حرب التنسيق.. إسرائيل أبلغت إيران مسبقا بالضربة
الإعلامي أحمد حازم
في السادس والعشرين من الشهر الماضي، استفاق الشعب الإيراني على خبر هجوم إسرائيل على منشآت لإنتاج الصواريخ ومنظومة صواريخ أرض-جو وقدرات جوّية إيرانية إضافية. إيران قالت إنّها نجحت في صدّ الهجوم وطمأنت شعبها أن “أضرارًا محدودة” وقعت في بعض المواقع، وقد يكون هذا “التطمين” صحيحًا وقد يكون مجرد حبوب مهدئة للشعب للتخفيف من حدة الضربة.
ويرى محللون أنَّ الضربة الجوّية الإسرائيلية على إيران لم تكن “مزلزلة”، كما توعّد بنيامين نتنياهو، ولم تكن فتّاكة ومميتة كما هدّد وزير حربه يوآف غالانت، بل كانت أصغر من التهديدات والوعيد وأكبر من ردّ عاديّ لخّصها المرشد الإيراني علي خامنئي بعبارتين: “لا ينبغي تضخيمها ولا التقليل منها”.
في الرابع عشر من الشهر الماضي، كتبتُ مقالا بعنوان “حرب الرد والرد بين إسرائيل وإيران”، تحدثتُ فيه عن حرب التصريحات بين الجانبين وقلت: “نحن أمام مشهد حرب الرد والرد بين إسرائيل وإيران” وهذا بالفعل ما حصل وما يحصل الآن. ما نشاهده في هذا الوقت بين إسرائيل و”عدوتها اللدودة” إيران، هي حرب تصريحا ت، والأصح حرب أعصاب فريدة من نوعها، فقبل الضربة الإيرانية لإسرائيل أغرقتنا ايران ببحر تصريحاتها من تهديدات متوعدة بهجوم مؤلم.
أربعة أسابيع قبل ضربتها لإيران، شهدت الدولتان حربًا إعلاميّة وحرب أعصاب كبيرة. نتنياهو كثيرا ما توعد بهجوم كبير على ايران، ومن ثم فعلها، ولكن ليس كما كان متوقعا بحيث لاقى الهجوم انتقادا من قادة إسرائيليين. إيران صعدت من نبرتها، فتوعّدت إسرائيل بردّ “مؤلم”. المرشد الأعلى خامنئي قال ان “إسرائيل أخطأت في الحسابات وإنّ الرد على إسرائيل وأميركا سيكون قاسيًا وصعبًا جدًا”.
الولايات المتحدة تبحث فقط عن مصالحها في كل ممارساتها السياسية والعسكرية حتى في الوضع القائم بين إسرائيل وايران، فعندما نجحت أمريكا في منع نتنياهو من اتخاذ قرار ضرب منشآت نووية أو نفطية وعدم تجاوز الخطوط الحمر، فقد فعلت ذلك لمصالح ذاتية فقط وليس من أجل عدم توسيع الحرب. كيف؟ حسب المعلومات المتوفرة، فإن استهداف المنشآت النفطيّة سيحدث أزمة حادّة عالميّة في أسواق الطاقة ستؤدّي إلى ارتفاع في أسعار النفط والغاز، وستكون لها تداعياتها على الانتخابات الأميركيّة.
أمريكا تخشى من حدوث أزمة اقتصادية عالمية إذا أقدمت ايران على إغلاق مضيقَيْ هرمز وباب المندب، وتحويل القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة إلى أهداف يومية، وتعريض شركات النفط الغربية وأسعار الطاقة للخطر أمريكا حددت سقف الضربة، ونجاح الإدارة الأميركيّة في فرض ردّ على إسرائيل لا يجرّ واشنطن إلى مواجهة عسكريّة مباشرة مع إيران، لأنّ أيّ هجوم إيرانيّ آخر على إسرائيل سيُلزم أميركا بالمشاركة في صدّه، وربّما بشكل أكبر ممّا حصل في صدّ الهجومين الإيرانيَّين في 13 نيسان والأول من تشرين الأوّل.
ويبدو أن الحرب الدائرة بين إسرائيل وايران، هي حرب من نوع آخر، بمعنى انها ليست حربا فعلية، بل هي حرب تنسيقية. فكيف يمكن أن نسميها حربا وأحد طرفيها يعلم الطرف الآخر بموعد شنها مسبقًا؟ اسمعوا الحقيقة:
موقع “أكسيوس” الأمريكي، نقل عن مصادر وصفها بـ “المطّلعة”، أنّ الإسرائيليين استبقوا الهجوم برسالة إلى الإيرانيين نقلتها عدّة “أطراف ثالثة” حدّدوا فيها مسبقًا “ما الذي سيهاجمونه بشكل عامّ، وما الذي لن يهاجموه”. ومن الواضح أنّ “الرسالة الإسرائيليّة كانت محاولة للحدّ من تبادل الهجمات المستمرّ بين إسرائيل وإيران، ومنع تصعيد أوسع”، بحسب الموقع الأميركي.
في الحقيقة أن اسرائيل ترغب اليوم قبل الغد في تدمير كل شيء له علاقة بالنووي في ايران، لكنّها تدرك أنّها لا تستطيع وحدها تنفيذ هذه المهمّة الصعبة والمعقّدة، ولو كان في استطاعتها وحدها تدمير المفاعلات النووية الإيرانية على غرار ما فعلت بمفاعل “تموز” العراقي والمفاعل السوري، لفعلت ذلك منذ زمن.
أمر آخر لا بد من التنويه اليه، هو أنَّ إسرائيل تريد أن تبقى الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولا تريد أن تمتلك أيّ دولة أخرى في المنطقة السلاح النووي، ولا سيما الدول العربية التي أخرجتها إسرائيل من الصراع العربي الإسرائيلي.