أمريكا من هندسة التطبيع مع دول عربية إلى هندسة الحرب بين إسرائيل وايران
الإعلامي أحمد حازم
كل بناية في هذا العالم تقوم حسب تخطيط من مهندس، والعمال يعملون على تنفيذ المخطط بناءً على تعليمات المهندس. والحرب الدائرة الآن في الشرق الأوسط وبالتحديد في لبنان وقطاع غزة، هي حرب خططت لها الولايات المتحدة وتقوم إسرائيل بتنفيذها بدعم الغرب ولا سيما صاحب المخطط، بريطانيا، فرنسا وألمانيا. إذًا هي حرب غير متكافئة بتاتا بين كبرى وأقوى دول العالم والغرب، وبين تنظيمين أحدهما فلسطيني (حماس) والآخر لبناني (حزب الله) بدعم إيراني.
هندسة الحرب الحالية في المنطقة لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقها تنسيقان من نوع آخر كانت الحرب السبب في ذلك. فقد “هندست” أمريكا بعد حرب أكتوبر 1973 اتفاقية التطبيع مع مصر السادات. في البداية كانت أمريكا وزيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات لإسرائيل، حيث لعب وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الدور الأكبر في ذلك. وفي عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، “هندست” أمريكا لعملية تطبيع في عام 2020 بين إسرائيل من جهة، والامارات والبحرين من جهة أخرى، تبعتها بعد ذلك المغرب والسودان.
في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة وحتى قبل أحداث السابع من أكتوبر العام الماضي، فإن أصحاب القرار في المنطقة هم ثلاثة لا رابع لهما: أمريكا، إسرائيل وإيران، بمعنى أنَّ هذه الدول الثلاث هي التي تتحكم بمجريات الأمور مستقبلًا. كيف؟ مستقبل المنطقة مرهون الآن بالرئيس الأمريكي المنتظر، والذي ستفرزه انتخابات الرئاسة الأمريكية في الخامس من الشهر المقبل. فالرئيس الأمريكي القادم هو الذي سيقرر كيفية حسم الأمور في المنطقة، بمعنى إن كانت أمريكا ستستمر في دعم خطط نتنياهو التي لا تبشر بخير للمنطقة، أم انها ستمارس ضغطا متزايدا عليه للتراجع عن خططه التي ليس من المستبعد أن تشعل حربا في المنطقة. وكذلك على الرئيس المقبل تحديد موقف أمريكا من السياسة الإيرانية وكيفية التعامل مع هذه السياسة.
وماذا عن إسرائيل؟ الدولة العبرية تشعر الآن “بانتصار” جزئي بسبب التغيرات التي فرضتها على المنطقة بعد عمليات اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله وقيادات وازنة أخرى لحماس وحزب الله، وتفكر الآن بمرحلة جني ثمار انتصارها، حيث أعلنت عن مشاركتها في صفقة تسوية شاملة مع حماس انطلاقا من موقفها القوي، الذي فتح شهيتها للعمل على تغيير المعادلة في المنطقة.
وفيما يتعلق بإيران، فإن هذه الدولة الفارسية أمام خيارين: إمّا خيار مواصلة المواجهة وإما خيار رفع العقوبات. إذا استمرّت إيران في التصعيد والمواجهة، فإنها ستفقد أكثر ممّا خسرت بالفعل حتى الآن، وإذا تراجعت عن المواجهة من أجل رفع العقوبات الدولية، فإن ذلك بالطبع سيكون لصالحها. لكن ذلك كلّه مرتبط باسم الرئيس المقبل في واشنطن يوم 5 تشرين الثاني.
على كل حال، الهاجس الوحيد لنتنياهو هو القنبلة النووية الإيرانية. بيبي وعلى ما يبدو يفضل الموت على حصول ايران على سلاح نووي في عهده. ولذلك تراه دائما يصرح بين الحين والآخر عن توجيه ضربة للمنشآت النووية
الإيرانية، ولكن ذلك يبقى ضمن “جعجعات نتنياهو” التي كثيرًا ما سمعناها وهي مجرد فقاعات هوائية لغاية الآن. وحتى لو فكر نتنياهو بالمغامرة في ذلك، فإنه وحده لا يستطيع توجيه مثل هذه الضربة بدون دعم أمريكي، تنسيقًا ومشاركة، بمعنى أنَّ إسرائيل ليس في استطاعتها وحدها وقف البرنامج النووي الإيراني.
اذا فاز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فإن الوضع سيتغير كليًا بالفعل في المنطقة، لأنّ إسرائيل ستكون المستفيد الرئيس من هذه التغيرات خصوصًا ان ترامب وخلال رئاسته السابقة قدّم لإسرائيل خدمات على الصعيدين السياسي والعسكري لم يقدمها أي رئيس أمريكي سابق. ولذك سيواصل ترامب دعمه لإسرائيل وسيكون أكثر جهوزية للتصدّي للقنبلة الإيرانية. والأمر لا يختلف كثيرا إذا وصلت منافسة ترامب المرشحة كامالا هاريس على رأس الإدارة الأمريكية الجديدة لأنها على قناعة بأنّه من غير المسموح لإيران امتلاك السلاح النووي.
في هذا السياق، يبدو أن كل شيء مؤجّل في انتظار الإدارة الأميركيّة الجديدة. ورغم ذلك سارعت السعودية إلى الدعوة لعقد قمّة عربية إسلامية في الشهر المقبل سبقتها قمّة مماثلة عُقدت مع بداية الحرب على غزة. واليوم تعود السعودية للقاء ثلاثي مع تركيا وايران، وعلى جدول أعمالهم بند غزة وبيروت. وهذا بحدّ ذاته له دلالات انطلاقًا من مستجدّات الإقليم، بما يوحي بتسوية مقبلة بعد الانتخابات الأميركية.