غزة.. مشاهد مفزعة تروي فظائع 15 شهرا من الإبادة الإسرائيلية
مع دخول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة شهرها السادس عشر، تتحول حياة الفلسطينيين هناك إلى كابوس مستمر ومحطات مفزعة من الدمار والموت.
وتحت السماء التي لا تخلو من المقاتلات الإسرائيلية، تتواصل أعمدة الدخان الملتهبة بالتصاعد تباعا من مناطق متفرقة لتختلط مع غيوم شتوية تزيد من أوجاع المكلومين في القطاع البالغ عددهم مليونين و100 ألف نسمة.
أحياء سكنية كاملة بل مدن بمجملها سوتها إسرائيل بالأرض عبر تنفيذ سياسة “إبادة المدن” إذ وصلت نسبة الدمار في القطاع إلى 86 بالمئة، وفق آخر بيانات للمكتب الإعلامي الحكومي.
أكوام الركام المتناثرة تخفي تحتها أجسادا كانت لأشخاص ينتظرون مع كل دقيقة تمضي بدء “وقف إطلاق نار” منشود كانت آخر مستجداته مساء الجمعة، حينما تم استئناف المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل في قطر وسط أنباء عن تقدم إيجابي.
ومنذ الجمعة، قُتل العشرات من الفلسطينيين في قصف إسرائيلي “غير مسبوق”، حيث عاش معظمهم لحظاتهم الأخيرة على أمل “النجاة” من الإبادة.
بعض الجثث لم يبق منها إلا قطعا من العظام التي تكسوها الملابس، بينما البعض الآخر غدت وجبات للكلاب والقطط الضالة، خاصة في مناطق يصعب على طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليها لا سيما بمحافظة الشمال حيث يمعن الجيش بالإبادة والتطهير العرقي منذ أكثر من 3 أشهر.
تلك الجثث كانت من ضمن 11 ألفا و200 شخص مفقود لم تصل جثامينهم للمستشفيات لإحصائها، في وقت بلغ عدد القتلى حتى السبت إلى 45 ألفا و717 شهيدا، وفق ذات المصدر.
مصابون في المستشفيات
المصابون داخل المستشفيات القليلة العاملة في القطاع، مر بعضهم بعملياتٍ دون مواد مخدرة، ولم يتلقوا ضمن بروتوكولاتهم العلاجية إلا مسكنات خفيفة في ظل الشح الحاد في قائمة الأدوية التي وصلت نسبة العجز فيها بحسب وزارة الصحة بغزة إلى 60 بالمئة، مقابل 83 بالمئة من نقص في قائمة المستهلكات.
أصوات أنينهم داخل المستشفيات خاصة في مدينة غزة التي تعيش حصارا مضاعفا منذ بدء العملية البرية على القطاع في 27 أكتوبر 2023، يدمي قلوب أهاليهم، وسط عجزهم عن توفير عقاقير بتأثيرات قوية قادرة على التخفيف من آلامهم.
بعضهم لفظ أنفاسه الأخيرة بانتظار حصوله على الأدوية أو السفر للخارج بغرض العلاج، فيما يهدد الموت العشرات من بين 12 ألفا و650 جريحا و3 آلاف مريض هم بحاجة لمغادرة القطاع للعلاج، وفق المكتب الحكومي.
هؤلاء غير قادرين على تلقي الخدمات الطبية المتقدمة في القطاع بعدما استهدف الجيش الإسرائيلي المنظومة الصحية بشكل شبه كامل على مدار 15 شهرا، حيث أخرج 34 مستشفى و80 مركزا و162 مؤسسة صحية عن الخدمة فيما دمر 136 سيارة إسعاف، وفق ذات المصدر.
قتلى أشلاء
أما الناجون على مدار 15 شهرا، يعيشون فصولا من الخوف والفزع جراء مشاهد خلفتها عمليات قصف وصفتها مؤسسات أممية بـ”الوحشية” على مناطق مختلفة من القطاع.
فمع كل مجزرة باستهداف منزل مأهول ضمن 9 آلاف و973 مجزرة ارتكبتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023- وفق ذات المصدر-، تتناثر أشلاء الضحايا الذين يكونوا في معظمهم من الأطفال والنساء بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، فصاحب الحظ في القطاع وفق قول الفلسطينيين هو من يُدفن “جثة كاملة وبكفن”.
وفي الفترة الأخيرة، ومع اشتداد الإبادة، بات الفلسطينيون يجمعون أشلاء أجساد قتلاهم في أكياس من النايلون ويدفنوهم بدون أكفان بعد فُقدانها من القطاع بسبب كثرة أعداد القتلى وسط حالة من القهر تتملك ذويهم.
مآسي النازحين
النازحون قضوا أياما عديدة من تلك الشهور بين الهرب من الموت قصفا أو قنصا وبين خوض صراع البقاء من خلال البحث عن مأوى وطعام.
وتعرض الآلاف منهم لحصار بآليات الجيش في مناطق مختلفة، هذا الحصار كان يتزامن مع إطلاق كثيف للنيران متعددة المصادر: برا وجوا وبحرا، ما أشعرهم بأن لحظاتهم الأخيرة باتت أقرب من أي وقت مضى.
فمن داخل المباني المحاصرة كان المشهد أكثر جنونيا، وميض انفجارات الصواريخ والقنابل كان يُضيء نوافد الغرف التي تؤوي النازحين، فيما كانت تلك النوافذ شاهدة على جرائم منها إعدام نازحين وافتعال حرائق في مبان ومرافق قريبة وفق ما نقله شهود عيان من عدة مناطق خاصة محافظة الشمال.
وكان هذا الحصار ينتهي دائما بتهجير قسري للفلسطينيين يمرون خلاله بحواجز تفتيش إسرائيلية، يخضعون فيها لعمليات فصل بين النساء والرجال، في واحدة من التجارب القاسية التي مروا بها خلال الإبادة.
فقلوب الأمهات تُلاحق أبناءها الذين فصلهم الجيش وسيكون مصيرهم مجهولا إما القتل أو الاعتقال أو الترحيل، بينما تتعلق عيون الآباء بعائلاتهم خاصة الأطفال منهم حيث تكون نظراتهم وكأنها “الأخيرة للوداع”.
مشاعر مضطربة بين الخوف والبكاء تسيطر على النازحات في تلك المحطة التي يصفنها بـ”أهوال القيامة”، حيث يضطررن بعدها إلى استكمال مسيرتهم لمناطق يحددها الجيش تحت النيران وبدون رجال.
وعمليات التهجير والتطهير العرقي جاءت ضمن خطط إسرائيلية غير معلنة أشار إليها الإعلام العبري لتفريغ الأرض من سكانها وسط دعوات إسرائيليين متطرفين لإعادة احتلال القطاع وإنشاء مستوطنات فيه.
المناطق الآمنة
منذ بداية الإبادة، توجه غالبية النازحين البالغ عددهم نحو مليوني فلسطيني إلى ما نسبته 10 بالمئة فقط من مساحة القطاع التي ادعى الجيش أنها “إنسانية آمنة”، حسب المكتب الحكومي، كان أبرزها منطقة “المواصي” الممتدة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط من جنوب مدينة خان يونس وحتى شمال دير البلح (وسط).
تلك المناطق تعرضت لنيران كثيفة على مدار أشهر الإبادة ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من النازحين.
فكانت الرمال الناعمة التي أنشئت فيها خيام النازحين تبتلعهم نياما بعدما تترك الصواريخ الإسرائيلية حفرا ذات أقطار كبيرة في المكان.
أما الخيام القريبة من نظيرتها المستهدفة فكانت تطالها شظايا تتسبب بقتل وجرح نازحين، مخلفة مشاهدا مفزعة إحداها لسيدة فلسطينية كانت تجلس في خيمة إلى جانب طفلتها لتجدها في لحظات وقبل أن تكمل حديثها، بدون رأس بعدما سقطت عليها شظية تسببت بتفتته.
كما احترق نازحون أحياء بعد اشتعال خيامهم ومراكز إيوائهم بالنيران بسبب القصف الإسرائيلي، على مرأى ومسمع العالم، في حين بلغت عدد مراكز الإيواء التي استهدفها الجيش منذ بدء الإبادة حوالي 216 مركزا بحسب المكتب الحكومي.
أجساد متجمدة
من نجا من الموت قصفا أو جوعا، توفي خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي بردا بأجساد متجمدة جراء موجات الصقيع التي ضربت القطاع بالتزامن مع أمطار شديدة أغرقت خيامهم.
ولقي 7 أشخاص بينهم 6 أطفال مصرعهم بسبب موجات الصقيع خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث ندد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فيليب لازاريني بذلك قائلا: “أطفال غزة يتجمدون حتى الموت بسبب الطقس البارد ونقص المأوى”.
الأطفال بأجسادهم ومناعتهم الضعيفة الناجمة عن الجوع وسوء التغذية لم يتمكنوا من مصارعة موجات الصقيع، ما يؤدي إلى ازدياد مخاطر الموت تأثرا بالبرد الشديد بينهم.
وبسبب المجاعة المتواصلة، يعاني الآلاف من الأطفال بالقطاع من خطر سوء التغذية الحاد، حيث تم الكشف عن إصابة حوالي 15 ألف طفل بسوء التغذية، منهم ألفين و288 مصابون بسوء تغذية “حاد وخيم”، بعد فحص نحو 240 ألف طفل في القطاع منذ بداية 2024، بحسب تقرير للأمم المتحدة في أغسطس/ آب الماضي.
المصدر: الأناضول