حيث توقف الربيع العربي بدأ التحرير في سوريا
توفيق محمد
في البدء سلام على كل من سقت دماؤهم شجرة الحرية في سوريا منذ مذابح حماة وتدمر سيئة الصيت على يد الجزار الأكبر حافظ الأسد وأخيه رفعت مرورا بمجازر بشار، ابن حافظ، منذ العام 2011 يوم خرجت مظاهرات سلمية في دمشق ودرعا وسائر المدن السورية تطالب بإطلاق الحريات والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ عن البلاد.
سلام على أرواح أكثر من 600 ألف شهيد سقت أرواحهم أرض سوريا منذ العام 2011.
سلام على أرواح 55 ألف معتقل شهيد قتلهم شبيحة الأسد تحت التعذيب في السجون سيئة الصيت كسجن صيدنايا، حيث شتى أصناف العذاب، والقتل الشنيع، وإذابة الجثث في الحوامض.
سلام على سوريا، وأهل سوريا، وثوار سوريا الذين قدموا التضحيات العظام لما شرد الأسد ونظامه خمسة ملايين ونصف المليون خارج الوطن فأصبحوا لاجئين، منهم من اختطفهم البحر وهم يهربون من براميل الأسد المتفجرة وأسلحته الكيماوية ونيرانه، ومنهم من اختطف أطفالهم ومنهم ومنهم ..
سلام عليكم، ومباركة حريتكم، وتحرير بلادكم من الظلم الكبير الذي وقع عليها نصف قرن ويزيد من حكم عائلة الأسد وشبيحته.
ثم فإن من أغرب ما قرأت خلال تحرير المدن السورية تباعا، وقبل تحرير دمشق الأخير هو بيان الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي يقول من ضمن ما يقول: “يؤكد الحزب الشيوعي الإسرائيلي، في بيان لمكتبه السياسي، الصادر بعد اجتماعه الدوري في نهاية الاسبوع، أن التطورات الخطيرة الجارية في سورية، تؤكد حجم المؤامرة الدولية التي تستهدف سورية الوطن منذ سنوات طوال، حيث باتت مكشوفة للعلن، وبالذات التعاون والتنسيق التركي الإسرائيلي الأمريكي، وأدواتهم، المتمثلة بتنظيمات أصولية إرهابية، ومعها حركات مختلفة تحمل أجندات تخدم الاستعمار الإمبريالي، لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية للشعب السوري”.
في الواقع يحتار المرء أحيانا في كم التدليس والكذب وتزييف الحقائق الذي يمارسه هذا الحزب والذي يحاول من خلاله كي وعي الناس، وهو يعتقد ان الناس ما تزال تتغذى على وجبة “الاتحاد” الإعلامية وأدواتها البالية، وكأنهم يعيشون في عالم غير الذي نعيش فيه أو أنهم يعتقدون أن الناس لا يرون إلا عبر عيونهم، ألم يسمع هؤلاء أن الجيش الإسرائيلي منذ تحرير سوريا من الطاغية بشار قد قام بقصف مخازن الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية وغيرها من الأسلحة، خوفا من أن تقع في أيدي الثوار أو أيدي الدولة السورية الحرة والحكومة السورية القادمة التي ستتشكل قريبا، وماذا يعني هذا الكلام إنه يعني أن هذه الأسلحة التي تعتبرها إسرائيل استراتيجية، كانت آمنة، ولم تكن تشكل أي خطر على إسرائيل يوم كانت تحت سيطرة نظام “سنرد في الوقت والمكان المناسبين” نظام بشار الأسد، وأصبحت الآن بعد سقوط بشار ونظامه وانتصار الثورة السورية المجيدة تشكل خطرا على الأمن الاسرائيلي، ثم فإن هذا النظام الذي كان يتنفس خلال العشرية ونيف من السنوات الماضية بنفس إيراني عبر أذرع إيران المختلفة، كحزب الله، وعشرات آلاف المقاتلين المستقدمين من إيران والعراق وغيرهما تحت مسمى الحرس الثوري الإيراني، هذا النظام التزم الصمت المطبق عندما كان يتعرض حزب الله وإيران (محور المقاومة) لضربات إسرائيلية متتالية، ولم يصدر أي بيان يستنكر الضربات الإسرائيلية أو يدعم المحور الذي يُعتبر أحد أضلعه، ثم فإنه من المعروف أن الحدود مع سوريا (الأسد!!) هي الأكثر أمانا من بين كل الحدود التي تتشاركها إسرائيل مع الجوار العربي، فكيف إذن ستكون إسرائيل شريكة أمريكيا وتركيا في إسقاط نظام بشار.
ثم كيف لتركيا أن تتعاون مع إسرائيل (حسب بيان الحزب الشيوعي الإسرائيلي) في إسقاط بشار ونظامه الفاسد ومواقف تركيا من إسرائيل معروفة منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، فهي، أي تركيا، من اتخذت العديد من الخطوات ضد إسرائيل بسبب حربها على غزة، كان من ضمنها قطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل التي يبلغ حجمها 9.5 مليار دولار سنويا حتى تتوقف الحرب على غزة، ويتم إدخال المساعدات الإنسانية إليها، وفيما يلي تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذا الشأن: “خطوة قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل كانت لازمة، وتم اتخاذها، حجم التجارة السنوي مع إسرائيل كان 9.5 مليار دولار، ونحن اعتبرنا أن هذه التجارة غير موجودة، وبدأنا مرحلة جديدة”. ويقول بيان الحزب الشيوعي الإسرائيلي أيضا من ضمن ما يقول: “إن الدور التركي هو دور تخريبي معادي لشعوب المنطقة بمن فيها الشعب التركي، ويأتي لدعم مصالح الناتو في المنطقة والعالم، وطموح أردوغان في إنعاش حلم السلطنة العثمانية” ناهيك عن وصفه -أي البيان- لثوار سوريا بالإرهاب فيقول: ” …. وما تحمله هذه التنظيمات الارهابية من أجندات….”.
