قمة العرب.. نفاق وتملق واسترضاء لأمريكا

الإعلامي أحمد حازم
دول الجامعة العربية والتي يبلغ عددها 24 دولة، اجتمعت في الرابع من هذا الشهر في القاهرة لبحث مصير غزة حاليًا ومستقبلًا. لكن قادة هذه الدول لم يشاركوا كلهم في لقاء القمة، حيث تغيب قادة سبع دول مهمة، وأرسلوا موفدين عنهم. هذا الأمر ليس بجديد على هذه الجامعة، فمنذ 79 سنة على تأسيها عام 1946عقد قادة دول الجامعة العربية 54 قمة عربية تتمحور حول القضية الفلسطينية، منها 13 قمة طارئة، ولم يشارك كل القادة شخصيا فيها باستثناء الدورة الأولى. كل البيانات الختامية لهذه القمم لم تتجاوز الادانات والاستنكار، وكان من الأفضل لو أطلقوا على اجتماعاتهم “قمم الادانات”.
يأتي انعقاد قمة القاهرة في ظرف شديد الحساسية لاتخاذ موقف من خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، ولذلك من المفترض أخلاقيا وسياسيا -نظرًا لخطورة وأهمية الحدث- أن يشارك كافة القادة العرب، لكن قمة القاهرة شهدت غياب: العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير بن سلمان، علمًا بأن السعودية تلعب دورًا مهما في السياسة الشرق أوسطية وبالتحديد القضية الفلسطينية، أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، الرئيس التونسي قيس سعيد، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، العاهل المغربي محمد السادس.
المتغيبون عن قمة القاهرة لم يقدموا أي تبرير لغيابهم باستثناء الرئيس الجزائري. وكالة الأنباء الجزائرية ذكرت أنَّ قرار الرئيس عبد المجيد تبون، عدم المشاركة شخصيا في القمة العربية الطارئة في القاهرة يأتي “على خلفية الاختلافات والنقائص التي شابت المسار التحضيري لهذه القمة، حيث تم احتكار هذا المسار من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية التي استأثرت وحدها بإعداد مخرجات القمة، دون أدنى تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية”.
تبرير الرئيس الجزائري واضح ومفهوم. كان في منتهى الصراحة عندما تحدث بصدق عن غيابه ولم يقل إنَّ غيابه لأسباب صحية. قالها صراحة إن البيان الختامي تمت صياغته بين قادة معينين ولم يتم التشاور حوله مع جميع المشاركين. أليست هذه فضيحة الفضائح؟
تصوروا أن اجتماعا حاسمًا بهذا الشكل لدول الجامعة العربية لتقرير مصير شعب لم يستغرق من 24 دولة عربية سوى ساعات قليلة، وكأنهم شاركوا لرفع العتب فقط: أعمال الجلسة الافتتاحية بدأت في الرابعة والنصف، وبعد مأدبة الإفطار الرمضاني المقامة على شرف الوفود المشاركة، تمَّ عقد جلسة مغلقة، ثم جلسة ختامية وانتهت أعمال القمة في الثامنة والنصف مساء، بإعلان البيان الختامي. ما يعني أنّ قمة القاهرة لم تستغرق سوى أربع ساعات بما فيها الإفطار الرمضاني. فأية قمة هذه؟ أليس هذا نوع من الاستخفاف بالموضوع الذي اجتمعوا من أجله؟
ولماذا الاستغراب؟ فقبل 11 يوما من هذه القمة الطارئة، عقدت القمة العربية المصغرة في الرياض برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، شاركت فيها دول الخليج (باستثناء سلطنة عمان) ومصر والأردن.
المضحك في الأمر أن اجتماع هذه القمة لم يستغرق سوى ساعتين بدون بيان رسمي. حتى أن هذا الاجتماع لم يكن رسميا، ووصفه التلفزيون السعودي الرسمي بـ “لقاء أخوي غير رسمي”.
المهزلة أن مضيف هذه القمة محمد بن سلمان لم يشارك في قمة القاهرة. ولا أستبعد مطلقا أن يكون المجتمعون في الرياض قد رتبوا البيان الختامي مسبقا لقمة القاهرة.
السبب الذي اجتمع من أجله العرب في القاهرة هو قرار ترامب تهجير فلسطينيي غزة، لتوحيد الصف العربي لمواجهة القرار الأمريكي. اسمعوا ما جاء في البند الثاني للبيان الختامي للقمة العربية الطارئة في القاهرة: “تكثيف التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة”. فكيف يمكن تكثيف تعاون مع دولة تعمل على تهجير أهل غزة؟
فمتى كانت أمريكا تعمل على تحقيق سلام في المنطقة وهي التي زودت إسرائيل بآلاف الأطنان من القنابل والأسلحة في حربها على غزة. أليس ذلك فضيحة؟ ألا يستحون من إدراج هذا البند الذي يعتبر وصمة عار عليهم.
الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي أعدمته إيران بسبب قصيدته المشهورة “نحن شعب لا يستحي” كان عليه أن ينظم قصيدة بنفس القوة بعنوان “أنظمة وقحة لا تستحي”.