مَن هو معسكر الخير ومَن هو معسكر الشر؟!
الشيخ رائد صلاح
هذا لسان حال أفعال وأقوال ومواقف المؤسسة الإسرائيلية، كأنها تُريد هيئة أمم متحدة على مقاسها فقط، وكأنها تُريد كل ما يصدر عن هيئة الأمم المتحدة هذه على مقاسها فقط، بحيث أن تتحول هيئة الأمم المتحدة هذه ناطقًا رسميًا باسم مصالح المؤسسة الإسرائيلية على صعيد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وعلى الصعيد الإقليمي وعلى الصعيد العالمي، بل وأن تقوم هيئة الأمم المتحدة بدور المُشرعن لكل أفعال المؤسسة الإسرائيلية وبدور المُساند لكل مسيرتها.
وإلا إن لم تقم هيئة الأمم المتحدة هذه بكل هذه الأدوار فهي مُطالبة بالصمت التام والدائم عن كل ما يصدر عن المؤسسة الإسرائيلية سواءً وافق أنظمة هيئة الأمم المتحدة هذه أو خالفها، وسواءً وضعت نفسها تحت قُبة هيئة الأمم المتحدة هذه أو فوقها، وسواءً استمعت لقراراتها أو تمردت عليها، وذلك أضعف الإيمان في نظر المؤسسة الإسرائيلية، وإلا إذا اختارت هيئة الأمم المتحدة هذه بديلًا ثالثًا، كأن تنتقد المؤسسة الإسرائيلية أو تُدين أعمالًا لها أو تُجلسها على كرسي المُحاسبة في مجلس الأمن أو تستدعيها لمُقاضاتها، فإن هيئة الأمم المتحدة هذه التي قد تُمارس هذه المُمارسات أو بعضها هي هيئة أممية غير مرغوب بها في حسابات المؤسسة الإسرائيلية.
وقد تتقدم المؤسسة الإسرائيلية خطوة إلى الأمام وتُطالب بتغيير رئيسها، كما طالبت بذلك بعض الشخصيات المسؤولة في المؤسسة الإسرائيلية خلال العام الماضي حيثُ طالبت بتغيير “غوتريش” الرئيس الحالي لهيئة الأمم المتحدة!!
ثمَّ تشعبت مواقف المؤسسة الإسرائيلية وبدأت تُقلص من مساحة تعاطيها مع هيئة الأمم المتحدة كعضو في هيئة الأمم المتحدة علمًا أن المؤسسة الإسرائيلية قامت على أثر قرار اعتراف رسمي بقيامها أقرته هيئة الأمم المتحدة!!، ومع ذلك كم من قرار صدر عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها يُطالب المؤسسة الإسرائيلية بوقف الحرب فورًا بغزة، وبتجميد الاستيطان بالضفة الغربية وبالحفاظ على الوضع القائم بالقدس والمسجد الأقصى المباركين، إلا أنَّ كل تلك القرارات كانت في نظر المؤسسة الإسرائيلية مُجرد حبر على ورق، حيث استمرت الحرب بغزة واستمرت مسيرة الاستيطان بالضفة الغربية واستمر تهويد القدس والمسجد الأقصى المباركين!!
وكأن الرابط الذي ظل بين هيئة الأمم المتحدة والمؤسسة الإسرائيلية هو وجود كرسي عضوية رسمي في هيئة الأمم المتحدة اسمه كرسي المؤسسة الإسرائيلية!!، ثم بات واضحًا خلال هذا العام المُنصرم أن جدلية العلاقة بين هيئة الأمم المتحدة والمؤسسة الإسرائيلية قد أسقطتها المؤسسة الإسرائيلية على كل من محكمة الجنايات الدولية ومؤسسة وكالة الغوث واللاجئين (الأونروا)، ومؤسسة اليونسكو ومنظمة اليونيفيل!!
فها هي محكمة الجنايات الدولية قد نظرت في الشكوى التي تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا إلى جانب دول أخرى ضد المؤسسة الإسرائيلية على أثر الحرب بغزة، وكلنا نعلم أن ملف الشكوى لا يزال مفتوحًا، وأن محكمة الجنايات الدولية لم تقل كلمتها الأخيرة، وكلنا يعلم أن هذه المحكمة قد أصدرت قرارات مرحلية حملت مطالب مُحددة طالبت المؤسسة الإسرائيلية بهدف رفع الكارثة الإنسانية عن غزة وإبعاد شبح الإبادة الجماعية عنها وإلغاء مشاهد العقاب الجماعي الواقع على غزة، إلا أن كل هذه القرارات المرحلية كأنها صدرت ميتة!!، وكأنها لم تصدر أصلًا!!، لأن المؤسسة الإسرائيلية لم تُنفذ أي قرار من هذه القرارات المرحلية!!
وهكذا بدت محكمة الجنايات الدولية لكل أهل الأرض كأنها لجنة إصلاح عشائرية لا تزال تنتظر الموافقة على تحكيمها من قِبل المؤسسة الإسرائيلية حتى تُباشر عملها، وحتى تُحترم قراراتها!!، بالضبط كما هو حال لجان الإصلاح العشائرية، حيث أن أية واحدة منها لا تستطيع أن تقوم بدورها إلا إذا أخذت توكيلًا خطيًا من طرفي النزاع!!، فيا له من انحطاط هوت فيه محكمة الجنايات الدولية لدرجة أنها ما كانت تحلم به في أكثر أحلامها سوادًا وإزعاجًا، وهكذا تعطل دور هذه المحكمة لا لسبب إلا لأن الذي يُقاضى أمامها هو المؤسسة الإسرائيلية!!
وهكذا ما عاد هناك وزن للمطرقة التي إعتاد أن يحملها رئيس هذه المحكمة الأممية كي يطرق بها على الطاولة عند الاستعداد لإصدار حكم أممي في قضية أممية!!، وهكذا تحولت هذه المحكمة إلى مجرد محكمة نوايا حسنة، لا تملك قدرة على فرض قراراتها إلا بالحكمة والموعظة الحسنة!!، وهكذا باتت هذه المحكمة لا تفتل عضلاتها إلا على الشعوب الضعيفة المقهورة كالشعوب المسلمة والعربية والشعوب الأفريقية وشعوب أمريكا الجنوبية!!، وهكذا أصبحت الأرض اليوم تعيش بلا قسط ولا عدل!!، وهكذا أصبحت العملة الرائجة فيها هي الظلم والجور!!، وأصبح من المسكوت عنه أن يأكل القوي الضعيف ظلمًا وعدوانًا!!
فيا لفضيحة البشرية اليوم على فداحة الفجور الذي تُعاني منه الآن!!، ثم إلى جانب استهتار المؤسسة الإسرائيلية المكشوف خلال العام المُنصرم بمحكمة الجنايات الدولية ها هي المؤسسة الإسرائيلية تقرّ بواسطة 92 عضوا من أعضاء برلمانها المعروف باسم الكنيست والذين يبلغ عددهم الكُلي مائة وعشرين عضوًا، ها هي تقر قانونًا بعد مرور عام على الحرب بغزة يحظر التعامل مع وكالة الغوث واللاجئين الأممية المعروفة باسم (الأونروا)!!
وهكذا بات إغلاق مكاتب هذه المؤسسة بغزة والقدس المباركة والضفة الغربية مشرعنًا باسم الكنيست الإسرائيلي!!، وهكذا بات وضع اليد على مدارس هذه المؤسسة وعلى مقراتها الصحية والإغاثية مشرعنًا باسم الكنيست الإسرائيلي!!، وهكذا باتت مُصادرة أراضي هذه المؤسسة ومُصادرة سائر ممتلكاتها مشرعنة باسم الكنيست الإسرائيلي!!، وهكذا تحول الملايين من شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم إلى شبه ورقة في مهب الريح باسم الكنيست الإسرائيلي!!، وهكذا مُنِع عن هؤلاء الملايين من شعبنا الفلسطيني الغذاء والماء والدواء والكساء باسم الكنيست الإسرائيلي!!، وهكذا لم يبق لمأساة شعبنا الفلسطيني هذه من دون الله كاشفة.
رغم أن (الأونروا) هي من مخرجات هيئة الأمم المتحدة، ويوم أن استباحت المؤسسة الإسرائيلية لنفسها إجهاض قرارات هيئة الأمم المتحدة، فكم بات من السهل عليها أن تجهض دور (الأونروا)، إحدى مخرجات هيئة الأمم المتحدة!!، وكما باتت المؤسسة الإسرائيلية تتنكر لدور (الأونروا)، وتحظر التعاطي معها، فها هي المؤسسة الإسرائيلية بلحمها وعظمها ها هي تتنكر لدور (اليونسكو)!!، ولمن لا يعلم فإن (اليونسكو) هي التي قررت علانية قبل برهة من الزمن أن المسجد الأقصى المبارك هو حق خالص للمسلمين ولا يوجد للمجتمع الإسرائيلي أدنى حق فيه، وكأن (اليونسكو) تدفع ثمن هذا القرار في حسابات المؤسسة الإسرائيلية، وكأن هذه المؤسسة باتت تميل إلى اللاسامية في نظر المؤسسة الإسرائيلية!!
وهكذا بات التوتر والشعور بالفوقية يُهيمن على المؤسسة الإسرائيلية في كيفية تعاطيها مع هيئة الأمم المتحدة ومع محكمة الجنايات الدولية ومؤسسة (الأونروا) ومؤسسة (اليونسكو) ومنظمة اليونيفيل، فإذا كانت المؤسسة الإسرائيلية هي التي فرضت على نفسها القطيعة مع كل هذه المؤسسات الأممية، هيئة الأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية، ومؤسسة (الأونروا) ومؤسسة (اليونسكو)، فهذا يعني أن المؤسسة الإسرائيلية هي التي فرضت على نفسها بنفسها الحصار الأممي العالمي، وكأنها باتت في واد وسائر أهل الأرض في واد آخر!!، فهل حقًا صنع “نتنياهو” (معسكر الخير) الذي سينتصر على (معسكر الشر) كما صرح هو بذلك؟!