أخبار وتقاريرمقالاتومضات

المنتصر والمهزوم في الحرب على غزة.. والتاريخ يشهد

الإعلامي أحمد حازم

قبل الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل على قط\ع غزة منذ السابع من أكتوبر عام 2023 تعرض القطاع منذ إعلان إسرائيل انسحابها منه عام 2005 الى سبعة حروب تحت مسميات مختلفة: “أمطار الصيف 2006″، “الرصاص المصبوب2008-2008″، “عمودالسحاب2012″، “الجرف الصامد 2014″، “صيحة الفجر2019” وهي تسمية غزية، “حارس الأسوار 2021″ و”الفجر الصادق 2022”. وخمسة من هذه الحروب شنها نتنياهو.

بعد الاتفاق الأخير الذي تم التوصل اليه بين غزة وإسرائيل منتصف شهر يناير/ كانون ثاني لوقف الحرب وتبادل الأسرى، يتساءل كثيرون ان كان ذلك على صعيد لقاءات شخصية أو في نقاشات جماعية بين فئات سياسية مختلفة: من انتصر ومن انهزم في الحرب على غزة؟ وهل أن مفهوم النصر يتجسد في التدمير والقتل فقط؟

إسرائيل في حربها الحالية على قطاع غزة طوال 15 شهرًا دمَّرت 92 بالمائة من مدينة غزة وجعلت مدنا أخرى في القطاع ركاما، وقتلت وجرحت حوالي 160 ألف غزي. ولكن هل هذه هي صورة النصر الحقيقية التي أرادتها إسرائيل؟ نتنياهو حدد هدفين رئيسيين للحرب: استرجاع الأسرى، والقضاء على حماس. فهل تحقق ذلك من خلال الحرب؟ علمًا بأن إسرائيل ليست وحدها في حربها غير المتكافئة على غزة، لأن أمريكا تدعمها عسكريا وماديا ومعنويا وسياسيا إضافة إلى دعم دول أوروبية أخرى.

في كتابه الشهير “في الحرب On War” يعرف المنظّرُ العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز Carl von Clausewitz الحرب أنّها “عمل من أعمال القوّة لإجبار العدوّ على الخضوع لإرادتك”. وهذا يعني أن النصر هو استسلام العدو وخضوعه للمنتصر كليا. فهل ينطبق هذا على إسرائيل وحماس؟

أمّا عالم السياسة الأمريكي كولن غراي Colin Gray أحد أبرز الاستراتيجيّين الأميركيين، (توفّي عام 2020)، فيقول عن مقولة النصر الحاسم أو The Decisive Victory، “إن النصر الحاسم ليس بقابل للانطباق دائمًا على أرض الواقع في الأزمان الحديثة”. وانطلاقًا مما تقدم، وبعد471 يومًا من الحرب الإسرائيلية الأمريكية الغربية على غزة، هل يمكن القول إنّ إسرائيل انتصرت على حركة حماس بالمفهوم العام؟ لقد ذكرت في المقال أن بين الأهداف الرسمية لحرب إسرائيل على غزة القضاء عسكريًا على حركة حماس، ومنعها من حكم القطاع سياسيًا وإداريًّا، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين في غزة، علاوة على أهداف أخرى وهي أهداف أبعد مدى ممّا هو معلن، لكنها فشلت في تحقيق ذلك عسكريًا.

كبير الخبراء الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط، أنتوني كوردسمان Anthony Cordesman يقول في مقال له بعنوان: “لماذا لن تنتهي الحرب؟”، وقد نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في الثاني من شهر نوفمبر العام الماضي: “إن إسرائيل في أحسن الأحوال، يمكن ان تستخدم القوّة لاحتلال غزة والسيطرة عليها، لكن لن يقبلها سكّان غزة أبدًا، وتصرّفات إسرائيل زادت بشكل حادّ من العداء الغزّي والفلسطيني والعربي لها، وقوّضت التعاطف والدعم الدوليَّين اللذين اكتسبتهما بعد السابع من أكتوبر”. حركة حماس استطاعت تحقيق نجاح استراتيجي وسياسي وان خسرت عسكريا. فقد أتبتت على صمودها في الميدان ولفتت أنظار العالم مجددا الى القضية الفلسطينية. أمّا إسرائيل، فإنّها لم تنجح في دفن القضية الفلسطينية. وهذه هي خسارتها الحقيقية.

في المحصلة، فإن إسرائيل لم تستطع تحقيق أهدافها التي أعلن عنها نتنياهو في حربه على غزة، وعمليا من يفشل في تحقيق الأهداف فهو الخاسر. اسمعوا ما يقوله رئيس مجلس الأمن القومي السابق اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي غيورا آيلاند عرَّاب خطة الجنرالات: “الحرب في غزة انتهت بفشل مدوّ لإسرائيل في تحقيق كل أهدفها التي قاتلت لأجلها، لأنها لم تتمكن من القضاء على حماس ولا من استعادة الأسرى ولا من الإطاحة بحكم الحركة في القطاع وحماس انتصرت”.

وما دامت حماس لا تزال قادرة على الاستمرارية وفرض مطالبها على اسرائيل في أي اتفاق (والاتفاق الأخير خير مثال على ذلك) ومشاهد عناصر حماس بالزي العسكري في مكان تبادل الاسرى، ورؤية مئات آلاف الغزيين يعودون الى بيوتهم، فان حماس لم تنهزم، لأن المنهزم في المفهوم العام لا يفرض مطالب، بل ينفذ مطالب الطرف الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى