معركة الوعي (228) لستم أوصياء عليها، بل أنتم سبب الخراب
حامد اغبارية
عن المرأة وعن حقوقها.
وفي حالتنا فإن المقصودة هي المرأة في شرقنا، وحقوقها التي يضعها الغرب الفاجر على رأس سلم أولوياته… وهو لا يفعل ذلك إلا عندما تستعيد الشعوب حريّتها وتزيح عن صدورها الأنظمة الفاشية الجاثمة عليها.
هكذا جرّد جُند الدجال أقلام الكَتَبة الكَذَبة؛ وهكذا لعلعت ألسُن قادة الغرب الغارق في مستنقع العنصرية؛ عنصرية العرق واللون والجنس واللغة والعقيدة، مطالبة بمنح المرأة حقوقها في أفغانستان المسلمة بعد أن دحر الأفغان جيوش الغرب وأجلسوها على خازوق خرج من نافوخها، وهكذا فعلوا مع العراق البلد المسلم، وكذلك مع مصر يوم وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم، وكذا فعلوا مع ليبيا وتونس واليمن وغيرها. وها هم يتصدرون مشهد حقوق المرأة في سوريا بعد الإطاحة بمومياء آل الأسد… وهم يفعلون ذلك باستعلاء بغيض..
فمن الذي منح الغرب هذا الحق؟ من الذي عينه وصيًّا على حقوق المرأة؟ ومن الذي عيّنه مسؤولا عن حقوق المرأة المسلمة والعربية؟
وما هي حقوق المرأة التي يستقتلون في “الدفاع” عنها وينبحون صباح مساء على شاشاتهم وفي مؤتمراتهم الصحافية وفي لقاءاتهم مع أصحاب الشأن وأهل البلد؟
لقد عمل الغرب، عن طريق الإعلام والأقلام المأجورة، وبعضها أقلام “عربية ومُسلمة”، على رسم صورة نمطية للمرأة المسلمة، بحيث إذا ذُكر الإسلام ذُكر الظلم الواقع على المرأة، وتُقدّمها هذه الأقلام على أنها امرأة مقهورة مهضومة الحقوق، ليست لها مكانة ولا تأثير. ثم يعمَد ذلك الإعلام وتعمَد تلك الأقلام المأجورة إلى تأليف قصص خيالية عن هضم حقوق المرأة في الإسلام وفي البلدان الإسلامية، سرعان ما يتضح بطلانها وكذبها.
إن الغرب الرأسمالي وضع تصوّرا ونموذجا خاصا به لحقوق المرأة، هو في حقيقته نموذج لتدميرها وسحقها وتحويلها إلى سلعة رخيصة بلا قيمة حقيقية، ثم عمل ويعمل على تطبيق نموذجه على المجتمعات العربية والإسلامية، ليس لأنه ثبت علميًّا وعمليًّا أن نموذجه هو الأفضل والأنجع، وإنما لأنه النموذج الذي من خلاله يمكنه تدمير المجتمعات المسلمة وسلخها عن دينها وعقيدتها، ونشر الفساد الأخلاقي والسلوكي فيها لتتسنى له الهيمنة عليها، كما أن الغرب اتّخذ من قضيّة المرأة وسيلة لمساومة الأنظمة العربية والإسلاميّة وممارسة الضغوط السياسية عليها لتسير في ركبه وتفكر بطريقته، ذلك بعد أن قيّدها بسلاسل الفقر والجهل، ووضع في أعناقها أغلالا اقتصادية لا فكاك منها.
ولقد بذل الغرب كل وسيلة لتشويه الإسلام من خلال سلوكيات بعض أبنائه، حتى أصبح كلُّ سلوك شاذّ لفرد أو جماعة أو مجتمع أو نظام حاكم تجاه حقوق المرأة، يلصَق بالإسلام مباشرة، ذلك بهدف تصويره بأنه في أصله دينٌ يظلم المرأة بتشريعاته وقوانينه، رغم علم الغرب ببطلان هذه الادعاءات وأنه لا يقوم عليها دليل.
مع ظهور “داعش” على سبيل المثال خرج أعداء الإسلام بفريةٍ أطلقوا عليها “جهاد النكاح”، صوّروا فيه بأن هناك مسلمين يمارسون الجهاد من خلال اغتصاب النساء أو الزواج منهن غصبًا، أو تزويجهن لآخرين بالقوة، بعد أن أوهموا العامّة والرعاع بأن هذا باب من أبواب “الجهاد في سبيل الله”. ولكي يثبتوا “نظريتهم” استعرضوا على شاشاتهم نساء قدَّمن “روايات” هي أقرب إلى أفلام هوليوود منها إلى الحقيقة، حول حالات اغتصاب وإجبار على الزواج وما شابه ذلك من قصص، ولكي يكتمل المشهد ويتحقق الهدف ألصقوا الفعل بالإسلام وصوروه بأنه دين يبيح مثل هذه الأفعال الفظيعة، وهم يعلمون أن الإسلام من ذلك براء. ثم تأتي المصيبة الأكبر حين تجد بين المسلمين من يصدق هذه الأباطيل ويروج لها ويهاجمها على أنها تقدم سلوكا إسلاميا، ومن ثم تجب محاربته واجتثاثه.
وهبْ أن تنظيم “داعش” أو بعض رجاله مارسوا تلك الأفاعيل حقا، أليس من العدل أن تنسب الفعل إلى مرتكبه وليس إلى دينه؟ أليست قوانين الغرب تفرّق بين ممارسة رجل أبيض العنصرية العرقية وعنصرية اللون تجاه رجل أسود، وبين جميع الرجال البيض؟ هل سمع أحدٌ أن قوانينهم أدانت كل أبناء العرق الأبيض لأن أحد البيض مارس عنصريته البغيضة على ذوي البشرة السمراء؟
ثم من هم الذين صنعوا “داعش”؛ ذلك التنظيم الذي ظهر فجأة بلا جذور ولا أصول ولا خلفيات يعرفها الناس ولا قيادات يعرفونها (مقارنة مع تنظيم القاعدة على سبيل المثال)؟ من هم الذين سعوْا إلى تشويه وشيطنة مفهوم الخلافة في عيون المسلمين يوم صنعوا ذلك التنظيم المسخ، ليعلن الخلافة ثم يمارس كل تلك الموبقات باسم الخلافة وباسم الإسلام؟
كيف أصبح الغرب وصيًّا على قضايا تخص المرأة ونظام الحكم، حتى جعلت من الحكم الديمقراطي على سبيل المثال دينا يتعبد به الناس من دون الله؟
أليس هو نفس الغرب، الذي كان قبل 150 سنة أو يزيد قليلا، الذي كان يحرق المرأة التي تخون زوجها أو تقع في حب شخص غريب، أو يعلقها على أعواد المشانق؟
أليس هو نفس الغرب الذي ورث عن أسلافه مقولة إن المرأة هي مصدر الشر ومنبع الآثام؟ أوليس الغرب ذاته هو الذي ناقش طوال قرون إذا ما كانت المرأة مخلوقا بشريًّا مثل الرجل”، لها روح مثل روحه؟
أليس هو الغرب الذي كان قبل قرن ونصف القرن يعاقب المرأة بأشد العقوبات التي تصل أحيانا إلى الموت لأنها خرجت بلباس فاضح؟ ثم انقلبت الموازين يوم أن قرر الغرب التخلص من سطوة الكنيسة، وقطع كل علاقة أو مظهر يربطه بها، فكان سفور المرأة وبدء مسيرة تعرية المرأة من أبرز هذه المظاهر، حتى بلغ الأمر انتشار الفاحشة والزنا والفجور والشذوذ، والاستهتار بالأسرة وعلاقة الفرد بها وبالمجتمع، فصارت مجتمعاتهم أشبه بغابة تحكمها قوانين لا ضوابط أخلاقية ولا سلوكية لها.
لذلك فإن شعار “الحفاظ على حقوق المرأة” الذي ينادي الغرب الساقط بتطبيقه في مجتمعاتنا المسلمة لا علاقة له بالحقوق الأصيلة. فهو لا يقصد الحق في الحياة، ولا في الغذاء، ولا في الدواء، ولا في التعلم، ولا في اختيار شريك الحياة، ولا في الميراث، ولا في الاستقلالية الاقتصادية والمالية، ولا في تولي المناصب ذات الشأن في الدولة، فهذه كلها حقوق يضمنها الإسلام، والغرب يعلم هذا علم اليقين، وإنما يقصد تحررها وانفلاتها من عقالها، ومن كل ضابط أخلاقي أو وازع ديني. يريدها مستهترة، كاشفة لجسدها، سافرة، تصادق الرجال الأجانب وتخرج معهم، ومن حقها أن تمارس الزنا والإنجاب دون زواج، وليس من حق أحد أن يحاسبها، لأن “جسدها ملك لها ولها الحرية الكاملة في التصرف به كيف تشاء”!!
في المقابل فإن الغرب الفاجر لا يهتم بحقوق المرأة المسلمة التي تقيم في دياره. فليس من حقها الاحتشام والستر، وتُحرم من الدراسة والعمل طالما أنها محجبة أو منقبة، ذلك أن دولهم “ذات سيادة وقانون، وهذه السيادة وذلك القانون يجب أن يحترمه الجميع وينصاع له”! أما في بلاد الإسلام، فإن الدعوة للاحتشام ولبس الحجاب أو أية مظاهر إسلامية تتعلق بحياة المرأة، فإنه ظلم وهضم للحقوق وقهر وكبت لحرية المرأة!! وتخرج كل الأفاعي من جحورها بفحيح كريه لتهاجم الإسلام وشريعته وقوانينه. بينما تصاب بالخرس والصمم عندما تعتدي جيوش الغرب على حرمات المسلمات، بل لا يحرك الغرب السفيه ساكنا عندما تُقْدِم جيوشه على اغتصاب النساء وقتلهن، ولا يرفّ له جفن وهو يرى الاحتلال الإسرائيلي يدك البيوت فوق رؤوس النساء في غزة، ويقتل ويعتقل، ويجبر النساء على خلع الحجاب والتعري إمعانا في الإهانة والتنكيل. لا يتحرك الغرب مدافعا عن حق المرأة المسلمة عندما تكون ضحية لجيوش ظلامه وقنابله وطائراته. كما لم يتحرك الغرب عندما كانت براميل بشار الأسد المتفجرة تصب النار على رؤوس النساء، ولم ينتفض غضبا لإقدام شبيحة الأسد على اغتصاب النساء السوريات وهتك أعراضهن، بينما أصبح شدقاه الكريهان يقطُران حرصا على حقوق المرأة بعد أن حقق الشعب السوري حريته. لماذا؟ لأن الذين حققوا الحرية للشعب السوري إسلاميون…!
إن الغرب في حقيقته لا يريد للمرأة حقوقا، بل يريد نشر الرذيلة في بلاد المسلمين، فهو لا يستطيع أن يتعايش مع الإسلام وضوابطه. لذلك يشن حربا شعواء مجنونة إذا تحدثتَ عن ضرورة خروج المرأة مع محرم، أو تحدثتَ عن
ضوابط الاختلاط أو عن الحجاب الشرعي أو ضوابط الخروج للعمل. أما حياة العبودية والاستغلال الجنسي التي تعيشها نساء من أجناس معينة لا علاقة لها بالعرق الأبيض في المصانع والمعامل والحقول الزراعية، فلا أحد يتحدث عنها، ولا تعرض على شاشات الإعلام، لأن السيد الأبيض من حقه أن يفعل ما يريد وليس من حق أحد أن يحاسبه، إذ يكفي أنه أبيض أوروبي أو أمريكي حتى يحصل على صكوك الانفلات والانحلال، وحتى يصمت العالم صمت أهل القبور.
إن من أحطّ وأوقح المواقف أن يخرج علينا الغرب المريض أخلاقيا، الغارق بكل أنواع السفالات، فيما يتعلق بالمرأة تحديدا، ليذكّرنا بضرورة الحفاظ على حقوق المرأة، وهو الذي وضع قواعد إبليس لاضطهاد المرأة وتحويلها إلى دمية يلهو بها الرجل الأبيض ثم يرمي بها إلى القمامة وقت يشاء ومتى يشاء. وإنَّ من أحقر ما يمكن أن يسمعه المرء في زماننا هذا هو حديث الغرب عن حقوق الإنسان، بينما هو أكثر من يمارس انتهاك حقوق الإنسان في جهات الأرض الأربع. وإن شئتم فاسألوا غزة عن حقوق الإنسان، واسألوا مصر عن حقوق الإنسان، واسألوا السعودية، واسألوا من شئتم في بلاد العرب والمسلمين التي تسير في ركب الغرب. هناك ستجدون الجواب.
لقد استغل الغرب قمع الأنظمة في بلاد العرب والمسلمين للمرأة وهضم حقوقها كي يشن حربا على مكانة المرأة في الإسلام، بينما يعلم علم اليقين أن تلك الممارسات إنما وقعت وتقع بالذات لأن تلك الأنظمة ابتعدت عن الإسلام وأخرجته من حساباتها، بل وحاربته. ولعل في السعودية اليوم أكثر النماذج وضوحا لما يريده الغرب حقا من كذبة حقوق المرأة. فالمشاهد القادمة من هناك تقول كل شيء عن حقيقة ما يريده الغرب من وراء هذه القضية.
ولقد لخّص القرآن العظيم هذه المعركة من كل جوانبها بأقل من عشر كلمات في قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: 217).