مصر: المقاطعة الشعبية لا تمنع زيادة التجارة رسميًا مع إسرائيل
حظيت مصر رسميًا بالمركز الثاني في حجم الشراكة التجارية مع المؤسسة الإسرائيلية عربيًا، طيلة الأشهر الماضية، وفقًا لإحصاءات إسرائيلية وأخرى صادرة عن البنك الدولي، بعد مضاعفة الصادرات من السلع الزراعية والحديد والمعادن ومواد المواد البناء لتصعد إلى 350 مليون دولار بحلول يوليو/تموز2024، مع توقع بلوغها إلى نحو 700 مليون دولار بحلول عام 2025.
وتدفع أزمة الطاقة الحكومة إلى التهافت على زيادة وارادات مصر من الغاز الإسرائيلي، والتي ارتفعت من 850 مليون قدم مكعب إبريل/نيسان 2024، إلى 1.2 مليار قدم مكعب، في أغسطس/آب الماضي، وفقًا لاتفاق بين الحكومة المصرية وإسرائيل يقضي بزيادة التدفقات اليومية من الغاز المنتج في حقلي تمار وليفياثان إلى 1.6 مليار قدم مكعب يوميًا، بحلول عام 2026.
ضغوط رجال الأعمال
يمارس عدد من رجال الأعمال ضغوطًا على الحكومة لدفع الشركات المحلية إلى التوقف عن دعم حملات المقاطعة التجارية مع إسرائيل والشركات الغربية الداعمة للاحتلال، مستفيدين من منح الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة تسهيلات تجارية، منها حق دخول منتجات الملابس الجاهزة والسلع الغذائية بأي كمية وبدون جمارك للأراضي الأميركية، وفقًا لاتفاقية “الكويز” بشرط مشاركة الشركات الإسرائيلية بنسبة تصل إلى 10.5% من مكون المنتج.
تبدو إسرائيل غير مهتمة بمقاطعة بضائعها التي تدفعها إلى الأسواق المصرية، لحصرها على تصديرها للأسواق الأوروبية والأميركية ذات الدخل الأعلى، مع تصدير المنتجات ذات الجودة الضعيفة وبأسعار مبالغ فيها لمصر خدمةً لاتفاقية “الكويز” كما يؤكد مسؤولون في اتحاد المستثمرين المصريين، بينما يحرص المحرضون على رفع المقاطعة على توجيه وسائل الإعلام بمعلومات تربط المقاطعة بزيادة أسعار السلع والبطالة والحيلولة دون تدفق الاستثمار الأجنبي للأسواق المحلية.
وهدأت دعوات النشطاء وثلة البرلمانيين والسياسيين الذين قادوا حملات شعبية للمقاطعة، مع بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما ما زالت حملات المقاطعة تحتفظ بجذوتها – وإن خفتت – على وسائل التواصل الاجتماعي.
استمرار المقاطعة وخسائر الداعمين
وأصابت الحملات سلسلة مطاعم KFC كنتاكي بخسائر فادحة أدت إلى إغلاق بعض فروعها، ووفقًا لبيانات رسمية للشركة فقد تراجعت أرباح “ماكدونالدز” في مصر متأثرة بالمقاطعة المحلية التي امتدت إلى منطقة الشرق الأوسط والدول الإسلامية في جنوب آسيا. ولجأت شركتا بيبسي وكوكا كولا إلى حملات ترويجية موسعة، باستخدام شخصيات فنية وكروية شهيرة، لتحسين سمعتهما، من دون أن تتمكنا من مواجهة حملة المقاطعة التي دعمت صناعة المشروبات الوطنية، للحد من سطوتهما.
كما انخفض إقبال الجمهور على الشراء من محلات “كارفور” الفرنسية، التي بدأت تنسحب من الأردن، وتخطط الشركة صاحبة امتياز العلامة التجارية في مصر لتغيير العلامة إلى شركات بديلة خلال الفترة المقبلة.
ويبدي المقاطعون قلقًا من اختفاء البدائل التي بدأ أغلبها بالتحسن، خاصة المنظفات والأطعمة، بينما انخفضت مبيعات السلع الفاخرة والملابس من العلامات التجارية الكبرى، مع تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، وصعوبة حصول المستوردين على الدولار لشراء تلك المنتجات، وطرحها في الأسواق بأسعار تنافس البدائل المصرية.
محاولات للقضاء على المقاطعة
يوضح أمين لجنة المقاومة الشعبية الفلسطينية في القاهرة عبد القادر ياسين أن هناك محاولات كثيرة للقضاء على فكرة المقاطعة بين جمهور المستهلكين، مؤكدًا أن هذه الجهود ستبوء بالفشل، لأن المقاطعة انتقلت من مرحلة الدعوة إليها إلى جيل من الأطفال والشباب المؤمن بها، وبقدرتها على التصدي للاحتلال، والذين ينهون الكبار عن شراء بضائع مقاطعة. ويستشهد ياسين بأحفاده الذين يذكرون آباءهم عندما يذهبون إلى المراكز التجارية، بالسلع الواجب مقاطعتها، وإن كانت تحقق لهم ما يطلبون من رفاهية.
يبين ياسين أن طول أمد الحرب جعل فكرة المقاطعة تفتر وتتلاشى في بعض الأماكن والمجتمعات، وكأن الاعتداد بها جاء في إطار مناسبة وانتهت، مشيرًا إلى تراجع دور القوى الوطنية في دعم المقاطعة مما أضعفها.
ويدعو ياسين جمهور المقاطعة للمنتجات الداعمة للاحتلال إلى تطوير أساليب الدعوة إلى المقاطعة، مع الحرص على عرض البدائل المناسبة من حيث الجودة والسعر ومدى توافرها في الأماكن القريبة منهم، حتى لا تتحول المقاطعة إلى عقاب ومصدر تكلفة للحريصين عليها، مطالبًا أئمة المساجد بالعودة لتذكير الناس بأهمية نصرة القضية الفلسطينية والتصدي لداعمي الكيان المحتل بالمال والسلاح من دول الغرب، بدلًا من الاكتفاء بالدعاء لنصرة غزة، من دون ذكر المعتدي والداعم له من الدول والشركات.