أخبار وتقاريرمقالاتومضات

غزة والحرب الممتدة: قراءة نقدية في كتاب البروفيسور أسعد غانم

ساهر غزاوي

قبل الشروع في كتابة هذه السطور حول كتاب البروفيسور أسعد غانم “غزة: مدخل إلى الحرب الممتدة”، توالت الأنباء العاجلة عن استئناف الجيش الإسرائيلي حربه على غزة في هجوم عنيف هو الأعنف منذ وقف إطلاق النار في كانون الثاني الماضي، حيث أسفرت الهجمات عن مئات القتلى والمصابين.

والمفارقة أن الطائرات الإسرائيلية التي استهدفت غزة وقت السحور كانت قد شنت غارة على درعا في سوريا وقت الفطور.

هذا الاستئناف لم يكن مفاجئًا بل كان متوقعًا، حيث تداخلت عوامل سياسية وعسكرية، أبرزها سعي نتنياهو لاستخدام التصعيد العسكري للبقاء السياسي، فضلًا عن تحمس اللواء إيال زامير، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، لاستئناف الحرب في سياق أهدافه العسكرية والسياسية، بما في ذلك التخطيط لمزيد من التصعيد ضد غزة وإيران في عام 2025.

ويحمل في طياته دلالات أبعد وأعمق، تعكس امتداد الحرب الإسرائيلية وارتباطها بديناميات إقليمية أوسع.

يسعى أسعد غانم في كتابه “غزة: مدخل إلى الحرب الممتدة” إلى تقديم مفهوم “الحرب الممتدة”، موضحًا أن ما نشهده منذ السابع من أكتوبر 2023، وارتباطًا بالسياق الذي سبقه، ليس مجرد جولة عابرة من الصراع، بل حرب مرشحة للاستمرار لسنوات طويلة. ويؤكد غانم أن هذه الحرب لن تنتهي عمليًا إلا عبر تسوية أو صفقة تاريخية تختلف جذريًا عن الوضع القائم، بحيث تؤدي إلى تغيير جوهري في طبيعة العلاقة بين الشعبين في فلسطين، سواء من خلال “حل الدولتين” أو “حل الدولة الواحدة”.

ورغم ذلك، يرى غانم أن هذه السيناريوهات، رغم أنها قد تُطرح كخيارات نظرية، ليست قابلة للتنفيذ في المدى المنظور، أي خلال السنوات القليلة القادمة. ونتيجة لذلك، فإن حالة الحرب الحالية ليست مجرد أزمة مؤقتة، بل وضع مرشح للاستمرار لسنوات، وربما حتى لعقود، ما يجعل من “الحرب الممتدة” مفهومًا أساسيًا لفهم طبيعة الصراع في المرحلة القادمة.

في هذا السياق، يسعى البروفيسور أسعد غانم في كتابه للإجابة عن سؤال جوهري: هل يوجد حل للقضية الفلسطينية في ظل الحرب الممتدة؟ ويؤكد أن حرب غزة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي من خلال حضورها المكثف في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وكذلك من خلال تفاعل الشارع، والمؤسسات الرسمية، والمنظمات الدولية.

ومع ذلك، يرى غانم أن أي قراءة واقعية للمشهد السياسي تفيد بأن احتمال دخول إسرائيل في مفاوضات جدّية تؤدي إلى “حل الدولتين” يكاد يكون معدومًا، بل إن التفكير في هذا السيناريو بات أقرب إلى الأمنيات منه إلى التحليل السياسي الواقعي. فاليوم، يبدو أي حل سياسي قائم على المصالحة أكثر بُعدًا من أي وقت مضى، مما يجعل فكرة التسوية السلمية أبعد حتى مما كانت عليه في أي مرحلة تاريخية سابقة.

ورغم إدراك غانم لغياب الحلول السياسية والمصالحة القريبة بين الشعبين، فإنه يرى أن حل الدولة الواحدة ثنائية القومية هو الخيار الوحيد، حتى وإن كان بعيد المدى. ويعتبر أن هذا الحل يتطلب مسارًا طويل الأمد لإزالة الاستعمار الكولونيالي والفصل العنصري في فلسطين. تقوم فكرة الدولة ثنائية القومية على تأسيس دولة واحدة يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون معًا، مع حقوق متساوية، بدلًا من التقسيم الذي يقترحه “حل الدولتين”. وتستند هذه الفكرة إلى تقاسم السلطة والاعتراف بالهويتين القوميتين، مما يتيح للدولة أن تعكس التعددية القومية والثقافية الموجودة على الأرض.

هنا أسمح لنفسي بتقديم نقاش نقدي لطرح البروفيسور غانم، وأرى أن “الحل الوحيد” الذي يقترحه يظل في جوهره حلًا مستحيلًا، إذ يواجه تحديات سياسية ضخمة في ظل التوزيع الحالي للقوة على الأرض.

ورغم تزايد النقاشات حوله، فإن هذا الحل يبقى بعيد المنال. في الحقيقة، هذا الحل يعني بشكل مباشر نهاية للمشروع الصهيوني، الذي يقوم على فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين، دولة ذات طابع قومي يهودي يُفترض أن تكون أغلبية سكانها من اليهود، ما يهدد وجود إسرائيل كدولة يهودية إذا تم تنفيذ حل الدولة ثنائية القومية.

بالنسبة للكثير من الإسرائيليين، يشكل هذا الحل تهديدًا وجوديًا للمشروع الصهيوني، مما يجعل هذه الفكرة أقرب إلى الأمنيات منها إلى التحليل السياسي الواقعي.

علاوة على ذلك، يُعد المشروع الصهيوني جزءًا من المشروع الاستعماري الغربي، وهو تطبيق فعلي للنظام الاستعماري الغربي. فهل من الممكن أن يتنازل النظام الاستعماري الغربي عن هذا المشروع؟

في النهاية، لا يمكننا أن نوفي كتاب “غزة: مدخل إلى الحرب الممتدة” للبروفيسور أسعد غانم حقه من قراءة ومناقشة نقدية، فهو كتاب غني بالأفكار والتحليلات التي تسهم في فهم السياق الذي أوصلنا إلى هذه الحرب المستمرة.

ولقد انتهى غانم من تأليف الكتاب في السابع من أكتوبر 2024، بعد مرور عام كامل على الحرب الإسرائيلية على غزة. ويقدم الكتاب رؤى بديلة لحل الصراع، بالإضافة إلى تحليلات وقراءات أساسية لفهم السياق السياسي والاجتماعي الذي أفضى إلى هذه الحرب الطويلة، مع جهد كبير في توثيق سنة كاملة من الحرب وتداعياتها وتفاعلاتها على المستوى الفلسطيني والإقليمي والدولي.

يحتوي الكتاب على مقدمة وسبعة فصول تتناول الحرب على غزة في سياقها الاستعماري، مرورًا بالصعود اليمين الإسرائيلي وهيمنته وتداعياته على السياسة الإسرائيلية، كما يركز على تفتت الحركة الوطنية الفلسطينية ومركزية حماس في الصراع مع إسرائيل.

ويعرض غانم كيف تستخدم إسرائيل مزيدًا من العنف لتحقيق أهدافها، ثم يستعرض تداعيات الحرب على الفلسطينيين، ويتناول التداعيات الإقليمية والدولية، ليختتم الكتاب بنقاش حول استمرار الحرب واحتمالية استمرارها لفترة طويلة، مما يفتح المجال لمواجهة الحالة الإسرائيلية عبر المبادرات الفلسطينية والعربية والدولية.

وختامًا، أُثمّن للبروفيسور أسعد غانم هذا الإنجاز العلمي المتميز، وأعبر عن خالص امتناني له على إهدائي نسخة إلكترونية من الكتاب، في ظل عدم توفر نسخ ورقية نظرًا لطباعة الكتاب خارج البلاد، مما حال دون الحصول على نسخة مطبوعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى