أخبار وتقاريرمقالاتومضات

خطاب الشعب الفلسطيني لأهل الأرض في مطلع عام 2025

الشيخ رائد صلاح

بعد أن تسببت الكارثة الإنسانية في غزة بإيقاظ ضمائر شعوب الأرض في كل قارات الدنيا، وبعد أن تسببت بإيقاظ ضمائر حُكام خرجوا عن صمتهم وجاهروا بضرورة إيقاف هذه الكارثة الإنسانية فورًا، وبعد أن بات كل أهل الأرض يتحدثون عن القضية الفلسطينية وكأنها وُلدت البارحة، ثم باتوا يُطالبون بإنصاف شعبنا الفلسطيني فورًا، وحفظ حقه الأبدي بإقامة دولة فلسطينية مُستقلة، وعاصمتها القدس المُباركة المُحتلة، بعد كل ذلك، فإن هذا الوقت الذي يشهد يقظة ضمائر هذه الشعوب وهؤلاء الحُكام هو أنسب وقت يُعرّف فيه الشعب الفلسطيني على نفسه وعلى قضيته وعلى قيمه وعلى رسالته التي يحملها لأهل الأرض، والمطلوب وضع النقاط على الحروف، والصدع به بكل لغات أهل الأرض وأن يُقال فيه بوضوح لا تلعثُم فيه ما يلي:

1. الشعب الفلسطيني شعب واحد أينما كان، وهو ذو انتماء إسلامي عروبي لا ريب فيه، وهو شعب واحد بكل مكوناته الدينية والثقافية، وسيبقى يحفظ هذه الوحدة ويحتضن هذه المكونات.

2. ستبقى القضية الفلسطينية مُعلقة بلا حل، حتى يحصل شعبنا الفلسطيني على كامل حقوقه ويُقيم دولته المُستقلة وعاصمتها القدس المُباركة المُحتلة.

3. القدس المُحتلة المُباركة تاجُها هو المسجد الأقصى المُبارك، وهي بكل ما فيها من موروث تاريخي وحضاري وديني، وبكل ما فيها من مُقدسات إسلامية ومسيحية حق أبدي للأُمة المُسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني، ولأنها كذلك فلا تقبل التفاوض عليها، ولا التنازل عنها، ولا التفريط بها أو بأي جزء منها.

4. بناءً على ما تقدم فإن شعبنا الفلسطيني يرى بالشعوب المُسلمة والعربية امتدادًا له وسندًا لحقه، ولا يحمل لها إلا الخير.

5. الشعب الفلسطيني لا يحمل مبدأ الرفض للأنظمة العربية والمُسلمة، بل يحمل مبدأ الرفض لكل انحراف يصدر عن هذه الأنظمة اتجاه شعوبها أو اتجاه القضية الفلسطينية، ولذلك فإنه يتمنى على كل هذه الأنظمة أن
تتصالح مع شعوبها، وأن تنحاز للمصلحة المُعتبرة لشعوبها، حتى تكون عنوانًا حقًا وصادقًا لشعوبها، وراعيًا لآلام وآمال شعوبها، وطموح هذه الشعوب.

6. ويوم أن تتصالح هذه الأنظمة المُسلمة والعربية مع شعوبها، ويوم أن تنحاز للمصلحة المُعتبرة لهذه الشعوب فإن هذه الأنظمة ستكون صمام أمان للثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية، وستجعل من الجامعة العربية عنوانًا لكل العالم العربي، وستجعل من مُنظمة التعاون الإسلامي عنوانًا لكل العالم الإسلامي وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وما أضعف أي نظام عربي أو مسلم إذا وقعت القطيعة بينه وبين شعبه، وما أقواه إذا استمد شرعية وجوده ومسيرته من إرادة شعبه، ودعمه الصادق له.

7. إن الشعب الفلسطيني يؤكد سلفًا أنه ليس شعبًا أنانيًا، بمعنى أن همَّه لا يقف عند حد حصوله على كامل حقوقه، وقيام دولته المُستقلة وعاصمتها القدس المُحتلة المُباركة، بل إن الشعب الفلسطيني يملك ما يُقدمه للبشرية في كافة أماكن تواجدها، ولذلك هو يتمنى لها أن تعيش بأمن وأمان، ويحمل لها مشروع سلام حق صادق عالمي، ويتقدم لها بقيمه الإسلامية العروبية الفلسطينية التي تقوم على مبدأ (الناس سواسية كأسنان المشط)، وعلى مبدأ (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى)، وعلى مبدأ (خير الناس أنفعهم للناس)، ويُعزز ذلك قول الفاروق عمر رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس ولقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا).

