شمال غزة.. خرج محمود بحثا عن طعام فعادت جثته برصاصة إسرائيلية
فقد الفلسطيني رياض عودة نجله محمود قبل نحو ثلاثة أسابيع، بعدما خرج للبحث عن “دقيق” في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة الذي يعاني حصارا إسرائيليا متواصلا منذ 52 يوما.
صبيحة اليوم الذي قُتل فيه برصاصة طائرة مُسيّرة إسرائيلية، خرج محمود باحثا عن ما يسد به رمق عائلته الجائعة المكونة من 8 أفراد.
ولا تزال عائلة عودة، مع أكثر من 80 ألف فلسطيني آخرين، ترفض مغادرة شمال قطاع غزة حتى اليوم، رغم إنذارات الإخلاء الإسرائيلية وتعميق الاجتياح العسكري والمجاعة والعطش.
ويقول الوالد عودة “فقدت ابني البكر بعمر 22 عاما بسبب الطعام الذي لا يتوفر للمحاصرين المجوعين بأمر الاحتلال في شمال قطاع غزة”.
ويضيف “لقمة الطعام في بيت لاهيا والمناطق المحيطة بها مغمسة بالدم فعليا، فكل حركة محسوبة وقد يقدم في سبيلها الشخص حياته”.
ويوضح أن “الأهالي المحاصرين يضطرون يوميا للخروج من منازلهم للبحث عن المياه والطعام في المناطق القريبة منهم، لكن الاستهدافات الإسرائيلية تترقبهم فتقتل وتصيب بعضهم”.
وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحا بريا لشمال قطاع غزة، بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”.
بينما يقول فلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
وضع مأساوي جدا
منذ أسابيع نفد الطعام لدى عائلة الحاج مهدي شبات، الذي ينحدر من بلدة بيت حانون وينزح حاليا في مشروع بيت لاهيا.
ويقول شبات “نعيش على الماء والملح وأحيانا بعض أرغفة الخبز، ورغم ذلك لا نفكر بالنزوح أبدا من شمال قطاع غزة”.
ويصف الوضع المعيشي لعائلته المكونة من 10 أفراد وباقي العائلات بـ”المأساوي جدا”.
ويتابع “بصعوبة بالغة نوفر المياه من مستشفى كمال عدوان أو من أحد الآبار التي تعمل بشكل متقطع كل أسبوع مرة واحدة على الطاقة الشمسية”.
ويحكي “نحصل على المياه وفوقنا الطائرات المسيرة تطلق النيران والقنابل والقذائف المدفعية تتساقط حولنا بشكل كثيف وشظاياه تصيب الناس”.
وفي أحدث جرائمها بحق المحاصرين بمناطق جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، قصفت إسرائيل مستشفى كمال عدوان مؤخرا، ما أدى ضمن أضرار مادية أخرى كبيرة إلى انقطاع الكهرباء وإتلاف خزانات المياه.
أما عن مشقة توفير الطعام يكمل شبات حديثه “دخلنا في أسابيع الحصار الأولى المنازل التي تركها أهلها وأخذنا ما وجدنا فيها من طعام، لكن مع الوقت كل ذلك نفد واليوم حرفيا لا يوجد لدينا أي طعام”.
“لن نترك أرضنا”
المأساة نفسها تعيشها عائلة محمد المصري في بلدة بيت لاهيا، ويقول: “نموت جوعا وعطشا تحت القصف”.
ويضيف “الاحتلال مُصر على قتلنا رغم كل المطالبات الدولية بإدخال الطعام والشراب لنا نحن المحاصرين في شمال قطاع غزة”.
ويزيد “نرفض ترك أرضنا للمحتل ونخرج حتى لو لم يبق إلا التراب لنأكله. الموت أهون علينا من تلك اللحظة”.
وحسب المصري فإن أطفاله الثلاثة “يشعرونه دائما بالحسرة، خاصة عندما يطلبون الطعام ولا يتمكن من توفيره لهم”.
ويتابع “لم نتلقَ أي مساعدات منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية وحتى قبلها بنحو شهر ولا يوجد لدينا أي مخزون من الطعام لذلك الوضع مأساوي جدا لدى كل من يعيش في شمال قطاع غزة”.
عقاب جماعي
يجمع الأهالي الذين لم يغادروا شمال قطاع غزة، رغم إنذارات إسرائيل، أن ما يعيشونه اليوم من حصار وعطش وجوع “هو ضريبة لصمودهم ورفض ترك منازلهم”.
ويقول يزن الأسمر من مخيم جباليا: “اعتدنا على سياسة العقاب الجماعي من الاحتلال وقواته التي تضرب بعرض الحائط كل القوانين والاتفاقات الدولية ولا تحترم معايير إنسانية”.
ويضيف “للعالم أن يتخيل أن هناك آلاف البشر محاصرون منذ نحو شهرين في بقعة جغرافية يمنع الدخول والخروج منها ودون السماح بإدخال ما يسد رمقهم من طعام كيف سيكون حالهم؟”.
وحسب الشاب العشريني “فإن كل محاولات الاحتلال للاستيطان في شمال قطاع غزة ستُكسر أمام صمود الأهالي حتى لو تبقى واحدا منهم هناك”.
يشاركه الرأي الشاب مؤيد البهتيمي من مشروع بيت لاهيا بقوله “رفضنا أوامر الاحتلال منذ بدء عمليته العسكرية، وكلما اقترتب منا الآليات الإسرائيلية نهرب إلى مكان أبعد، مع رفضنا المطلق لفكرة الهجرة القسرية”.
ويزيد: “الفلسطيني معروف بعناده أمام الاحتلال، لذلك ستظل كل المحاولات فاشلة”.
و”كل المواطنين الذين تركوا شمال قطاع غزة غادروا مكرهين تحت حمم النيران والقصف، ولم يغادر أحد طوعيا، لذلك لا يمكن أبدا لجيش الاحتلال المدجج بأعتى أنواع الأسلحة تسجيل انتصار علينا”، وفق الهتيمي.
ويعتبر أن “تباهي الجيش الإسرائيلي بإفراغ مخيم جباليا وشمال قطاع غزة من المواطنين ما هي إلا محاولة لترميم صورته المكسورة أمام صمود الأهالي وبسالة المقاومين في الميدان”.
المصدر: الأناضول