أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (225) الفرار وما بعد الفرار إلى أين المفرّ؟

حامد اغبارية

1) مع فرار طاغية دمشق الصغير، بشار الأسد، تاركا خلفه بلدا منهارا مدمرا، من صنيعة نظامه البعثي الفاشي البائد، دخلت المنطقة مرحلة من أكثر المراحل خطورة وحساسيّة وفتنا كقطع الليل المظلم…. ثم بشرى تليها
بشائر.. تليها بُشريات… ثم فرجٌ ليست بعده شدّة، وفرحٌ ليس بعده حزن.

2) مما قرأته في صِغري أنَّ أكثر فئة من الناس تنشط عندما ينقطع التيار الكهربائي في مدينةٍ ما هم اللصوص، إذ يستغلون الفوضى التي يسببها الظلام وارتباك الناس وعدم وضوح الرؤية، ليعيثوا نهبا وسلبا وتخريبا واعتداء على الحرمات.

وهذا حال نتنياهو حين نسّق مع زعيم العصابة الأكبر الجالس في وكر الشيطان (واشنطن)، وتسلل كاللصوص إلى الأرض السوريّة الطاهرة يقصف ويضرب ويحرق ويدمّر ويخترق الحدود ويقتطع جزءا من جسدها المكلوم النازف، بعد أن جعله بشار الأسد ونظامه الدموي جسدا مُنهكًا مستباحا لكل ناقص وفاسد وفاجر. فعل نتنياهو ذلك وهو يضحك مسرورا جذلا، لأنه يعتقد أنه بذلك يمضي في طريق أسلافه نحو تحقيق أوهام الحلم الصهيوني، وهو
-لغبائه- لا يدري أن الطريق مسدود، له اتجاه واحد ينتهي إلى هاوية سحيقة ليس لها قرار.

3) ومما قرأته في كِبري أن صبيان اللصوص، الذين قرأتُ عنهم في صغري، يقعون في نهاية الأمر في قبضة القانون، بعد أن تمتّعوا قليلا، وشربوا نخب انتصارهم الوهمي حتى الثمالة، وأنفقوا وسهروا ورقصوا وتمايلوا طربا. والقانون- كما تعلمون- لا يرحم اللصوص، هذا في قانون البشر، فكيف بقانون رب البشر؟

4) الآن سيخرج المتشدقون من أنصار الظالمين وأعوان الطواغيت؛ سيخرج الذين رضعوا من حليب الضباع ويسألون بكل وقاحة وصفاقة: أين ثواركم؟ ها هو نتنياهو يقصف دمشق وهم يحتفلون بنصرهم على بشار! لماذا لا يردون عليه؟ لماذا لا يحمون دمشق وسوريا من العدوان الإسرائيلي؟

أسئلة مقنعة…!!

حقا، لماذا لم تردوا أيها الثوار؟ أم أنكم ستنتظرون 26 سنة وترددون كما ردد بشار ومن قبلِه أبوه: سنرد في الوقت المناسب والمكان المناسب؟

اتركوا البلد للفلول واللصوص والمفسدين، واتركوا الساحات والميادين كي يعيث فيها الفاسدون خرابا، واذهبوا إلى الجبهة وحرروا الجولان الذي سلمه الطاغية الأكبر، حافظ الأسد، لتل أبيب على طبق من ذهب! وادحروا جيش الاحتلال من القنيطرة…!!

وقاحة دون ضوابط…!

ذلك أن الأصل في سلوك الشرفاء أن يقولوا: أيها العرب، أيها المسلمون، أيتها الأنظمة العربية… أيها الأردن، أيها العراق، يا مصر، يا جزائر، يا تونس؛ إن سوريا الآن في مرحلة انطلاق جديد وتحتاج وقتا حتى تتعافى مما فعله بها نظام الطغاة، فمدوا لها يد العون وأنقذوها من العدوان.