8. وعليه فإن الشعب الفلسطيني يرفض مبدأ (صدام الحضارات)، كعلاقة أساس بين الشعوب، بل إن العلاقة الأساس بين شعوب كل الأرض على اختلاف أنسابها وألوانها وأديانها ولغاتها هي كما قال الله تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فالأصل هو التعارف بين الشعوب، وليس صدام الحضارات وإزهاق الأرواح وإراقة الدماء.

9. وقد أكد ذلك خلال هذه الأيام مجموعة من المُفكرين والإعلاميين والباحثين الفلسطينيين الذين قالوا في عشرات اللقاءات الإعلامية بشتى لغات الدُنيا إن الشعب الفلسطيني ليس من دُعاة الحروب، بل هو من دُعاة الحق والإنصاف العادل لكل شعب في الأرض لا يزال يُعاني من وطأة الاحتلال والاستعمار أو من وطأة الفقر والجوع والمرض، أو من وطأة فساد النظام وقهر الحُكام والاستبداد السياسي والتفكك الاجتماعي.

10. إن مبدأ العلاقة مع الشعب اليهودي قام على أساس واضح في قول الله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضُنا بعضًا أربابا من دون الله}، وفي قول الله تعالى: {ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، فلم يحمل العداء في يوم من الأيام للشعب اليهودي لأنهم يهود، وهذا تاريخنا الإسلامي العربي يشهد أن الشعب اليهودي عاش مُعززًا مُكرمًا في هذا الامتداد الإسلامي العربي منذُ البعثة النبوية حتى الآن على مدار قرون طويلة، وإن كان هُناك ويلات ذاقها الشعب اليهودي لأنه شعب يهودي فقد ذاقها في أوروبا وفي مرحلة معروفة من نشأة أمريكا، ولذلك من العار على القيادة الرسمية الأوروبية والأمريكية أن تُزاود علينا في هذا الموضوع.

11. وعليه فإننا لا نرفض الشعب اليهودي لأنه شعب يهودي، بل نرفض الحركة الصهيونية التي احتلت أرضنا، وشردت أجدادنا وآباءنا ودمرّت أكثر من خمسمائة بلدة فلسطينية ونرفض من دار في فلكها وتآمر معها وساندها في احتلال أرضنا، مع التأكيد أن الحركة الصهيونية كانت ولا تزال تُمثل البعض في الشعب اليهودي حتى الآن ولا يجوز لها أن تدّعي في يوم من الأيام أنها تُمثل كل الشعب اليهودي وتتحدث باسمه.

12. ويوم نقول: لا لقصف المساجد والكنائس والكُنس والصلوات والبِيع وسائر دور العبادة، ولا لقصف المدارس والمُستشفيات والمخابز فإنما ندعو إلى حفظ كل هذه المؤسسات في كل العالم.

13. ويوم نقول: لا لقتل الأبرياء من الرجال والنساء والشيوخ والعجائز والأطفال والرُضّع والخُدّج، فنحنُ نستند في ذلك إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يوصى الصحابة قبل خروجهم للفتوحات: (…….ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة ولا شيخًا)، ويُعزز ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (لا تخونوا ولا تغّلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مُثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له)، ونتمنى على أهل الأرض أن يتخذوا من هذه التوجيهات دستورًا عالميًا يصون كل الأبرياء في كل الأرض.

14. ولتعلم كل شعوب الأرض أننا نُحب كل شعب في الأرض في كل دولة في الأرض، وقد نكره سياسة هذه الدولة أو تلك، ولكننا لا نكره شعبها، وسنبقى نحمل الرحمة لكل شعوب الأرض، ولكل كبارها وصغارها، ولن نحسد شعبًا على ما آتاه الله تعالى من الرخاء والرفاه والازدهار، بل نتمنى دوام النعمة والصحة والعافية لكل شعوب الأرض، وندعو الله تعالى أن يهدي شعوب الأرض لكل ما يُحب ويرضى.

15. ولتعلم كل شعوب الأرض أنه مضى على نكبتنا كشعب فلسطيني قرابة المائة عام ولا تزال أمواج الاحتلال والتشريد والشتات واللجوء والقهر والظلم تتقاذفنا يومًا بعد يوم، وها هي أزمات كل الشعوب قد انتهت ووجدت لها حلًا، إلا نحنُ، حيث لا زالت قضيتُنا الفلسطينية تُراوح نفسها وتبحث عن السلام الحق الصادق والعدالة الأصيلة المُنصفة، وحقنا في تقرير مصيرنا القائم على ثوابتنا، كيما يُترجم كل ذلك بإقامة دولتنا الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس المُباركة المُحتلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى