أخبار وتقاريرمقالاتومضات

تعلّموا الذّل والتطبيع ولم يتعلموا من تلاميذ غزة

الإعلامي أحمد حازم

بعد الانتفاضة الأولى عام 1987، كتب الشاعر نزار قباني السوري الجنسية والعروبي المبدأ، قصيدة فلسطينية المضمون بعنوان: “يا تلاميذ غزة علمونا”. وبالرغم من مرور 38 عاما على كتابتها الّا انها تنطبق على الوضع الحالي في غزة، وكأني بالراحل نزار قد استبق الحدث وتنبّأ بما سيحدث في غزة.

يقول نزار في مطلع القصيدة:

يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالا فلدينا الرجال صاروا عجينا

عندما خلق الله سبحانه وتعالى المخلوقات ميّز الانسان عليها بالعقل الذي وهبه له للتفكير بما هو جيد وسيء وما هو حلال وحرام وما المسموح وما الممنوع وأين تكمن الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها. لكن ما يحدث في بعض الأنظمة العربية أنهم تجاوز كل هذه الأمور إذ حلّلوا الحرام والممنوع و “نطّوا” عن كل خط أحمر.

في منتصف شهر رمضان أقامت سفارة الإمارات في إسرائيل إفطارًا “شهيا” شمل مما هب ودب، وهو إفطار أوصي القيّمون عليه بأن يكون مميزًا يتناسب مع قيمة التطبيع بين “الدولتين الشقيقتين” اللتين شهدتا في العام 2020 تطبيعا كاملًا بأمر من ترامب الأول أي في عهد رئاسة ترامب الأولى.

وأقول “كاملا” لأنّ الامارات كانت لها علاقات سابقة. ويخطئ من يظن ان عملية التطبيع قبل حمس سنوات كانت الأولى. فالمعلومات المتوفرة تقول إن العلاقات بين إسرائيل والإمارات تعود إلى الأيام الأولى من اتفاقية أوسلو عام 1993 حيث كان الدبلوماسيون الإسرائيليون والإماراتيون في واشنطن على اتصال مع بعضهم البعض في التسعينيات. وقد افتُتح أول مرفق دبلوماسي بين البلدين في عام 2015، عندما فتحت إسرائيل بعثة دبلوماسية رسمية في أبو ظبي لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

الإفطار الرمضاني في سفارة الامارات في تل أبيب التي كان القذافي يسميها تل الربيع، جمع موفدين من كل الأطياف التي ترى في التطبيع خطوة مقبولة. ومن الطبيعي أن يكون لـ “عرب إسرائيل” حضور في هذا الإفطار. فمنهم، كما ظهر في الصور من أتى بزي فلسطيني ومنهم من أتى بـ “كرش” عربي ليكون شاهدا على إفطار إماراتي باهظ التكاليف في وقت تعاني فيه غزة من الجوع.

رئيس الكنيست أمير أوحانا ومستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي، كانا الوجهين اللامعين “يهوديا”. أما الوجه السياسي “العربي الاسرائيلي” فلا بد أن يكون أحد المغردين خارج السرب. ومن سيكون غير عضو الكنيست منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة الموجٍّه الرئيس للبوصلة السياسية للجناح الجنوبي للحركة الإسلامية والذي غرّد خارج سرب القائمة المشتركة.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان ضروريًا إقامة هذا الإفطار في وقت يموت فيه أهل غزة جوعًا؟ ألم يكن من الأفضل (أخلاقيا) لو تم التبرع بتكاليف الإفطار لأطفال غزة إذا كانت غزة تعني شيئًا ما لأصحاب الإفطار؟ أليس من الأفضل دينيا وأخلاقيا إشباع المحتاجين في غزة لا سيما في هذا الشهر المبارك بدلًا من تعبئة كروش الحاضرين؟

ويبدو أن العلاقة بين إسرائيل والامارات هي أقوى وأكبر مما يتصوره أي محلل سياسي. اسمعوا ما قاله سفير إسرائيل في الامارات يوسي شيللي، خلال مشاركته في الإفطار الرمضاني الذي أقامه وزير الدولة لشؤون الشباب سلطان النيادي: “كانت مبادرة إفطار القيم الإماراتية أول تجربة إفطار لي في الإمارات، وقد تشرفت بالاحتفاء بروح المجتمع والتسامح والعطاء على الطريقة الإماراتية”. يا سلام يا يوسي على كلامك الحلو. شيء جميل أن تتعرف على قيم الامارات من خلال “الهام هام…تعبئة الكروش”.

أمّا سفيرة إسرائيل في بريطانيا تسيبي هوتوفلي، فقد ضخت المديح والإطراء في أذني زميلها السفير الإماراتي في لندن منصور عبد الله أبو الهول بقولها خلال الافطار الرمضاني الذي أقامه أبو الهول: “سعدتُ للغاية مشاركة هذه اللحظة المميزة من الوحدة الروحية الإبراهيمية، وكانت تذكيرا قويا بالشراكة المتينة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة”. ما شاء الله على هيك “ابراهيمية”.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فعلينا القول إن النائب البريطاني المستقل جون ماكدونيل، كان قد طالب في السابع من شهر يناير/كانون الثاني هذا العام بطرد سفيرة إسرائيل من بريطانيا بقوله: “ما يزعجني بشكل خاص أن لدينا سفيرة إسرائيلية (هوتوفلي) تدافع عن إسرائيل الكبرى وترفض الاعتراف بدولة فلسطين، وتعارض جميع قرارات الأمم المتحدة المعتمدة حول كيفية تحقيق السلام والأمن، ولا تزال موجودة في بلدنا. لماذا لا نقوم بطرد السفيرة الإسرائيلية؟”.

هم “أولاد العم” يجيدون فن الدبلوماسية، وهم “الإخوة العرب” بارعون في النفاق والكذب ولم يتعلموا من أطفال غزة مصرين على البقاء “رجالًا عجينا” كما قال قباني. صومًا مقبولًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى