أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرالضفة وغزةعرب ودوليومضات

توثيقات عديدة.. لماذا ينسف جنود إسرائيليون مساجد بغزة ولبنان؟

مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها المؤسسة الإسرائيلية في غزة ولبنان، لم تسلم المنشآت الدينية خاصة المساجد من عمليات القصف والتدمير المتعمد عبر سياسة “النسف والتفجير”.

وفي مقاطع فيديو مصورة نشرها جنود إسرائيليون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وثقوا عمليات تدمير وتدنيس مساجد في سلوك اعتبره ناشطون ومسؤولون “استفزازا لمشاعر المسلمين وتحد للقوانين الدولية التي تمنع استهداف دور العبادة”.

وبالتوازي مع تبريرات رسمية واهية، قاد إسرائيليون على مواقع التواصل حملة دعم للحرب على المساجد وسط معارضة داخلية محدودة، رغم ما كشفته وسائل إعلام وحاخامات وخبراء عن دوافعها الحقيقية.

مساجد غزة
نالت مساجد غزة النصيب الأكبر من الاستهداف حيث دمر الجيش الإسرائيلي خلال أكثر من عام ما نسبته 79 بالمئة منها.

وفي أحدث هجماته التي استهدفت المنشآت الدينية، قصف الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت مسجد الفاروق بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، بعد ساعات من استهدافه مسجد الصالحين بذات المنطقة.

وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، في بيان أصدرته في 5 أكتوبر الماضي، إن الجيش دمر نحو 79 بالمئة من مساجد القطاع منذ 7 أكتوبر 2023.

وأوضح البيان أن “الاحتلال الإسرائيلي دمر 814 مسجدا من أصل 1245، بينما تضرر نحو 148 مسجدا”، لافتا إلى أن “تكلفة الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الوزارة بلغت نحو 350 مليون دولار”.

وحتى المساجد التي نجت من التدمير تعمدت إسرائيل تدنيسها، وفي مقطع مصور نُشر 13 يونيو/ حزيران الماضي، ظهر جنود إسرائيليون حولوا مسجد معبر رفح بالمدينة جنوبي القطاع إلى مطعم وملهى.

مساجد لبنان
في 30 أكتوبر المنصرم، نشر صحفيون إسرائيليون ولبنانيون مقاطع مصورة، تُظهر تفجير مسجدين جنوبي لبنان، أحدهما في بلدة أم التوت، فيما لم يحددوا موقع الثاني.

وفي قضاء صور (جنوب)، قصف الجيش الإسرائيلي في 28 أكتوبر الماضي، مسجد بلدة بيوت السياد، فيما أظهرت مقاطع نشرها جنود إسرائيليون في 25 من الشهر نفسه، تفجير مسجد “الرسول الأكرم”، ببلدة الضهيرة.

ومع تصاعد أعمدة الدخان، قال الجنود إن تفجير المسجد “أمر متكامل ونظيف”، وغنوا بسخرية: “سنزيل حكم الحقراء، أهل الخير يفرحون، والصديقون يبتهجون، وأنصار الرب يرقصون فرحا”.

ورصدت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، حتى 29 أكتوبر الماضي، 13 استهدافا عسكريا لمساجد ودور عبادة في البلاد، منذ وسّعت إسرائيل حربها لتشمل معظم لبنان، في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.

حينها، أطلق الجيش الإسرائيلي هجوما هو “الأعنف والأوسع الأكثر كثافة” على لبنان، منذ بدء مواجهات مع فصائل فلسطينية ولبنانية بينها “حزب الله” في 8 أكتوبر الماضي، ما أسقط مئات القتلى والمصابين.

تعمد وتبرير
رغم تعمد الجنود الإسرائيليون نشر توثيقاتهم لاستهداف مساجد غزة ولبنان، فإن الجيش يبرر هذا التدمير بحجة “استخدامها كنقطة انطلاق وتجهيز لهجمات ضده”، دون أن يقدم أي دليل على ذلك.

وعقب قصفه مسجد شهداء الأقصى الذي يؤوي نازحين وسط قطاع غزة، في 6 أكتوبر الماضي، ما أسفر عن مقتل 26 فلسطينيا، برر الجيش ذلك بأنه استهدف “مركز قيادة وسيطرة يتبع لحركة حماس”، دون تقديم أي دليل.

هذا ما أكده أيضا ما جاء في صحيفة “الغارديان” البريطانية، في 3 أغسطس/ آب الماضي، والتي قالت آنذاك إن “الجيش الإسرائيلي لم يرد على أسئلتها بشأن سبب استهداف مسجد ومنازل في مقاطع فيديو سربها أحد جنوده”.

وأمام انتهاكات إسرائيل، تساءل مدير مؤسسة “جسور للتعريف بالإسلام” (مقرها مصر) فاضل سليمان: “‏هل يجرؤ مسلم على تفجير معبد يهودي إلا إذا كان إرهابيا؟، ‏ماذا نسمي من يحرق نسخ التوراة في معبد يهودي قبل تفجيره؟”.

وأجاب سليمان، عبر منشور على منصة “إكس”، في 24 أغسطس الماضي، أن “‏هذا ما فعله جنود الجيش الإسرائيلي الإرهابي”، في إشارة إلى حرق المصاحف وتدمير المساجد في غزة ولبنان.

وفي اليوم نفسه، أكدت حركة “حماس”، في بيان، أن “توثيق جنود الاحتلال جريمتهم النكراء، ونشرها عبر مواقع التواصل، يشير بوضوح لسياسة إجرامية ممنهجة تديرها حكومة الاحتلال النازية، إمعانا منها في حرب الإبادة”.

وتطالب المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول باتفاقيات جنيف لعام 1977، بضرورة حماية الأعيان المدنية، بما فيها دور العبادة، من الهجمات العسكرية، وحظر استهدافها أو تدميرها أو الاستيلاء عليها دون مبرر عسكري.

ويشدد قرار مجلس الأمن 2347 لعام 2017، على أن تدمير الممتلكات الثقافية، بما فيها دور العبادة، جريمة حرب. ويحث الدول الأعضاء على منع استهدافها، وحمايتها بشكل فعّال، وضمان مساءلة المتورطين عن الإضرار بها.

تأييد إسرائيلي واسع
الهجمة المتعمدة على المساجد، أيدها جانب كبير من الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى ادعاء أنها تأتي ضمن استهداف “الإرهاب والإرهابيين وسيرتهم”، وأنها أيضا استجابة “لتعاليم يهودية ووصايا إلهية”، حسب زعمهم.

وفي 25 أكتوبر الأخير، احتفى المتخصص في الاستشارات الاستراتيجية إيجال مالكا، عبر منشور على منصة “إكس”، بنسف الجيش الإسرائيلي، في اليوم نفسه لمسجد الفاروق في خان يونس.

وضمّن منشوره، نص الآية 12 من سفر الخروج بالكتاب المقدس: “إياك أن تعقد معاهدة مع سكان الأرض التي أنت ماض إليها لئلا يكونوا شركا لكم. بل اهدموا مذابحهم، واكسروا أصنامهم، واقطعوا أشجارهم المقدسة”.

وقال مالكا: “نسعى جاهدين، عبر قواتنا الجوية، لتنفيذ الوصية الإلهية في خان يونس”، ليختتم ساخرا: “إمام مسجد الفاروق، لن يتصل بأحد بعد الآن”، في إشارة إلى نسف الجيش للمسجد.

وعبّر المؤرخ العسكري أور فيالكوف، عن ترحيبه بقصف الجيش الإسرائيلي، في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، مسجد “الشهيد سعيد صيام”، في حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة.

وفي اليوم التالي، علّق فيالكوف، على قصف المسجد، عبر منشور على منصة “إكس”، بقوله: “نصيحة للحياة، لا تطلقوا على المساجد أسماء الإرهابيين”.

وزعم أن “سعيد صيام كان الزعيم الأكثر تطرفا في حماس، وكان مسؤولا عن الآليات الأمنية للحركة”، مشيرا إلى أنه “تمت تصفيته خلال عملية الرصاص المصبوب (2008)”.

فيما وصف الناشط الاستيطاني ليشع يارد، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إذاعة مساجد بالضفة لكلمة صوتية للمتحدث باسم “كتائب القسام” الجناح المسلح لحركة حماس “أبو عبيدة”، بأنها “شراكة كاملة في الحرب”.

وقال يارد، عبر منصة “إكس”: “المساجد التي أقامها النازيون (يشير للفلسطينيين) في يهودا والسامرة (الضفة) وغزة، ليست مجرد مبنى ديني، بل معقل إقليمي للإرهاب، فهل يوجد أي سبب لعدم قصفها الليلة؟”.

معارضة إسرائيلية محدودة
ورغم التأييد الإسرائيلي لتدمير المساجد وانتهاك حرماتها، خرجت أصوات داخلية معارضة تقول إن “الشعب المختار يجب ألا يفعل ذلك”، مذكرة بأهمية “الحفاظ على التراث الثقافي خاصة المساجد التاريخية”.

ووجّه كبير حاخامات السفارديم (يهود الشرق) إسحاق يوسف، رسالة إلى كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي إيال كريم، طالبه فيها “بعدم استخدام المسائل الدينية في القتال”.

ونقلت صحيفة “هآرتس” العبرية، في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحذير يوسف من أن “كل ما لا يرتبط مباشرة بالقتال، لا ينبغي استخدامه كاستفزاز”، وعلى وجه الخصوص “المسائل الدينية”.

وأضاف: “شعب إسرائيل هو الشعب المختار”، لذلك “يجب أن نتوخى حذرا إضافيا ونتجنب الأعمال التي لا تفيد القتال وتسبب ضررا لأمة إسرائيل وصورتها في العالم”.

فيما أشارت الصحفية الإسرائيلية نوريت يوهانان، عبر منصة “إكس”، إلى أهمية المسجد العمري الكبير، وهو أحد أقدم مساجد غزة، وقالت إنه جرى تدميره في استهداف من قبل الجيش الإسرائيلي.

وتابعت يوهانان، في 8 ديسمبر 2023: “تاريخ المسجد من تاريخ غزة؛ دار عبادة فلسطينية، أصبحت كنيسة بيزنطية في ذلك الوقت (القرن الخامس)، وفي القرن الثالث عشر تحولت إلى مسجد تحت حكم المماليك”.

وفي 20 أكتوبر 2023، استهدفت إسرائيل المسجد العمري للمرة الأولى، ثم تعرض لقصف مدمر في 8 ديسمبر من العام نفسه، وهو هجوم أقرت به صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

أربعة دوافع
وعما وراء هذه الحملة، كشفت وسائل إعلام عالمية وحاخامات وخبراء إسرائيليون وفلسطينيون، أن استهداف الجيش الإسرائيلي المساجد، خاصة الأثرية، يرجع إلى أربعة دوافع.

أولى الدوافع، هي انتقام إسرائيل من مساجد غزة، لأنها “كانت نقطة تجمع وانطلاق أساسية، للمشاركين في معركة طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر 2023، حسب صحيفة “الغارديان” البريطانية.

وقالت الصحيفة، في 7 نوفمبر 2023، إن “أولى الأوامر التي صدرت للمشاركين في طوفان الأقصى، طالبتهم بضرورة صلاة الفجر في مساجدهم المعتادة التي يحضرون فيها الدورات التدريبية العادية”.

الدافع الثاني، يتمثل في محاولة إسرائيل فصل أهالي قطاع غزة ولبنان عن ماضيهم وهويتهم الدينية، وسعيها إلى محو أي أثر مادي أو معنوي يدل عليها، لا سيما المساجد.

وقالت حركة “حماس”، في بيان 24 أغسطس الماضي، إن “تدنيس واستهداف المساجد وتدميرها، يؤكّد طبيعة هذا الكيان المتطرّف، وجنوده المشبَعين بالحقد والإجرام، وسلوكهم الفاشي تجاه كل ما يمتُّ لهوية الأمة ومقدساتها”.

وكشف الحاخام إليشا ولفنسون عن الدافع الثالث، بقوله: ‏”بعد سقوط غزة سيأتي دور (مسجد) قبة الصخرة، سنهدم هذه الأماكن ونبني هيكل سليمان”، حسب مقطع نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في 25 فبراير الماضي.

قبل ذلك بنحو أسبوعين، أظهر مقطع مصور، نُشر في 12 فبراير الماضي، جندي إسرائيلي يرسم الهيكل المزعوم، على أنقاض مسجد دمره قصف سابق في غزة، ما عدّه مراقبون تمهيد لفكرة “هدم المسجد الأقصى”.

الدافع الرابع لقصف المساجد، لا سيما التراثية منها، كالجامع العمري في غزة، هو التغطية على احتمال سرقة الجنود الإسرائيليين قطعا أثرية تنتمي إلى عصور مختلفة، حسب خبراء أثريين.

السيناريو نفسه، جرى تطبيقه في جامعة الإسراء في غزة، إذ نهبت منها القوات الإسرائيلية أكثر من 3000 قطعة أثرية، قبل هدم الموقع للتغطية على السرقة، وفق بيان للجامعة في 18 يناير/كانون الثاني الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى