تأملات في دموع سموتريتش
ساهر غزاوي
مؤخرًا، ظهر وزير المالية الإسرائيلي اليميني بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب “الصهيونية الدينية”، في مقطع فيديو حظي بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث بكى بحرقة وقد بدت عليه ملامح الحزن العميق خلال جولته على بيوت عزاء الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا في غزة ولبنان في الحرب المستمرة التي دخلت عامها الثاني. وقد علق قائلًا: “من جنازة إلى جنازة”، معبرًا عن كثرة المآتم التي يحضرها.
ورغم ما قد تُظهره دموع الوزير سموتريتش من مشاعر، هناك من اعتبرها “دموع التماسيح” وفقًا لأحد المغردين الإسرائيليين. فقد اعتُبرت أيضًا تعبيرًا عن تملصه من تحمل المسؤولية عن الخسائر البشرية في الجيش الإسرائيلي. ويتفق العديد من المغردين على أن استمرار القتال في غزة ولبنان، نتيجة تعنت سموتريتش وبن غفير وغيرهم، سيؤدي إلى مزيد من الخسائر في صفوف الجيش ما لم تتوقف الحرب.
كما يمكن تفسير دموع سموتريتش كنوع من الاستعطاف السياسي، خاصة تجاه الوزير يتسحاق جولدكنوبف، زعيم حزب “يهدوت هتوراة”، الذي طالب بتأجيل التصويت على الميزانية مهددًا بأزمة ائتلافية بسبب تأخر قانون إعفاء الحريديم من التجنيد. يذكر أن سموتريتش دعا الحريديم الرافضين للخدمة العسكرية إلى مشاركة أنصار حزبه في عبء التجنيد، مشيرًا إلى أن حزبه يتحمل ثمنًا غير عادل في هذه الحرب.
من جهة أخرى، قد تعكس دموعه قلقه من تراجع حظوظ حزب “الصهيونية الدينية” في الانتخابات المقبلة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية عدم تخطيه نسبة الحسم لدخول الكنيست.
على الرغم من كل هذه المعاني التي يمكن وضعها في سياقات عديدة ومختلفة، فإن دموع سموتريتش لم تتمكن من إخفاء حقيقة الخسائر العسكرية التي تُصيب الجيش الإسرائيلي وتداعياتها على المجتمع. كما عبّر عن ذلك قبل أن ينفجر بالبكاء قائلًا: “نرى ونسمع قصصًا مؤلمة عن القتلى، ومن بينهم العديد من جنود الاحتياط المسنين والمتدينين والعلمانيين، وأعضاء الكيبوتسات وأعضاء المستوطنات، من جنازة إلى جنازة، من السابعة إلى السابعة يقابل شعب إسرائيل بأكمله”.
تجد إسرائيل نفسها اليوم في حرب استنزاف طويلة على جبهتي غزة ولبنان، الأمر الذي يضغط على الجيش والمجتمع الإسرائيلي. فقد كسرت المقاومة في غزة وفي لبنان القاعدة التي عاشت إسرائيل في ظلها منذ نشأتها عام 1948، واستطاعت أن تنقل المعركة إلى داخل إسرائيل نفسها، مما كسر قاعدة “الحرب خارج الحدود” أو “الحدود الآمنة”. وبالتالي، فإن هذا الوضع يجعل من الخسائر غير المحتملة ضغطًا على أعصاب الجيش والمجتمع الإسرائيلي معًا، ويزيد من التأثير السلبي على حالة المجتمع نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. خاصة وأن المجتمع الإسرائيلي ارتبط وجوده في هذه البلاد بالأمن والرخاء الاقتصادي، حيث يلاحظ أن شدة ضغط الحرب على المجتمع الإسرائيلي تضعه في حالة من التشاؤم والخوف من المستقبل والقلق الوجودي.
تتزايد الضغوط على المجتمع الإسرائيلي، مما يزيد من تأثير الخسائر النفسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد حاولت حكومة نتنياهو التلاعب بعقول المجتمع الإسرائيلي، وسعت إلى التعتيم على الحقائق المتعلقة بالخسائر، مروجة للحرب كـ “معركة وجود” للتقليل من الانتقادات الموجهة للحكومة والجيش. ومع ذلك، فإن دموع سموتريتش لم تتمكن من إخفاء هذه الحقائق، التي ستظهر في النهاية بشكل أكثر وضوحًا.