ولكن…

هذا لا يقوله إلا الشرفاء، ولا يستجيب له إلا الشرفاء. فمن أين يأتي هؤلاء وهؤلاء بالشرف وهو لا يباع ولا يشترى في الأسواق؟

من أين يأتي به هؤلاء وهم صنيعة الدجال ومن جنوده؟

من أين ينالون هذه المرتبة الرفيعة وهم ثمرة من ثمار مخطط كبير السحرة؟

كيف ينالون هذا المقام وهم أحفاد أبي رغال وابن العلقمي وشاور والصالح إسماعيل والشاه إسماعيل الصفوي ويعقوب حنا المصري (الشهير بيعقوب اللعين)؟

5) ستنهض الشام، ودمشق وحلب وحماة، وسينهض شعب سوريا المكلوم، ويعضّ على جراحه. وستخرج العنقاء من تحت الرماد، وإلى ذلك الحين، وأظنه لن يطول، ستكشر كلاب الأرض عن أنيابها لتنهش جسدها، وتخرّب وتفتت وتتآمر وتخطط. ولسوف نسمع ونرى في الإعلام (العربي قبل الغربي، قبل الإسرائيلي)، ما لا يتخيله عقل من شيطنة وتشويه وتزوير للحقائق، وسيطال الإسلام والمسلمين من الأذى الكثير، لأنّنا في زمن أصبح الفساد فيه هو الأصل، والنقاء والطهارة طارئين لا مكان لهما في مملكة الدجال.

ولسوف تُشحذ سكاكين الغدر، من القريب قبل البعيد، في محاولة لتكرار المشهد الذي نجحوا فيه في مصر، ضد الإخوان المسلمين وضد الرئيس الشهيد محمد مرسي. سيحاولون، لكنّهم سيفشلون، إذ لا دولة عميقة في سوريا كما كانت في مصر، وليس هناك مجلس عسكري يتآمر، ولا مخابرات مدنية وعسكرية تقدم التقارير الكاذبة لإفشال الرئيس، ولا إعلام مُوالٍ للدولة العميقة يشيطن ويشوه ويحرّض ويكذب. فزمام الأمور بيد الثوار، بعد أن مهروها بالدماء. وربما يحاولون تكرار المشهد الليبي أو التونسي، لكنهم أيضا سيفشلون. سيبعثون بعوث الوسواس الخناس على هيئة دبلوماسيين وسياسيين وخبراء وغيرهم، ليوعزوا لضعاف النفوس سوء أعمالهم، لكنهم لا يعلمون أن ابن الخطّاب الشاميّ يكمن لشياطينهم في ميدان الأمويين، ليسد عليهم كل طريق حتى ينسيهم وساوس الشيطان.

6) وسوف نسمع العجب العجاب وهم يفتشون بسراج وفتيلة عن أي خطأ أو كلمة أو شطر كلمة أو نظرة أو همسة أو حركة شفتين أو حركة يد كي يخرج إعلامهم وعلى رأسه الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي ليصيح: أريتم؟ لقد قلنا لكم. لقد حذّرناكم…! لقد نصحناكم… قالنا لكم إنهم يريدونها إسلامية. وليس مجرد إسلامية.. بل إسلامية سُنّيّة… وسوف تُهضم حقوق المرأة والشواذ، وستعاني الطوائف الأخرى والأقليات. انظروا… إنهم يكتبون في ديباجة دستورهم الجديد إن الديانة الرسمية لسوريا هي الإسلام، وإن الإسلام هو مصدر التشريع… يا ترى! هل سيكون الإسلام مصدر التشريع الوحيد، أم مصدرا من مصادر التشريع؟ لا بد من فحص كل كلمة وحرف وفاصلة ونقطة.. وإلا فيا للهول، يا للمصيبة!! أدركوا سوريا، فإنها تضيع… يا أمريكا، يا مؤسسات حقوق المرأة، يا جمعيات الشواذ، يا سراديب شُذاذ الآفاق، يا أمم يا متحدة… تحركوا قبل فوات الأوان…
ستسمعون مثل هذا وأكثر..

لكن الشام ستنهض نهضة المارد، وستمضي لا تلتفت إلى الخلف. لأن الفارس الشاميّ الواحد لا يلتفت إلى أقل من ألف!
ستبذل الكلاب المسعورة كل وسيلة لتقسيم سوريا إلى كانتونات طوائف، كردية وعلوية ومسيحيّة ودرزية.. ولا تستغربوا إن خرجت حملة صليبية جديدة لحماية “مقدسات وهمية” و “أقليات مسحوقة”….

7) الوسيلة الوحيدة التي يمكن لواشنطن وتل أبيب اختراق سوريا من خلالها وزعزعة أمنها وإدخالها في صراعات داخلية على غرار النموذج الليبي، هو تحريض ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الكردية. فهذه مجموعة مارقة عملت طوال سنوات الثورة السورية لصالح نظام آل الأسد ولصالح أمريكا وتل أبيب، ولها علاقات مع كل أشرار العالم. ورغم أنها لا تمثل جميع الأكراد في سوريا، إلا أنها إلى ما قبل الحدث المزلزل كانت تسيطر على مساحات واسعة من الأرض السورية، بدعم من الولايات المتحدة ومن الاحتلال الإسرائيلي. لكن قيادة الثورة السورية أدركت وتدرك هذه المسألة تماما، ولذلك تعمل منذ اللحظة الأولى على تضييق الخناق على “قسد”، من خلال تحرير المدن والمناطق الواقعة تحت سيطرتها. سيحتاج الأمر إلى وقت غير قليل، لكنه سينتهي في نهاية المطاف إلى إنهاء دور هؤلاء أو تحجيمه بحيث لا يشكل خطرا على وحدة الأراضي السورية. فالذي يبدو لي أن قيادة الثورة السورية تعلمت الكثير الكثير. تعلمت من أخطائها خلال سنوات الثورة، واستفادت كذلك من تجربة الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس واليمن. لذلك فإن واقع الحال في سوريا سيكون مختلفا.

8) لا يمكن فصل ما حدث ويحدث في سوريا عما يحدث في غزة. وسيكون لهذه العلاقة في قادم الأيام ما يؤكد أن المنطقة دخلت مرحلة غير مسبوقة، ستغير مجرى التاريخ. مرحلة لها تأثير ليس على منطقتنا وحسب، بل وعلى السياسة العالمية.

9) ستحتاج سوريا الشام إلى وقت لتتعافى وتضبط الأمور وتقف على أرض صلبة تنطلق منها نحو المستقبل. لا مستقبل سوريا فحسب، بل مستقبل الأمة كلها. فدور سوريا الشام في تاريخ الأمة ذو شأن عظيم يعرفه كل قارئ للتاريخ. وإن كان نظام آل الأسد قد نجح في حرف سوريا عن دورها التاريخي طوال عقود دامية، إلا أن المستقبل يحتفظ لسوريا الشام ولبلاد الشام بدور أكبر وأعظم من كل الأدوار التي لعبتها في تاريخها المشرق.

10) سنة أو سنتان أو ثلاث ربما تشهد خلالها سوريا والمنطقة فِتَنًا عظيمة يصنعها جند الدجال من خارج سوريا ومِن حولها، وبطبيعة الحال من داخلها. ذلك أنه لن يهدأ لواشنطن وتل أبيب ومن لف لفهما بال حتى يعيثوا في أرض الشام فسادا وإفسادا. لكنها فتنُ تمحيصٍ ستنتهي إن شاء الله إلى خير.

11) انتهى الدرس يا غبي… لقد انتهت لعبة الشيطان… لم يعد يفيد يشيء. فالشام لا أحد يلعب معها بعد اليوم… فإلى أين المفرّ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى