عزمي بشارة ومهمات المؤسسة الإسرائيلية (2)
الدكتور محمود مصالحة - الباحث في الدراسات الإسلامية

هل انتهت المهمات التي قام بتنفيذها عزمي بشارة لصالح المؤسسة الإسرائيلية بعد انتقاله لخارج البلاد؟ أم انتقل لأداء مهمات أكبر في فضاء الشرق العربي والإسلامي الواسع.
د. عادل سمارة في كتابه المعنون “تحت خط 48 عزمي بشارة وتخريب دور (النخبة)” يقول: “إن بشارة يقوم بتنفيذ مهمات لصالح الحكومة الصهيونية عند زياراته لسوريا، عزمي بشارة كان يلتقي مع رئيس الوزراء إيهود باراك قبل كل زيارة لدمشق، وكذلك مع رئيس الموساد داني ياتوم، وقد تعَوَّد أن يقوم بتقديم تقارير لياتوم عند كل زيارة إلى سوريا”.
(المصدر السابق ذاته)، وبالطبع، لم ينكر ولم يؤيد بشارة هذه المزاعم، مع أنه كان بوسعه أن يقدم دعوى ضد من جاهر بفضح الدور الذي قام به، أو يعرض أدلة تُبرئه مما صرح به داني ياتوم.
ويقول د. سمارة: إن سكرتير الحكومة إسحاق هيرتسوغ صرح بأن كل زيارة يقوم بها بشارة إلى سوريا يتم اصدار أمر خاص غير رسمي من الحكومة لهذه الزيارة. ومن ثم محاكمته.
ولذا لم يُقدَم لمحاكمة ولم يجرّمَ… وفي المقابل في العام نفسه قرر رئيس المحكمة العليا أهرون براك، أن حصانة بشارة تمكنه من إلقاء خطابات سياسية، مهما كانت قوتها وقسوتها، وكتب براك في القرار: يمكن أن نرى في خطاب بشارة كدعم لتنظيم إرهابي، ولكن ليس فيه دعم للكفاح المسلح لمنظمة إرهابية”. (سمارة، عادل، تحت خط 48 عزمي بشارة، ص،20،21).
أما غير بشارة من كبار قادة الجماهير العربية، فتُحبك لهم قضايا، وتنصب لهم المحاكم، على شبهة كلمة تؤول على غير حقيقتها.
وبدوري كباحث لابد من الاستناد إلى أكثر من مصدر يعزز صحة ما قدم بشارة من خدمات للمؤسسة الإسرائيلية، ويجدر بنا أن نذكر أن عزمي بشارة قد انقلب على الحزب الشيوعي بعد أن أنهى دراسته في ألمانيا الشرقية، (المصدر السابق، بتصرف)، ثم اختطَّ طريقًا آخر بتبنيه أيديلوجية ذات النزعة الفكرية القومية العلمانية الإقصائية، وفي سياق الاطار البحثي الموضوعي، واستنادا إلى المصدر الثاني: وهو كتاب بعنوان (سلمان طويل، سيرة ذاتية)، وسلمان الإعلامي الذي برز في تغطيته لأحداث كبيرة، كمفاوضات السلام بين إسرائيل والأردن، ومقدم لبرنامج تلفزيوني بعنوان “الأسبوع في ساعة”، حيث طلب منه عزمي بشارة أن يستضيفه في برنامجه التلفزيوني الأسبوعي بعد عودته من سوريا، فوعده أنه سيكون أول الضيوف.
وفي الحوار التلفزيوني بدأ سلمان يوجه لعزمي بشارة أسئلة حول زيارته لسوريا، ويكشف له ما يعرف عن هذه الزيارة، وسأله فيما إذا كان ينوي تقديم تقرير لمكتب رئيس الوزراء، لم ينكر بشارة ذلك وأجاب بالإيجاب، وسأله سلمان عن السلطة الفلسطينية والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، وعن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وعن أقدم أسير فلسطيني في العالم، ولمَّا سأله لماذا لم تطرح هذه المواضيع مع المسؤولين السوريين، فبدا على عزمي علامات المفاجأة حتى الصدمة، وقال لسلمان: “أسئلتك أسئلة شباكية”، فأوقف سلمان المقابلة وأوقف التصوير، لأنه اعتبر ما قاله عزمي بشارة تهمة له ليس لها أساس من الصحة كما قال، وحينها دخل عزمي في حالة عصبية، وأخذ يصرخ ويضرب الطاولة، فقال له سلمان: “لا تدعني يا عزمي أكشف الآن على الملأ تاريخ عائلتك وتعاملها مع الحاكم العسكري لمنطقة الناصرة”، ثم هدده بإحضار أمن التلفزيون إذا لم يغادر الاستوديو (المصدر السابق ص176، بتصرف).
المصدر الثالث: تحدثت صحيفة معاريف عمن أسمته “بالمبعوث مع الخارطة”، أنه جرى ترتيب اجتماع في بيت خاص، ضم إيهود براك وداني ياتوم رئيس الموساد، وعزمي بشارة وشخص آخر لم يُكشف عن اسمه، وذلك الشخص هو من اقترح الاستفادة من خدمات عزمي بشارة في زياراته المتكررة لسوريا، وقال بن كسبيت في صحيفة معاريف: “وافق بشارة على تقديم خدماته بقوله لي – علاقات جيدة في دمشق- وفي ذلك الاجتماع أخرج ياتوم من حقيبته خريطة تظهر الترسيم الحدودي، يطلب ياتوم من خلالها أن يكون التنازل السوري عن 200 متر شمال شرقي بحيرة طبريا، وبذلك تنفرد إسرائيل بالبحيرة، الأمر الذي سيمكن الفوز في الاستفتاء الشعبي، مقابل ذلك تُعيد إسرائيل للسوريين الكثير من الأراضي في المنطقة المنزوعة السلاح فوق مستوطنة عين جيف، وهي منطقة من حدود 4 من حزيران عام 1967م قبل حرب67، (عميرة حنا، سنواتي في منظمة التحرير مع أبو عمار، ص135، بتصرف)، وأضاف كسبيت “سافر بشارة وأخذ معه الخارطة وأراها للرئيس السوري الأسد ونائبه فاروق الشرع وعاد برد سلبي”، وقال كسبيت: وفي ذلك الوقت قال موشي قصاب إننا وافقنا أن يذهب بشارة إلى دمشق، وكذلك جدعون ساعر على منصة الكنيست قال لبشارة: “إننا أرسلناك إلى هناك” (المصدر السابق ذاته، ص135).
هذه المصادر الثلاثة تكشف حقيقة الخدمات والأدوار التي قام بها عزمي بشارة للمؤسسة الإسرائيلية قبل مغادرته إلى قطر، إذن هو (مبعوث الموساد مع الخارطة)، ولكن السؤال الأكثر إلحاحًا والذي يردده الباحثون، هل انتهت مهمات بشارة في خدمة المؤسسة الإسرائيلية في الشرق العربي الإسلامي، وخدمة الأنظمة العربية القومية الاستبدادية كالنظام السوري البعثي الاجرامي، وغيره من الأنظمة، الجواب عند الكثير لم ينته، ومنهم من يجزم أن مهماته أخذت طابعًا على المستوى العربي والإسلامي، فإن الربط بين هذين المقالين، هذا المقال والمقال السابق بعنوان “عزمي بشارة ووهم من يبطلون الحقائق”، وكتبه (الدين والعلمانية في سياق تاريخي)، و(الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة)، يجد أن عزمي أنطون بشارة قد فتح معركة مع الإسلام، وإذا أجرينا مقارنة بينه وبين أحد طلائع مفكري القومية العربية، وهو جرجي زيدان العميل البريطاني في الحملة العسكرية لاحتلال السودان (جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي مؤسسة هنداوي، ص70)، سنجد أدوارهما متطابقة، وإنهما في خندق واحد يرمون الإسلام عن قوس واحدة.
جرجي زيدان أستاذ بشارة في عداوته للإسلام الشمولي، أما جرجي فهو من طلائع المفكرين القوميين العرب، وكذلك عزمي من المفكرين العرب المتأخرين، فلنتتبع أعمالهما وهي على النحو التالي:
أولا- جرجي زيدان عمل على تحريف وتزييف التاريخ الإسلامي في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي)، وكتابه (روايات تاريخ الإسلام)، الذي اختلق فيه وقائع تاريخية وحرّف وقائع أخرى، وألصقها بالتاريخ الإسلامي، وكذلك عزمي بشارة عمل على تحريف التاريخ الإسلامي ومحاربة الإسلام في كتابه (الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة).
ثانيا- ثبت أن جرجي زيدان كان عميلًا بريطانيًا في الحملة النيلية العسكرية لاحتلال السودان.
وكذلك عزمي بشارة ثبت أنه يعمل لخدمة الموساد الإسرائيلي، و(مبعوث الموساد مع الخارطة).
ثالثا- التقى جرجي في لندن مع عدد من المستشرقين، وتلقى عنهم التوجيهات في فن التزييف والتحريف الإستشراقي، ومن ذلك التحريف، طعنه بالإمام أبي حنيفة بقوله “إن أبا حنيفة لا يتقن اللغة العربية” ورد في كتابه (جرجي زيدان، تاريخ اللغة العربية، ج2/ ص117)، ولقد أبطلت مزاعمه في الكتاب الأخير الذي هو بعنوان (القومية العربية المستوردة انقلاب على الإسلام، محمود مصالحة، ص116)، الذي سيصدر قريبًا إن شاء الله.
وكذلك طعن عزمي بشارة في بيعة سقيفة بني ساعدة، حيث بايع الأنصار المهاجرون أبا بكر رضي الله عنه في السقيفة، وبشارة يلفِّق ويطعن بزعمه أن أبا بكر عُين قبليًا حيث قال: “ولا نعثر في واقعة السقيفة إلا تعليلات قبلية”، وطعن في عثمان رضي الله عنه، فقال: “أما الصراع ضد عثمان فيتعلق بالقرابة والمصالح السياسية”، (بشارة عزمي، الطائفة والطائفية ص184)، ولقد أبطلت هذه الافتراءات والمزاعم في كتاب (تفكيك نظرية د. عزمي بشارة، محمود مصالحة، ص88، وص92 -104).
رابعا- جرجي زيدان أعطى الاستعمار البريطاني شرعية احتلال الوطن العربي من خلال عمله عميلا مترجمًا للحملة النيلية العسكرية البريطانية على السودان.
وكذلك عزمي بشارة تجده أعطي شرعية للمستعمر البريطاني ابان احتلاله العراق في كتابه (الطائفة الطائفية والطوائف المتخيلة، المركز العربي، ص633)، مما يدلل على أن وطنيته مجروحة، ومهماته مفضوحة كالشمس لن تغطى بغربال، بعد هذه المصادر الثلاثة في هذا المقال، يتأكد للجميع أن مهمات عزمي بشارة كانت هي في خدمة المؤسسة الإسرائيلية ولم تنته.
خلاصة القول: إن كانت قد فُتحت لعزمي أبواب الموارد المالية الضخمة على مصراعيها، ليشن معركته الفكرية معتمدًا على التحريف والتزييف للتاريخ الإسلامي، ووصفه ورميه بالطائفية والطوائف من خلال طعنه في كبار قادة الأمة الإسلامية، وعلى رأسهم صديق الأمة أبو بكر ورجلها الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أعاد للأمة لحمتها والذي أجهز على الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية في الشرق العربي والإسلامي، والطعن بالصحابي الجليل عثمان رضي الله عنهما وبغيرها -ولكنني قد أبطلت مزاعمه برد علمي- لكنه وظفها في معركته التي تحمل بذور التشويه الفكري لرسالة الإسلام ونظامها الشمولي الذي يشمل نظام الحكم بقيم الحق العدل والرحمة والخيرية للبشرية، وبناء على ما تقدم لا نستبعد إطلاقًا أنّ لعزمي بشارة دور في إجهاض الربيع العربي، ووقوفه في وجه وحدة الأمة العربية والإسلامية، بل ومازال في أوج دوره، ما دام يُصب عليه المال صبا، حيث يطالع الناس بظهوره في حيز التخفي وراء المصطلحات الفلسفية خلف السطور في تضخيم أحداث تصب في صالح مشروعه العلماني، وتجده يقزِّم أحداث أخرى تخالف مشروعه إذا كانت في صالح المشروع الإسلامي النهضوي، وذلك لترميم فشل النظام القومي العربي المستورد، وببثه للثقافة العلمانية الغربية المستوردة، بهدف نشر هوية ثقافية (علمانية) لا دينية (عربية غريبة)، تصبُّ في معركة الهويات الثقافية على الساحة العربية والإسلامية، لإزاحة الهوية العربية الإسلامية واضعافها.
وزبدة القول يجب أن لا يستهان بخطورة دور عزمي بشارة، فهو ينفذ مشروع ما سبقه من طلائع المفكرين العرب، بطرس البستاني وجرجي زيدان ونجيب عازوري وأنطون سعادة وقسطنطين زريق ومشيل عفلق وغيرهم، عبر الفكر القومي ذي القابلية للأيديولوجية الاستعمارية الغربية، أولئك هم الذين غرسوا الفكر القومي الغربي المستورد في الشرق العربي الإسلامي بدعم من الارساليات التبشيرية منذ عام 1847م، وبه انقلبوا على النظام الإسلامي (القومية العربية المستوردة انقلاب على الإسلام، محمود مصالحة، ص40)، ثم يأتي بشارة ليُحشِّد في اصداراته ومناظراته الفكرية لمواجهة المشروع الإسلامي الشمولي من أجل إزاحته، ووقف مشروع وحدة الشعوب العربية والإسلامية ونهضتها، لمنعها من استعادة دورها القيادي والحضاري من جديد.