قمّتان عربيتان مصغرة وطارئة لمواجهة مؤامرة تهجير أهل غزة.. ماذا بعد؟

الإعلامي أحمد حازم
لا يزال اقتراح الرئيس الأمريكي ترامب تهجير أهالي غزة إلى الأردن ومصر الموضوع الرئيس في وسائل الاعلام العربية والأجنبية، ولا يزال هذا الموضوع يلاقي رفضا فلسطينيا وعربيا ودوليا بما في ذلك الاتحاد الأوربي.
حتى بريطانيا التي تعتبر ذيل أمريكا في سياساتها وقراراتها عارضت القرار، ليس لأنها تعارض التهجير من ناحية مبدئية، ولكن لأنَّ بريطانيا بموقفها هذا تريد توجيه رسالة إلى ترامب بشأن قراره الأخير ضد الرئيس الأوكراني زيلينسكي، ولذلك جاء قرار بريطانيا كرد عليه. يعني موقف مقابل موقف. وهل يمكن أن نصدق أنَّ بريطانيا التي عملت على تهجير شعب بأكمله من فلسطين عام 1948تعارض فعليًا قرار تهجير أهالي غزة؟
قمّتان عربيان الأولى أسموها (مصغرة) انعقدت في الحادي والعشرين من الشهر الحالي في الرياض، والثانية أطلقوا عليها (طارئة) ستعقد في الرابع من الشهر المقبل أي في شهر رمضان المبارك في القاهرة.
لكن قبل انعقاد القمتين سمعنا تصريحات أمريكية وإسرائيلية متضاربة. ترامب أعلن عن خطته لتهجير فلسطينيي غزة وبعدها تراجع وقال إنّه لا يريد فرض خطّته في غزّة. قبل تراجع ترامب، صرَّح مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بأنّ “الخطّة لا تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، بل إلى تحسين أوضاعهم، وفتح أبواب الحلول”.
حكومة نتنياهو قالت إنّ الجيش الإسرائيلي يحضّر لإنشاء وحدة متخصّصة في تنظيم الهجرة الطوعية، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش قال إنّ تهجير الفلسطينيين سيبدأ في الأسابيع المقبلة. إذًا نحن أمام تصريحات متناقضة. ليس مهما ما قالوه وما سيقولونه، لأن الأهم هو ما يريده أهالي غزة الذين يرفضون التهجير ويتمسكون ببقائهم في أرضهم الفلسطينية. هم لهم “الريفييرا” وغزة لها أصحابها.
لنعد الى القمتين. قال لنا العرب إنَّ القمة العربية المصغرة التي جمعت قادة الأردن ومصر مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء سلطنة عملن) انعقدت في العاصمة السعودية، لمناقشة خطة إعادة إعمار غزة بمعنى طرح بديل لمقترح ترامب، القاضي ببسط السيطرة الأميركية على قطاع غزة لإعادة بنائه وتطويره، بعد تهجير سكانه إلى دول الجوار. وماذا نجم عن هذه القمة؟ رسميًا لا شيء حتى أن المجتمعين الذين لم يستغرق اجتماعهم سوى ساعات قليلة لم يكلفوا أنفسهم بإصدار بيان رسمي بشأن الاجتماع.
حتى الإعلام السعودي لم يتحدث عن جدول أعمال هذه القمة (المهزلة) لدرجة أن قناة الإخبارية السعودية الحكومية نشرت فقط صورة عن للمشاركين في القمة دون أن تحدد مكانها أو جدول أعمالها وهذا ليس مستغربا.
السعودية قالت إنَّ “اللقاء أخوي غير رسمي” وهذا يعني بالمفهوم السياسي حول القمة المصغرة خفض تام لسقف التوقعات. تصوروا ان قمة تعقد لمعالجة قضية مصيرية يصفون اجتماعها بأنه غير رسمي.
ولكن لماذا لم يصدر المجتمعون بيانًا رسميًا حول لقائهم المتواضع؟ إعلامي لبناني صديق وثيق الصلة بمقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكد لي خلال مكالمة هاتفية معه، ان خلافات ظهرت بين المجتمعين تتعلق بأمرين: أولهما تمويل إعادة بناء غزة وثانيهما من سيحكم غزة.
القاهرة ستستضيف قمة عربية طارئة في الرابع من الشهر القادم بشأن التطورات في غزة والضفة الغربية، وكما قيل من أجل “صياغة موقف عربي متماسك وصلب وقوي بشأن القضية الفلسطينية بشكل عام، وتقديم طرح عربي عام يقابل هذا الطرح الأميركي”. المجتمعون سيناقشون خطة المساهمة بمبلغ 20 مليار دولار، لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب.
والسؤال المطروح: هل سيتمكن المجتمعون من الموافقة على توفير هذا المبلغ وهل ستكون هناك نتائج إيجابية وما مدى نجاعة الخطط التي سيقترحها المجتمعون، وتبعاتها المالية وأبعادها السياسية.
هناك نقطة مهمة أخرى وهي غياب أهالي غزّة عن النّقاش في مصيرهم. هذه النقطة وللأسف لم يتطرق اليها الاعلام العربي، بل الاعلام الغربي. مجلّة “فورين أفيرز” وفي مقال لها بعنوان: “ما الذي يريده سكّان غزّة. أضعفت الحرب الوحشية الدعم لحماس، لكنّها جعلت السلام مع إسرائيل أكثر صعوبة”، تحدثت فيه عن “الغياب الغريب لسكّان غزة”” وعن تقرير مصيرهم، ولا سيما طرح دونالد ترامب “الاستيلاء الأميركي على غزة… والنقل الدائم لسكّانها”. وجاء في مقال المجلة: “ما يزال شعب غزة يحتفظ بقيم أساسية قويّة تتّصل بهويّته الفلسطينية والدينية وتعلّقه بالأرض، وهي قيم يعتزم التمسّك بها، حتى لو كان القيام بذلك يتطلّب تضحية شخصية كبيرة”.