وفي الواقع فإن الدولة الوحيدة التي دعمت شعوب الربيع العربي هي تركيا، فهي من فتحت بلادها واستقبلت لاجئي الربيع من مصر وسوريا وآوتهم، وهي من بقيت طيلة عقد من الزمن متمسكة بدعم خيار الشعوب العربية وما أفرزت انتخاباتهم وضحَّت من أجل ذلك، وتعرضت لحرب اقتصادية شعواء شنتها عليها الدول الأوروبية وأنظمة الرجعية العربية التي تتوافق مواقفها مع مواقف الحزب الشيوعي الاسرائيلي وعلمانيي العرب في الحرب على الربيع العربي -عجبا- فمن الذي يدعم الشعوب إذن، وقد رأينا كيف أن الشعب السوري خرج لاستقبال الثورة والثوار بالأحضان والحب فعن أي شعوب يتحدث بيان الحزب الإسرائيلي.
وإن وصف ثوار سوريا الذي خلعوا نظاما مجرما رأينا بعد خلعه طرفا بسيطا من الظلم والإجرام الذي مارسه بحق شعبه بالإرهاب، ليس أنه تدليس وكذب فقط، بل إنه تجنٍّ و… إن الأهوال التي يتحدث عنها الناجون من سجون الأسد لا يمكنني أن أصفها أو ان اكتب عنها لأن كَمَّ الوحشية والحقد والإجرام فيها لا يوصف أبدا، فهل أنتم من مؤيديها؟
إن تخلي كل داعمي بشار عنه في اللحظات الأخيرة من حياة نظامه ليس عبثا، فنظام الممانعة!!! كان يسعى للقفز من الحضن الإيراني والارتماء في حضن من يصفها الحزب الشيوعي أنظمة الرجعية العربية، ولكنها رفضته لعلمها أنه ما عاد من الممكن التعويل عليه، ثم حاول المخلوع بشار قبل أن يهرب ويترك داعميه في الميدان يواجهون مصيرهم على خلاف ما يفعل القادة الحقيقيون الذي يبقون مع حاضنتهم حتى الرمق الأخير، ويفضلون أن يقتلوا معها، حاول بشار ونظامه القفز من الحضن الروسي إلى الحضن الأمريكي، لكن أمريكا أيضا رفضته، ولذلك لفظته روسيا وإيران وتركته يواجه مصيره وحيدا، لتنكشف سوأة نظامه الذي ما كان ليصمد منذ 2011 إلى الآن لولا الدعم العسكري والبشري الروسي والإيراني من خلال الأذرع المختلفة.
فعلى رسلكم إن من تصفونهم بالإرهاب هم من حرروا الشعب السوري من الإرهاب والظلم، وهم من احتضنهم شعبهم بكل الحب والمودة.
وليس أدلّ على ذلك من التواضع الذي أبداه الثوار مع أهلهم وشعبهم عندما دخلوا البلاد محررين، فهذه بعض مقاطع من كلمة ألقاها أحد قادة الثوار في حلب بعد تحريرها: “لقد نهب بشار الأسد وعائلته مواردنا وخيرات بلادنا ليبقوا في السلطة، وهم من الطائفة العلوية لكن المشكلة ليست في الطائفة العلوية بحد ذاتها، المشكلة أنه استعصم فيها لكي يهيننا ويستعبدنا نحن أهل السنة في سوريا. لقد استباحنا منذ أربعين سنة هو وأبوه، وأنشأوا نظامًا استبداديا قمعيا وأمنيًا منعونا فيه من رفع رؤوسنا، عليك فقط أن تكون عبدًا في حظيرتهم ولهذا السبب ثرنا عليهم، ووقفنا في وجه هذا النظام. وبفضل الله عز وجل ومنِّه علينا، نحن اليوم في حلب، حلب العراقة وحلب الأصالة وحلب الحضارة وحلب التاريخ وحلب الصناعة وحلب درة الشام، فالفتح لا يكون بفتح الطرقات أو الأحجار بل بالشعب الفاتح، حلب بأهلها وأناسها، أنتم منا وفينا، ونحن منكم وفيكم، ونحن أبناؤكم البلد بلدكم، والأهل أهلكم. وكما قال شيخنا تعليمات القيادة العامة لإدارة العمليات العسكرية صارمة وواضحة، يمنع التعرض لأي أحد، أو التعدي على ممتلكاته، مهما كانت طائفته، وليس المسلمين فقط، سواء المسيحيين أو الأرمنيين أو أي طائفة أخرى في حلب، فهم أهل سوريا، وهم أهلنا وأُناسنا،
دماؤهم معصومة وأموالهم معصومة وممتلكاتهم معصومة ولا يمكن لأحد أن يتعرض لهم…”.
مبارك عليكم أيها الأهل السوريون وعساه يهلُّ الربيع من جديد من أرضكم على سائر البلاد.