كيف نفهم الموقف الأمريكي (2)
الشيخ رائد صلاح
متابعة للمقالة السابقة الأولى التي كانت بعنوان (كيف نفهم الموقف الأمريكي)، سأجتهد أن افصل ما كتبته من خطوط عامة في تلك المقالة، وها أنذا أستند في هذا التفصيل إلى كتاب (الصهيونيون المسيحيون على الطريق إلى هرمجدون) للمؤلف (ستيفن سايزر)، وقد نُشر هذا الكتاب باللغة العربية عام 2004، ثم تبع ذلك نشر كتاب آخر للمؤلف (ستيفن سايزر)، عام 2007 بعنوان (الصهيونية المسيحية خارطة الطريق إلى هرمجدون)، وسلفا أقول سأعتمد في هذه المقالة على الكتاب الأول (الصهيونيون المسيحيون على الطريق إلى هرمجدون)، وسأجتهد أن أواصل كتابة هذه السلسلة من المقالات عبر فقرات، وسأجتهد أن أضع عنوانا لكل فقرة زيادة في التوضيح:
1- من هم الصهيونيون المسيحيون:
حول هذا السؤال يقول سايزر ص 96: (… الصهيونية المسيحية كحركة ترجع في جذورها الفكرية إلى الحركة الإنجيلية البريطانية في القرن التاسع عشر، ثمَّ أصبحت مؤسسة من خلال عقيدة التدبيرية وتغلغلت في الحركة الإنجيلية الأمريكية الرئيسة في القرن العشرين).
ويقول ص 131: (ليست “كارين ارمسترونغ” الوحيدة التي بحثت ضمن الصهيونية المسيحية الغربية عن أدلة لتراث الصليبيين. وأكدت أن هؤلاء الأصوليين “قد عادوا إلى الصليبية الكلاسيكية الدينية المتطرفة”.
وهذا يعني أن هذه الحركة تحمل في داخلها الموروث الصليبي الغربي وأحقاده البشعة، إلى جانب تبنيها لفهمها الخاص الشاذ للعهد القديم والجديد، ثم تنزيل هذا التزاوج بين الموروث الصليبي الغربي والفهم الشاذ الخاص للعهدين القديم والجديد على أرض الواقع، والسعي للتحكم بالقرار الرسمي السياسي الأمريكي بناء على هذا التزاوج، بالضبط كما فرضت هذا التزاوج على القرار الرسمي السياسي البريطاني في بدايات نشوئها التي كانت في بريطانيا ثم انتقلت إلى أمريكا.
2- نظرة سريعة إلى جذور الصهيونية المسيحية:
يقول سايزر ص26: (ترجع الصهيونية المسيحية في جذورها الفكرية إلى حركة الإصلاح البروتستانتية)، وكان أحد مؤسسي هذه الحركة في بريطانيا هو اللورد شافتسبري (1801- 1885) (الذي اقتنع بأن عودة اليهود إلى فلسطين لم تكن نبوة في الكتاب المقدس فحسب، ولكنها تصادفت مع المصالح الاستراتيجية للسياسة الخارجية البريطانية، والآخرون الذين شاركوه هذه النظرة، بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة، هم اللورد بالمرستون، ودايفد لويد جورج، واللورد بلفور)- سايزر-.
أمّا اللورد بالمرستون الذي شغل منصب وزير الخارجية البريطانية، فيقول عنه شافتسبري في مذكراته: (.. لقد تم اختيار “بالمرستون” من قبل الله ليكون أداة تعمل لصالح شعب الله القديم وليقوم بواجب إعطائهم ميراثهم). وأما دايفد لويد جورج الذي أصبح رئيسا للوزراء في بريطانيا في عام 1919 فقد كان (صهيونيا باعترافه الشخصي، وكان يتبنى أفكار مشابهة لأفكار شافتسبري)- سايزر-.
وأمّا اللورد بلفور فيقول عنه سايزر: (.. وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 أعلن اللورد بلفور الصيغة النهائية للرسالة التي كتبت إلى اللورد روتشيلد بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي أصبحت تعرف بإعلان بلفور).
والى جانب هؤلاء برز دور الكاهن الأنجليكاني هيشلر الذي أصبح كاهنا في السفارة البريطانية في فيينا في عام 1885، فقد نادى في كتابه “عودة اليهود إلى فلسطين” (1894) والذي نُشر قبل كتاب هرتسل بسنتين (نادى بالحاجة إلى عودة اليهود إلى فلسطين بحسب نبوّات العهد القديم. أصبح هيشلر الحليف المسيحي الرئيسي لهرتسل في تحقيق رؤيته للدولة الصهيونية) -سايزر-.
وإذا عرفنا أن المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي عقد في بازل كان بحلول عام 1897، وإذا عرفنا أن اللورد شافتسبري كان من مواليد عام 1801 وتوفي عام 1885، فهذا يعني أن الصهيونية المسيحية سبقت الحركة الصهيونية بسبعين عاما على الأقل للدعوة إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
ولذلك لا يتردد سايزر أن يقول ص 34 من كتابه: (وبالحقيقة فإنه من المحتمل أن يكون شافتسبري قد ألهم “يسرائيل زانغويل” و “تيودور هرتسل” لاستحداث وصياغة عبارة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). وكان شافتسبري قبل جيل قد تخيل أنّ فلسطين كانت فارغة، ولذا فقد صاغ شعار: (دولة بدون أمّة لأُمّة بلا دولة). وبناء على ما تقدم كانت المحصلة كما قال سايزر ص 48 من كتابه: (كان تأسيس دولة إسرائيل في عام 1949، بالنسبة إلى الصهيونيين المسيحيين، أمرا طبيعيا وتحقيقا لنبوّات الكتاب المقدس الأكثر أهمية “وأعظم خبر عن النبوات حصلنا عليه في القرن العشرين”). ثمَّ انتقلت هذه الصهيونية المسيحية إلى أمريكا، وحول سر انتقالها يقول سايزر ص41 من كتابه: (وفي غياب حركة يهودية صهيونية قوية، نشأت الصهيونية المسيحية الأميركية من جراء إلتقاء هذه العقائد المعقدة: الإنجيلية، وعقيدة ما قبل الملك الألفي، والتدبيرية، والألفية، والأصولية الأولية..)
3- نظرة عامة إلى الصهيونية المسيحية الأميركية:
كان من أوائل من ساهم في تأسيس الصهيونية المسيحية في أمريكا “وليم بلاكستون”. (وأثناء مدة حياة بلاكستون أكرمه اليهود الصهيونيون مرات عديدة أكثر من أي قائد مسيحي آخر. وفي أحد المناسبات كتب برانديز :
“أنت أب الصهيونية لأن عملك يسبق عمل هرتسل. وفي عام 1918 أعلن إيليشا فريدمان، أمين سر جامعة الهيئة الصهيونية في نيويورك: “رجل مسيحي علماني مشهور، وهو وليم بلاكستون، سبق تيودور هرتسل بخمس سنوات في مناصرته لإعادة تأسيس الدولة اليهودية) -سايزر-. وإلى جانب “وليم بلاكستون” كان من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس الصهيونية المسيحية الأميركية هم: جيري فالويل، وبات روبرتسون، وهال ليندسي.
ودور الصهيونية المسيحية في أمريكا كان ولا يزال كما يقول سايزر ص54 من كتابه: (يقوم هؤلاء القادة المسيحيون ومنظماتهم وجمعياتهم بالاتصال المنتظم مع أكثر من 100 مليون مسيحي أميركي، ومع أكثر من 100 ألف قسيس، ولهم ميزانية مشتركة تزيد عن 300 مليون دولار في السنة.
إنهم يشكلون تحالفا عريضا وقويا للغاية. وهذا التحالف يرسم صورة السياسة الخارجية للولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط ويعطيها الدافع القوي، كما يعطي الحافز لدعم المسيحين لإسرائيل اليوم). فإذا كانت هذه قوتهم وتأثيرهم حتى عام 2004 الذي هو عام صدور هذا الكتاب للمؤلف ستيفن سايزر، فكيف بقوتهم وتأثيرهم اليوم ونحن في أواخر عام 2024 وحتى عام 2004 يدّعي “كرولي” -أحد النقاد- بأنّ 80 ألف قسيس أصولي يقودون هذه الحركة، بالإضافة إلى 100 محطة تلفاز مسيحية. ويذكر “دوك كريكر” بأن 250 منظمة تدعم إسرائيل تأسست في الثمانينيات… يدّعي النقاد مثل كرولي بأن: “واحد على الأقل، من كل عشرة أميركيين هو مخلص ومتحمس للحركة”.
4- ما هي الخطوط العامة لبرنامج الصهيونية المسيحية السياسي؟! حول هذا السؤال يقول سايزر ص 103 من كتابه: (… يوضح المخطط التالي العلاقة التبادلية بين معتقداتها المميزة وبرنامجها السياسي: