سوريا تنشد الاستقرار السياسي لإعادة بناء اقتصادها المنهار
بعد قرابة 14 عاما من الأزمة في سوريا، يقول البنك الدولي إن اقتصاد هذا البلد العربي فقد نحو 90 بالمئة من قوته، بفعل الصراع وسياسات النظام السوري المنهار تجاه مفاصل الاقتصاد المحلي.
اليوم، وبعد انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، يرقب السوريون بتفاؤل حذر عودة الاستقرار التدريجي للاقتصاد المحلي، لكنهم على يقين بأن ذلك مرتبط باستقرار سياسي.
في 2009، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قرابة 67 مليار دولار وفق بيانات تاريخية للبنك الدولي، وهو يفوق رقم الناتج المحلي في ذلك الوقت لكل من لبنان والأردن معا.
بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في 2021 قرابة 8.2 مليارات دولار، وسط توقعات بتسجيله 6.2 مليارات دولار فقط العام الجاري، وهو رقم يبلغ قرابة 13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للأردن.
وفي حال تحققت أرقام الناتج المحلي لعام 2024، فإنها ستكون قد عادلت رقم الناتج المحلي للبلاد قبل قرابة 39 عاما وفق البيانات التاريخية للبنك الدولي.
وبينما يرتب السوريون أوراقهم بعد انهيار نظام الأسد، فإن قطاعات اقتصادية رئيسية قد تشكل رمانة القبان لعودة السيولة النقدية للبلاد.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، سيطرت فصائل الثورة السورية على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
قطاع الطاقة
في 2010، مثل النفط خُمس الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، ونصف صادراتها، وأكثر من نصف إيرادات الدولة، بيد أن الحرب دمرت القطاع، وإحياؤه قد يكون أمرا حاسما لنجاح الحكومة الجديدة، لأنه سيوفر لها السيولة النقدية.
قبل الحرب، كانت سوريا تنتج يوميا نحو 390 ألف برميل نفط، بعد أن بلغ الإنتاج ذروته بأكثر من 600 ألف برميل عام 2002، ولكن خلال الصراع تراجع إلى ما بين 40 و80 ألف برميل يوميا.
وينتج النفط السوري من منطقتين رئيسيتين: الشمال الشرقي خاصة في الحسكة، والشرق الممتد على طول نهر الفرات حتى الحدود العراقية قرب دير الزور، مع وجود حقول صغيرة جنوب الرقة، بينما تتركز الموارد الغازية في المناطق الممتدة حتى تدمر وسط البلاد.
ويظهر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز أن النظام السوري السابق، اعتمد على النفط الإيراني منذ عام 2014، حيث قدمت طهران بين 50 و80 ألف برميل يوميا بشروط ائتمانية ميسرة.
إلى جانب ذلك، يمكن أن يلعب الغاز دورا مهما في تحسين الكهرباء، وهو خطوة أولى نحو استعادة الاقتصاد السوري.
كما أن إعادة إنتاج النفط وتشغيل المصافي سيسهمان في تلبية احتياجات الوقود المحلية وتعزيز الإيرادات الحكومية.
الإنشاءات والبنى التحتية
وشهد قطاع الإنشاءات والبنى التحتية في سوريا تدهورا هائلا نتيجة الصراع الذي استمر لأكثر من عقد؛ حيث تأثرت مدن البلاد وخاصة الكبرى منها مثل حلب ودمشق وحمص ودير الزور، بأضرار جسيمة على مستوى المباني السكنية، والمرافق العامة، والطرق.
ووفق تقديرات البنك الدولي، تجاوزت تكلفة الأضرار التي لحقت بقطاع الإنشاءات والبنية التحتية في سوريا نحو 120 مليار دولار حتى عام 2023.
بينما حوالي 40 بالمئة من المباني السكنية إما دُمّرت بالكامل أو تعرضت لأضرار جزئية، ما أدى إلى نزوح ملايين السكان، فيما قُدّرت نسبة المرافق العامة المتضررة (مدارس ومستشفيات ومبان حكومية) بنحو 60 بالمئة في المناطق التي شهدت صراعات شديدة، وفق البنك الدولي.
وقبل الحرب، كان قطاع الإسكان يمثل نحو 30 بالمئة من إجمالي المشاريع الإنشائية في البلاد، ولكنه الآن يحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية تضررت خلال الحرب.
وخلال العامين الماضيين، ازداد الطلب على المساكن الجديدة مع عودة بعض اللاجئين والنازحين، ما أدى إلى تضاعف أسعار العقارات ومواد البناء بمعدل 300 بالمئة مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
فيما قُدّرت نسبة الطرق والجسور المتضررة بحوالي 50 بالمئة، مع تعطّل شبكات النقل الرئيسية مثل الطريق الدولي M5 (حلب ـ دمشق)، والطريق M4 (اللاذقية ـ الحسكة) لفترات طويلة.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن عملية إعادة الإعمار تتطلب استثمارات سنوية بقيمة 10-15 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين.
أما قطاع الإسكان والبنية التحتية، فمن المتوقع أن يجذب أكثر من 60 بالمئة من إجمالي التمويلات الدولية المقدمة لإعادة الإعمار.