عزمي بشارة ووهم من يبطلون الحقائق

د. محمود مصالحة- باحث في الدراسات الإسلامية
“السفسطائيون ثلاثة أصناف: صنف ينفي الحقائق، وصنف يشكك فيها، وصنف هي حق عند من عنده حق، وباطل من عنده باطل” (الفصل في الملل والنحل لابن حزم الاندلسي).
وأجابت عن ذلك الثورة السورة في حركتها السريعة الموفقة، وغير المتوقعة التي فاجأت العالم بإسقاطها نظام الطاغي بشار الأسد البعثي الاشتراكي، وكذلك أجابت الثورة السورية على وهم من يبطلون الحقائق، وسقطت مع نظام البعثي القومي الاشتراكي ماكناته الإعلامية، بما فيها قنوات الخداع الإعلامية العلمانية لعزمي بشارة. وفي كشفٍ أجرته قنوات ومنصات إعلامية متتبعة لحوارات عزمي بشارة وتحليلاته (youtube، قناة شرارة، لماذا توشحت، 7/3/205).
حيث بينت بالصوت والصورة كيف بدأ عزمي بشارة ينزع عن حزب البعث السوري صبغته الطائفية، الذي استجلب الجماعات الطائفية الشيعية من لبنان وايران والعراق وغيرها، وعلى قناته العربي قال بشارة: “إنه كان وما زال من المؤيدين لحزب البعث، وحزب البعث ما كان طائفيا” (المصدر السابق)، ولكن تصريحات نصر الله مسؤول حزب الله تؤكد ما نفاه بشارة بأن حزب البعث السوري كان طائفيًا، وحزب الله كان شريكًا له في قتل السوريين، وظهر نصرالله وهو يتبجح وبفخر عن هدم حزبه لبنايات السوريين وتدمير مدنهم، نشرت قنوات إعلامية عديدة تصريحاته، حيث شارك حزبه في حربه الطائفية على الشعب السوري بقوله: “نحن دخلنا على الخط بشكل معين، والاخوة في إيران دخلوا على الخط، والاخوة في العراق، وفئة أخرى لاحقًا، فاطميون وزينبيون”. (المصدر السابق)، ورفعوا يافطات كُتب عليها يا حسين، تفضح تزييف بشارة للحقائق في دفاعه وتبرئته لنظام حزب البعث القومي الاشتراكي السوري من القتل الطائفي على الهوية.
والعجيب أنَّ بشارة “وصف الفرق الإيرانية الاثنا عشرية، والفاطمية الإسماعيلية، والعلوية النصيرية بالفرق الطائفية في كتابه (الطائفة الطائفية والطوائف المتخيلة)، الذي حاول من خلاله تزييف تاريخ الحضارة الإسلامية، وبناء نظرية استخباراتية تستخدمها الأنظمة في معركتها مع أصحاب المشروع الإسلام الوسطي النهضوي” (تفكيك نظرية د. عزمي بشارة، الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة، د. محمود مصالحة)، ثم يظهر على قنواته الفضائية ليبرئ من يبرئ متى شاء وكيفما يشاء هذه الفرق من الطائفية، وهل يحسب أن الذاكرة باتت مغيبة!!
وقد وصف عزمي بشارة نصر الله قاتل ومُهجر السوريين في شبكته الإعلامية التي تدعي المهنية بالشهيد، فجعل للقاتل مكانة أخلاقية، ووصف إدارة العمليات بالقتلة (youtube، قناة شرارة، لماذا توشحت، 7/3/205).
وكذلك وصف أحمد الشرع وقيادة الثورة في ادلب قبل اسقاط نظام بشار البعثي المجرم، بأنه خطر، فقال “الأمر الذي أريد أن أقوله للمعارضين في سوريا أنه في خطر وجود كيان سياسي في ادلب”، فهو يحذر نظام بشار من خطورة وجود نظام ثوري في ادلب (المصدر السابق).
وفي محاولة تزييف للحقيقة نسب الثورة السورية لحزب البعث بأنها ثورة قواعد حزب البعث على قواعد حزب البعث، فقال “إن من ثار على قواعد حزب البعث هم قواعد حزب البعث، هم الفلاحون في حوران وإدلب وحمص، وهي ليست ثورة إسلامية” (المصدر السابق).
والمتتبع لتحليلات عزمي بشارة عبر قنواته، فإنه يختزل المشكلة السورية في فصائل الثورة، وليس في استبداد نظام البعث الذي أوغل في الدم السوري، دون أن يتحدث عن المليشيات الطائفية وما ارتكبته من جرائم شهدها العالم عبر الفضائيات وقنوات التواصل الاجتماعي، فقال “الثورة لم تنتصر وانتقلت إلى أشكال وتقسمت وتوزعت وتعددت الفصائل، والعجيب الذي لم يُعرف في أي حالة يذكرها التاريخ، وتفتت المعارضة، وتفكك المجتمع السوري، ونصفه هُجر بأشكال مختلفة، خارجيا وداخليا” (المصدر السابق)، وأصبح يسوق لرموز النظام البعث السوري المخلوع عبر قناة العربي، في عملية احياء لحزب العربي القومي البعثي الاشتراكي.
ولكن كل هذا الضخ الإعلامي لم يستطع الصمود، أمام وعي وإرادة السوريين الذين بنشاطهم الإعلامي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استطاعوا أن يفضحوا تلك الممارسات الإعلامية لقنوات عزمي بشارة باستغلال حال البلد، فتارة يضخِّمون الأزمات الاقتصادية، وتارة يضخمون الأحداث الأمنية، وتارة يشككون في قدرة حكومة أحمد الشرع، فيقزمون وعيها السياسي، وتارة يركزون على اسقاط هيبة الدولة بالتركيز على الانتهاكات الإسرائيلية (المصدر السابق). وأخيرًا ضخَّموا ثورة فلول النظام بشكل كبير في مدن الساحل على حكومة سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع، حاول فلول النظام المخلوع فصل الساحل السوري عن الدولة، ويهدف هذا التضخيم الإعلامي لقنوات بشارة نشر حالة من الفوضى لتشجيع فئات متربصة على التمرد، وكذلك خلق شعور احباط لدى السوريين، وللبث أنه لابد من البحث عن حلول أخرى.
ولكن احمد الشرع في خطابه بعد أن تم القضاء على ثورة فلول النظام المخلوع الأخيرة، رد على عزمي بشارة وأتباعه، حيث قال: “لا ينبغي استيراد أنظمة لا تتلاءم وحال البلد، ويجب الابتعاد عن تحويل البلد لحقول تجارب لتنفيذ أحلام سياسية لا تناسب”. (المصدر السابق).
إنّ عقدة عزمي بشارة اليوم تكمن في فشل تحليلاته، وفشل تنبؤات مراكزه الدراسية للأحداث، فبحوثه غالبًا لا تطابق الواقع، ولكن تكمن الخطورة في قنوات عزمي بشارة، في شرائه قناة اليوتيوب للنشطاء السوريين، وشراء سوريا استريم، التي حولها قناة تابعة له، والقناة الثانية لتلفزيون سوريا (المصدر السابق)، كلها تحاول كي الوعي لدى السوريين، واستيراد تجربة لنظام قومي علماني جديد، أو من جعبة المفكر العربي عزمي بشارة واسقاطها على الشعب السوري، ولكن يبدو أن قطار الحقيقة قد كشف حقيقة من هو عزمي بشارة رغم من أمده بالموارد المالية الضخمة، ومن وقف معه في إنشاء شبكته الإعلامية، ولكن سفسطته الفكرية عبر قنواته الفضائية المنبثقة من استراتيجية التخفي لمسايرة الواقع، لم تعد تنطلي لا على الشعب السوري، ولا على البسطاء في الشرق العربي والإسلامي، فهو يتكلم بذاته لذاته ولأتباعه، بعد أن صُدموا بفشل تنبؤ مراكز دراساته، بنجاح الثورة السورية كما صدم أباهم الروحي عزمي بشارة.