من نتائج حظر الحركة الإسلامية
توفيق محمد
كان ذلك صبيحة يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر تشرين ثان للعام 2015 بعد إذ قام من يحبون العمل في ظلام الليل باقتحام 17 مؤسسة، ومكاتب الحركة الإسلامية وحظروا كل ذلك، في صبيحة ذلك اليوم كنت أتفقد الدمار والخراب الذي أحدثه أولئك في مكاتب الحركة الإسلامية، وفي نفس الوقت كنت أجيب على تساؤلات عشرات الإعلاميين المحليين من العرب واليهود والأجانب وأُستضاف في كثير من الفضائيات العربية كالجزيرة واليرموك والقدس وغيرها، ورغم أنني كنت أؤكد في كل حديث أنني لم أعد أمثل الحركة الإسلامية لأنها أصبحت جسما محظورا إلا أنني كنت أؤكد في ذات الوقت أنها والمؤسسات التي تم حظرها إنما حُظرت بسبب مواقفها المبدئية من القدس والأقصى والكنيست وسعيها لخدمة شعبها ومجتمعها وتوفير ما أمكنها من احتياجات وإمكانيات لتمكين هذا المجتمع في أرضه، وأن حظر الحركة الإسلامية والمؤسسات الأهلية المختلفة قد أوقف الخدمات التي كان يستفيد منها قرابة نصف مليون إنسان في الداخل الفلسطيني، وحول هذا المحور الأساس كان يدور حوار ربما تكون مدته ساعة أو أقل بقليل، وبينما كنت أستعد لحوار مثيل في نابلس في منطقة فيها تُسمى سما نابلس لصالح قناة اليرموك الأردنية تلقيت اتصالا من لجنة الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة بانتدابي لإدارة خيمة مناهضة حظر الحركة الإسلامية التي أقرت إقامتها لجنة المتبعة العليا في مدينة أم الفحم، والتي بقيت نشطة لمدة ستة أشهر ببرامج يومية صباحا للنساء ومساء للرجال بالإضافة إلى تنظيم مظاهرات واعتصامات في عدة بلدان حتى وصف برنامجها أحد الأساتذة الجامعيين أنها تليق أن تكون برنامجا جامعيا لكثرة المحاضرات التي كانت تستضيفها سواء لأساتذة الجامعات أو الشعراء والأدباء والسياسيين والمثقفين أو المسرحيات أو الندوات الشعرية أو الندوات الحوارية أو غير ذلك من النشاطات اليومية التي كانت تشهدها الخيمة.
عندما تنظر الى الحدث بعد مرور سنوات عليه كأنك تقف على قمة جبل تنظر الى البلد الذي تسكنه فتراه من كل زاوية تدرك حينها حجم البلد وكل منافذه ومخارجه ومشاهده، وكذلك بعد مرور تسع سنوات على حظر الحركة الإسلامية وأنت تنظر إلى الواقع والماضي فإنك تدرك أبعادا أخرى لذلك الحدث، ربما لم تدركها منذ البداية.
في بادئ الأمر كان الأقصى والموقف من انتخابات الكنيست والمجتمع العصامي في صلب الاعتبارات التي كنا نعتقد أنها كانت نصب أعين من اتخذوا قرار الحظر الظالم، رغم أن الحركة الإسلامية قبل حظرها والمؤسسات التي حُظرت لم ترتكب أية مخالفة قانونية تبرر ذلك، ولذلك كان الحظر معتمدا على قانون الطوارئ الذي يخول السياسي إنفاذ قرار لا يعتمد على المسوغات والمبررات القانونية المتعارف عليها، ولكن الآن وبعد مرور تسع سنوات على ذلك، وبعد حالة التدهور غير المسبوق في المجتمع الفلسطيني في الداخل على جميع الأصعدة أصبحت الصورة أكثر وضوحا ولا بد من تسجيل بعض الملاحظات:
1. تدهور حالة الأمن الشخصي وانتشار الجريمة والعنف والأتاوة نتيجة ضعف الوازع الإيماني لدى الأفراد، وإن كان قد بدأ ذلك بعد هبة القدس والأقصى، ولكنه استشرس واستوحش وازداد في نهاية العشرية الثانية من القرن الحالي أي في سنوات 2017 فصعودا، وأنا هنا لا أدعي أن الحركة الإسلامية قبل حظرها كانت ذات سيادة جماهيرية لديها سيطرة وسطوة على الناس، إنما كانت الحركة الإسلامية قبل حظرها تحظى بمكانة اجتماعية وشرعية وتقدير واحترام بين الناس تصل إلى حد أن الناس تستحسن ما استحسنت وتستنكر ما استنكرت وتستجيب لنداءاتها الشرعية، وكانت هيبة الدين وشرائعه وهيبة الحلال والحرام التي أكدتها في حياة الناس هي الفيصل في كل شيء، ولكن بعد الحظر وكأن سدا قد انهار وأحدث سيلا في المجتمع نحو استحلال الحرام وأصبح المحظور شرعا مستشريا في حياة الناس، ومن أجل السيطرة عليه هناك حاجة لجهود كبيرة ومضاعفة من مخلصي هذا المجتمع.
2. تدهور الحالة الحزبية: رغم التباين الفكري بين الأحزاب المختلفة إلا أن هناك إجماعا لديها ولدى المثقفين والأكاديميين أن الحالة الحزبية وإن كانت لا تشكل مجتمعة أكثر من ثلاثين إلى أربعين بالمائة من المجتمع، لكنها تشكل السياج السياسي الآمن للمجتمع، ولما كان هذا هو الحال جاء تعامل الدولة الإسرائيلية مع هذه الحالة على هيئتين الأولى عبر القبضة الخشنة بحظر الحركة الإسلامية ومنع نشاطها والثانية عبر بث مجموعات التيئيس والتثبيط في مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل على تحميل المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع للقيادات السياسية بهدف تيئيس الناس من العمل الحزبي في مسعى إلى إعادة حالة “المخترة” إلى الواجهة، وإن لم يكن بمسماها وهيئتها القديمة، إنما باعتماد نهجها وأسلوبها الذي يسعى لتغليب المطالب الحياتية اليومية الفردية على المطالب السياسة الجمعية والتصرف كأفراد وليس كشعب، وأصبح أصحاب هذا التوجه تيارا فاعلا في الساحة السياسية لا يتورع عن اقتحام الممنوعات في العرف الوطني الفلسطيني، بل وأحيانا في العرف الديني.
3. توهين لجنة المتابعة العليا والتقليل من شأنها وقيمتها وذلك عبر بث عشرات إن لم يكن مئات النشيطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي للانتقاد اللاذع بل للدعوة إلى إلغاء لجنة المتابعة واعتبارها جسما منتهي الصلاحية، وغير ذي أهمية وأنها لا تواكب هموم الشعب والوطن، وكثير من الادّعاءات التي تصب في خانة التيئيس والتثبيط في صفوف الشباب.
4. تنشيط أجسام سياسية عربية – يهودية ذات برامج مشبوهة والترويج لها في أوساط جيل الشباب بالذات.
5. تنشيط الجمعيات ذات التمويل المشبوه، منها التي تسعى الى ترويج الشذوذ الجنسي، ومنها التي تسعى إلى ترويج الشذوذ الاجتماعي أو السياسي وتزويدها بالإمكانيات المالية، وفتح المجال أمام جمعيات اليمين المتطرف لتعمل في أوساط الشبيبة بحجة دعم التعليم أو مكافحة الجريمة والعنف، وهي ليست سوى غطاء تسعى لاستقطاب الشبيبة في صفوفها عبر ادعائها بمكافحة الجريمة التي يعتبر مسؤولو هذه الجمعيات سببا رئيسا في إنزالها على شعبنا وأهلنا، وفي الحقيقة، فإن هذه الجمعيات لا تسعى الى مكافحة العنف والجريمة إنما إلى ماهية الاستقطاب وتغيير المفاهيم والقيم لأبناء الشبيبة وصناعة قيادات مستقبلية تكون متقبلة للقيم الصهيونية والرواية اليهودية ومكتفية ببعض منح مالية فردية.
6. كانت الحركة الإسلامية قبل حظرها الجسم الأكثر قدرة على الحشد، ولذلك عندما كانت تدعو لمهرجان أو مظاهرة كان نداؤها يستقطب عشرات الآلاف، ولم يكن بإمكان أي جسم أن يحشد كذاك الحشد وليس موجودا الآن، فجاء حظرها عبر القبضة الخشنة ثم جاء بعد ذلك توهين القيادات السياسية للمجتمع وترويج قيادات الجمعيات والحركات ذات القيادة المشتركة عربا ويهودا لإعادة شعبنا إلى سنوات ما بعد النكبة مباشرة، شعب بلا قيادة، مفتت، ومخترق، وبالإضافة الى ذلك تفتيت نسيجه الاجتماعي.