نتنياهو، ترامب وبوتين.. ثلاثي في سلّة سياسية واحدة
الإعلامي أحمد حازم
نتنياهو كان أول سياسي في العالم يهنئ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت في الخامس من الشهر الجاري. التهنئة لم تكن عادية، لأنّ نتنياهو غلَّفها بكلمات وصفات فيها الكثير من المبالغة التي تصل إلى حد التملق غير المعقول. فقد قال نتنياهو في تهنئته: “تهانينا لأعظم عودة في التاريخ. إن عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تقدم التزامًا متجددًا بالتحالف القوي بين إسرائيل وأمريكا”.
هل يوجد نفاق أكثر من ذلك؟ فأين العظمة التاريخية في عودة رئيس سابق “بلطجي” إلى منصب الرئاسة؟
أمّا الرئيس الروسي بوتين، فلم يكن أقل نفاقًا من صديقه نتنياهو. فقد قال بوتين على هامش “منتدى فالداي الدولي للحوار”، إنَّ ترامب “رجل شجاع” وإن تصريحاته “تستحق الاهتمام”. وأوضح بوتين أنَّ ترامب تعرض للمطاردة والمضايقة خلال فترته الرئاسية الأولى، ما جعله خائفا من اتخاذ أي خطوة.
لا ندري عن أية شجاعة يتحدث الشيوعي بوتين عن المسيحي الصهيوني ترامب، فهل شجاعته المعجب بها بوتين ناتجة مثلًا عن إعلانه القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل وضم مرتفعات الجولان السورية ونقل السفارة الأمريكية الى القدس؟
في خمسينيات القرن الماضي ظهرت فرقة مسرحية مصرية شهيرة اسمها “الثلاثي المرح”، وتميزت بأعمالها الكوميدية. واليوم لدينا ثلاثي سياسي من نوع آخر يمكن تسميته “الثلاثي العدائي” المتميز بأعماله المعادية للشعوب.
هناك قواسم مشتركة بين هذا الثلاثي. نتنياهو ليس رئيسًا ليهود إسرائيل فقط، بل لكل يهود العالم، وترامب ليس رئيسًا للأمريكيين فقط، بل (عمليًا من الناحية السياسية) هو رئيس لكل العالم، لأنَّ أمريكا هي التي تتحكم بالعالم. وبوتين ليس رئيسًا لروسيا فقط، بل هو رئيس لكل الروس في العالم ومنهم الروس اليهود في إسرائيل والذين يبلغ تعدادهم حسب المعلومات المتوفرة نحو مليون يهودي.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب، فلم يكتف بوتين بوصفه بـ “الشجاع” بل ذهب الى أبعد من ذلك بقوله خلال منتدى “فالداي” إن الاتصال بترامب لن يكون خطأ، مشيرا إلى أنه تأثر أثناء تعرضه لمحاولة اغتيال. ويرى بوتين في رغبة ترامب استعادة العلاقات مع روسيا وتسهيل إنهاء الأزمة الأوكرانية انها “تستحق الاهتمام”. ومن الطبيعي أن يقابل ترامب الإطراء بمثله، فقد أثنى على الرئيس الروسي، ووصفه أكثر من مرة بـ “الذكي”. ولا نعرف من أين أتى ترامب بهذه العبقرية لوصف بوتين بالذكاء وعلى أي الأسس اعتمد بوصفه هذا. هل مثلًا لأن بوتين دمّر سوريا وشعبها من خلال دعمه لنظام الأسد، أم لأنه يقف كمتفرج على ما يجري في غزة؟ ترامب وفي حملاته الانتخابية كثيرًا ما تحدث عن علاقة جيدة تجمعه بسيد الكرملين وأوصل الى مسامعه على أنه قادر على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال أيام، وهذا ما يريده بوتين اذا كان الأمر لصالحه.
وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة اليمينية المتطرفة إيليت شاكيد، وصفت نتنياهو بأنه “الديكتاتور الذي تحركه شهوة السلطة والقوة”. وقد جاء ذلك في تسريب صوتي نشرته القناة (12) الإسرائيلية. هذه الشهوة للسلطة والقوة سمة مشتركة بين الثلاثي نتنياهو وبوتين وترامب.
فوز ترامب في هذه الانتخابات، يقول عنه الناس في الشارع إنه “حظ من السماء”، ويقول عنه بعض آخر “مثلما تكونوا يولّى عليكم”، وهناك فئة تقول “شعب غبي يأتي برئيس غبي”. قد يكون ذلك صحيحًا. فكيف يمكن لمرشح تلاحقه اتهامات دنيئة وبسجل مليء بالبقع السوداء وسلوك منحط أن يكون الرجل الأول في أمريكا؟ ويبدو أنه كلّما كثرت فضائح الرئيس يزداد جمهوره، وكلّما هاجمته وسائل الإعلام ونالت من سمعته ازداد المعجبون به.
ترامب الذي استطاع تكسير كل الحواجز للوصول الى الكرسي رقم واحد في البيت الأبيض، أصبح الآن سيد السلطات بحصول حزبه على غالبية مقاعد الكونغرس بمجلسَيه (الشيوخ والنواب) وعلى المحكمة العليا التي ينتمي معظم قضاتها لحزب ترامب، وبذلك أصبح ترامب “سيّد السلطات” في أمريكا، والأصح صارت الولايات المتحدة “أمريكا ترامب”. وليس من المستغرب أن يحلم ترامب بحكم أمريكا ما دام حيًّا وأن يتلازم اسمه مع صفة “قائدنا إلى الأبد”، تمامًا مثل الدكتاتور السوري الأسد، وربّما جعل أمريكا مملكة غير معلنة يتوارث حكمها من بعده سلالته من آل ترامب مثل عائلة الأسد. لكن الحلم شيء والحقيقة شيء آخر، وليس كل ما يتمنى المرء يدركه.
النزعة التسلّطيّة لدى نتنياهو واضحة جدًا ولا لبس فيها. فقد تخلص من وزير الأمن يوآف غالانت وعيّن مكانه سياسيا من التابعين له، وهو بهذه الخطوة ضرب عدة عصافير بحجر واحد، فقد أصبح القائد السياسي والعسكري المطلق للحكومة والدولة، وأرضى الأحزاب الدينية بطرد خصمها الرافض لقانون إعفاء “الحريديم” من التجنيد، وكسب تأييد القوميين من خلال توفير الضوء الأخضر لهم في مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ولم يبق
أمامه سوى تطويع القضاء والمحاكم ليجعل اسمه “إسرائيل نتنياهو”.
العالم ليس بخير في ظل وجود الثلاثي “أمريكا ترامب” و “روسيا بوتين” و”إسرائيل نتنياهو”، الذين تربطهم قواسم مشتركة لمصالح شخصية وليست لمصالح الشعب.