفلسطيني، بل قام مسلح ثالث من تلك المجموعة الفلسطينية المسلحة وأطلق عشرات الرصاصات على جثمان ذاك الشاب الفلسطيني الذي كانت روحه قد خرجت وفارق الحياة!!
وأمام هذا المشهد المستفز لكل فلسطيني وفلسطينية في كل الأرض -كبيرًا كان أو صغيرًا- بل المستفز لكل إنسان فيه بقية ضمير في كل الأرض، هناك ألف سؤال وسؤال حول هذا المقطع المصور، وهاكم بعضها:
1- ما هي الهوية الفصائلية لهذه المجموعة المسلحة التي ظهرت في هذا المقطع المصور مكشوفة الوجوه، وكأنها تفتخر بما قامت به، بل وكأنها تتحدى كل الشعب الفلسطيني؟!
2- لماذا تم تنفيذ حكم الإعدام الميداني في حق هذا الشاب الفلسطيني، ولماذا تمَّ التمثيل بجثته بعد إعدامه، حيث قام أحد عناصر هذه المجموعة المسلحة بإطلاق عشرات الرصاصات على جسده بعد أن فاضت روحه؟!
3- من خوَّل هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة أن تنفذ حكم الإعدام الميداني في حق هذا الشاب الفلسطيني؟! وهل أعدمته على الظن والشبهة أم أعدمته بسبب هويته الفصائلية الفلسطينية؟! ولماذا هذا الشاب الفلسطيني بالذات؟! ولماذا في دير-البلح بالذات؟! ولماذا عند مدخلها الرئيس بالذات؟!
4- هل قامت هذه المجموعة الفلسطينية بارتكاب هذه الجريمة النكراء من تلقاء نفسها، وبناء على تصرف فردي شاذ أم أن هناك من أمرها بذلك؟! أرجو من كل قلبي -رغم فظاعة ما قامت به- أن تكون قد استحلت حرمة الدم الفلسطيني باجتهاد أخرق فردي ليس إلا.
5- لماذا الآن قامت هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة بهذا العمل الجبان؟! هل تبغي من وراء ذلك إحداث شرخ داخلي فلسطيني بغزة؟! وهل تطمع من وراء ذلك أن يمتد هذا الشرخ الداخلي الفلسطيني حتى يصل إلى سائر امتداد الشعب الفلسطيني في كل مكان؟! ومن المعني بهذا الشرخ الداخلي الفلسطيني -فلسطينيًا-؟! ومن الرابح من وراء هذا الشرخ الداخلي الفلسطيني -فلسطينيًا- ؟!
وهل هناك جهات غير فلسطينية قد تكون عربية أو أعجمية قد أوحت بتنفيذ هذا العمل الجبان لأنها معنية حتى النخاع بهذا الشرخ الداخلي الفلسطيني؟! ومن هي هذه الجهات؟! لولا إن بعض الظن إثم لقلت هي…
6- لماذا قامت هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة التي ارتكبت هذا العمل الجبان بتصويره؟! ثم ترويجه في مواقع التواصل العامة والخاصة؟! وماذا كانت ترجو من وراء ذلك؟! هل لأنها تعتبر عملها الجبان بطولة فلسطينية والعياذ بالله تعالى؟! أم لأنَّ الذي أوحى لها بارتكاب هذا العمل الجبان هو المعني بتصويره وترويجه؟! ولعل هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة تلقت مقابل ذلك ثمنًا مغريًا في حساباتها القبيحة؟!
هي أسئلة يتولد بعضها عن بعض، وقد نجهل جوابها اليوم، ولكن سيأتينا بالأخبار عنها من لم نزود غدًا أو بعد غد.
7- ولماذا سكت الراصد المخابراتي الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي عن هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة، وكلنا نعلم أن أجهزة الرصد المخابراتية لهذا الحلف الإسرائيلي الأمريكي الأوروبي، ترصد تحليق الطير ودبيب النمل واتجاه الريح بغزة؟! فلماذا تركت هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة أن تتجول على راحتها في شوارع دير-البلح إحدى مواقع الاشتباك الدائم بغزة؟! ولماذا تركتها -على راحتها- وهي تحمل أسلحة نارية مختلفة لولا أنها أيقنت أن هذه الأسلحة النارية موجهة إلى الصف الداخلي الفلسطيني وليس إلى خارجه؟!
8- ثم يأتي هذا العمل الجبان في وقت يشهد فيه القاصي والداني التفافًا شعبيًا عالميًا غير مسبوق حول القضية الفلسطينية إلى جانب التفاف رسمي حكومي من الكثير من حكومات شعوب الأرض على اختلاف أجناسها وألوانها ولغاتها!! فماذا تريد هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة من وراء هذا العمل الجبان؟!
هل تريد أن تنفّر كل هؤلاء الملتفين شعبيًا أو رسميًا حول القضية الفلسطينية بعامة وقضية غزة بخاصة، وهل تريد أن تقول لهم: راجعوا أنفسكم وراجعوا حساباتكم، فالقضية الفلسطينية بعامة وقضية غزة بخاصة لا تستحقان الالتفاف حولهما؟! أم أنَّ هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة التي قامت بهذا العمل الجبان هي مجموعة قاصرة في تفكيرها وفهمها ولا تقدر عواقب الأمور وفق رؤية واعية، فقامت بهذا العمل الجبان وهي لا تدري عواقب ما قامت به؟!؛ طبعًا أنا أستبعد ذلك، فهي مجموعة فلسطينية مسلحة قامت بذلك عن سبق إصرار وترصد وتخطيط!! مما يعيدنا إلى الأسئلة السابقة، ما هي هوية هذه المجموعة الفلسطينية المسلحة؟! ولماذا قامت بهذا العمل الجبان؟! ولماذا ولماذا وهناك ألف لماذا؟!
9- قد يقول قائل بلهجتنا الفلسطينية: طرح هذه الأسئلة (مش وقته الآن)!! وأنا أقول: بل هو وقته الآن، والآن الآن وليس غدًا!! لأن هذا العمل الجبان يتقاطع مع سؤال: ماذا بعد اليوم التالي بغزة؟! ولأن هذا العمل الجبان يتقاطع مع أصوات وأقلام المحرضين على غزة من بني جلدتنا وهم عدد شاذ نادر بحمد الله تعالى، ولأنَّ هذا العمل الجبان يتقاطع مع مخرجات من ضمن مخرجات مؤتمرات عربية قريبة!!؛ وقائمة (لأنّ) طويلة، ومنها ما لا يصلح أن يقال الآن، وستبديه قادمات الأيام لا محالة.
10- ولأن واجب الوقت بات يملي على الكل الفلسطيني إجراء فحص فوري في صفها الداخلي حتى لا ينفجر تصدع فلسطيني في الصف الداخلي الفلسطيني بسبب اختراق غير محمود قد يجر معاناة مؤذية لكل الشعب الفلسطيني، سيما وأنَّ الكل الفلسطيني يُجمع أن القضية الفلسطينية هي ملك للشعب الفلسطيني أولًا وأخيرًا، وليست ملكًا لأي فصيل فلسطيني بغض النظر عن اسمه وحجمه ودوره وتاريخه، وسيما وأنَّ الحال الداخلي الفلسطيني المربك الآن، يحتاج إلى ترتيب الأوراق الفلسطينية الداخلية أولًا!!
فهناك من يدعو الآن إلى ضرورة تحديد موعد لإجراء انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني، وهناك من يدعو إلى ضرورة انتخاب منظمة التحرير الفلسطينية مباشرة من كل الشعب الفلسطيني، وهناك من يدعو إلى ضرورة تقييم تجربة اتفاقية أوسلو واستخلاص العبر، ولكن قبل كل ذلك، فإنَّ المطلوب الآن هو وحدة الصف الفلسطينية التي تسعى لرفع الكرب الشديد عن غزة والضفة الغربية وإفشال كل محاولة اختراق للكل الفلسطيني -داخليًا- حتى لا يقود هذا الاختراق إلى ما لا تحمد عقباه.