القضية الفلسطينية في ظلّ سياسة التغوّل الإسرائيلي
د. حسن صنع الله
يعيش الشعب الفلسطيني واحدةً من أحلك الّلحظات عبر تاريخه النّضالي، حيث ساهمت حرب السّابع من أكتوبر المسمّاة “طوفان الأقصى” بالتّأثير على المشهد الجيوسياسي في منطقة الشّرق الأوسط.
ففي ظلّ التّغوّل الإسرائيلي وحرب الإبادة التي تشنّها المؤسّسة الإسرائيليّة على قطاع غزّة، وفي ظلّ التّآمر الرّسمي الغربي، والصّمت العربي والإسلامي، جاء الصّمود الفلسطيني، ليثبت للعالم أجمع خطأ حسابات المؤسّسة الإسرائيليّة التي راهنت على إنهاء القضيّة الفلسطينيّة إلى غير رجعة، وتغيير خارطة الشرق الأوسط وفق أهوائها وحساباتها، ألا أنّ المؤسّسة الإسرائيليّة فشلت في تهميش القضية الفلسطينية وأخفقت في عزلها دوليًا وإقليميًّا.
لقد نجح الفلسطينيّون في تحطيم صنم التّطبيع العربي مع المؤسّسة الإسرائيليّة، وإجبار المشهد الدّولي والإقليمي على التّعامل والتّفاعل من جديد مع القضيّة الفلسطينيّة، التي كانت قد هُمّشت بشكلٍ شبه كلي على المسرح الدّولي، فعادت إلى الواجهة من جديد طروحات حل الدولتين التي حاولت المؤس؟سة الإسرائيليّة وأدها إلى غير رجعة.
رأت المؤسسة الإسرائيليّة في إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصةً سانحةً لإعادة مسلسل ضمّ أجزاء من الضّفّة الغربيّة والجولان السوري المحتلّيْن، ولربّما إتمام مخططات التّهويد داخل القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفرصة مواتية ايضًا لإحياء اتفاقيات التّطبيع مع من تبقّى من الأنظمة العربيّة، وهذا دليل على انّ المؤسّسة الإسرائيليّة لا تزال تراهن على تصفية القضيّة الفلسطينيّة، ولكنّها قد تُفاجأ أنّ السّياق القانوني والسياسي ليس في صالحها، هذا ناهيك عن التّحولات التي شهدها وقد يشهدها المحيط العربي والإسلامي في المنظور القريب والمتوسّط، خصوصُا بعد التّحولات التي حصلت في المشهد السوري.
تتسلّح المؤسسة الإسرائيليّة في تغوّلها على الشّعب الفلسطيني، بالدّعم الأمريكي المطلق سياسيًا وعسكريًا، وتدعمها في ذلك بعض الدّول الأوروبيّة، كما وتراهن على الأنظمة العربيّة المطبّعة والمتآمرة، وعلى سلطة فلسطينيّة باتت أشبه بحالة جيش لحد في جنوب لبنان، حيث تحاول هذه السّلطة إرضاء الجانب الإسرائيلي والأمريكي على حساب الشّعب الفلسطيني، كما وباتت تراهن هذه المؤسّسة على فشل ما يُسمّى جبهة الإسناد الّتي كانت تقف وراءها إيران ومليشياتها في المنطقة، وما لا تدركه المؤسّسة الإسرائيليّة التي خسرت المعركة إعلاميًا على مستوى عالمي، هو أنّ المزاج الشعبي في العالمين العربي والإسلامي بات أكثر عدائيّةً اتجاه المؤسّسة الإسرائيليّة، وأكثر استعدادًا لاستئناف وتجديد ثوراته ضد أنظمة الحكم المطبّعة مع المؤسّسة الإسرائيليّة، وهذه الأنظمة باتت تدرك جيدًا أنّ التّحول في المشهد السوري هو علامة فارقة في تاريخ المنطقة، وهو بمثابة زلزال قد يطال في قادمات الأيام بقيّة الأنظمة العربيّة، التي لا زالت تقمع شعوبها وتزج بعلمائها ومثقّفيها في غياهب السّجون.
بالرّغم من التغوّل الإسرائيلي ومخططات الضمّ والاستيطان ومحاولات رسم صورة الانتصار بأي ثمن، إلا أنّ الجانب القانوني بات مؤرّقًا للمؤسّسة الإسرائيليّة، فلأوّل مرّة في تاريخها يجد رئيس وزرائها ووزير دفاعه، ولربّما شخصيّات عسكريّة أخرى في قادمات الأيّام، أنفسهم ملاحقين من قبل محكمة الجنايات الدّولية بتهم ارتكاب جريمة الإبادة الجماعيّة ضد الفلسطينيّين، هذا ناهيك عن اعتبار محكمة العدل الدّولية تواجد المؤسّسة الإسرائيليّة للأراضي الفلسطينية احتلالًا غير شرعي.
المؤسّسة الإسرائيليّة ستجد نفسها مضطرّة عاجلًا أم آجلًا إلى وقف آلة الحرب في غزّة والتوصّل إلى اتّفاق، ولكنّها من ناحية أخرى ستسعى الى زيادة ضغطها الأمني والعسكري على الضّفّة الغربيّة والقدس، ومن غير المستبعد أن تتعرّض بعض مخيّمات الضّفّة إلى عمليّات اجتياح عسكري على نطاق أوسع، بحيث تُدمّر بها البنى التحتيّة بشكلٍ كاملٍ على غرار ما حصل في قطاع غزّة، خصوصًا في ظلّ تماهي السّلطة مع المؤسّسة الإسرائيليّة وتنسيقها أمنيًا، لا بل مشاركتها في قمع مظاهر النّضال الوطني الفلسطيني، كما هو حاصل في مخيّم جنين.