سعيد يبدأ ولايته الرئاسية الثانية.. فماذا ينتظر تونس؟
أدى الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس الاثنين، اليمين الدستورية ليبدأ ولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، بعد فوزه بـ90.69 بالمئة من الأصوات بانتخابات أُجريت في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ومنذ إعلان فوزه الذي كان متوقعا، تتصاعد تساؤلات في تونس بشأن استكمال سعيد “بناء النظام السياسي الجديد”، في وقت تبدو فيه الأحزاب السياسية والنقابات في وضع صعب للغاية، وفق مراقبين.
وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي، إن “الرئيس سعيد استكمل بعد الانتخابات الأخيرة هندسة الحكم التي سطرها، عقب قرار إغلاق البرلمان السابق في يوليو/ تموز 2021” ضمن إجراءات استثنائية.
وأضاف: “بعد (إقرار) الدستور (الجديد)، وانتخابات المجالس المحلية والمجلس النيابي وصل إلى الانتخابات الرئاسية، وهي الحلقة الأخيرة في تثبيت حكمه ورؤيته للحكم”.
وهذه الرؤية “متضمنة سلطة مركزية تمتلك صلاحيات واسعة مع أذرع وظيفية تقوم بدور المكمل للسلطة التنفيذية”، حسب العبيدي.
وتعتبر قوى تونسية إجراءات سعيد الاستثنائية “انقلابا على دستور (2014) الثورة وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة له “تصحيحا لمسارة ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).
صفحة جديدة
طارق الماجري عضو الحملة الانتخابية لسعيد رأى أن “المرحلة الجديدة هي مرحلة البناء والتشييد، أي أن نبني صفحة جديدة مع الشعب التونسي”.
وأردف الماجري أن “الحوار سيكون مع الشعب التونسي فقط، ولن توجد طاولة حوار تجمع الرئيس مع مَن نهبوا الدولة”.
واستطرد: “الرئيس ليست له عداوة مع رجال الأعمال، وهناك قضاء يأخذ مجراه بخصوص الفاسدين وناهبي أموال الدولة والشعب”.
ويقول سعيد إن القضاء في تونس مستقل ولا يتدخل في شؤونه، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة واعتقال الرافضين لإجراءاته الاستثنائية.
فرضية الاندثار
ووفق العبيدي فإن “البناء السياسي الجديد للرئيس قيس سعيد يجعل الأحزاب والأجسام الوسيطة خارج إطار المعادلة السياسية وأمام فرضية الاندثار”.
وزاد أن “الرؤية الجديدة للحكم تنبني على التضييق المالي على الجمعيات والأحزاب وتجفيف منابع تمويلها، وبالتالي ستكون غير قادرة على النشاط”.
في المقابل، رأى الماجري أنه “في ظل النظام الجديد هناك حريات تشمل جميع الأحزاب والجمعيات.. الجمعيات الموجودة في تونس وجل الأحزاب لها صفة قانونية للنشاط”.
ومحذرا استدرك: “لكن على الجمعيات والأحزاب أن يعلموا أن هناك تمويلا كانوا يتسلمونه من الخارج لضرب الدولة والخيانة الواضحة والعمالة الواضحة عن طريق تمويل تحركات احتجاجية ضد الدولة، وأن وجودهم القانوني يكفله الدستور، ولن يكون هناك تضييق على الحريات”.
وتابع: “مصادر التمويل لا بد أن تكون واضحة، ورأينا في السابق بعض الأحزاب لها تمويل خارجي لاكتساح الانتخابات والبرلمان والحكومة، وتمويل داخلي عن طريق رجال الأعمال”.
الماجري أردف: “العام الماضي عندما قام وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين بحل بعض النقابات، وجدت كميات من الأموال داخل مقراتها وفي حسابات بنكية، وكان لهم تمويل كبير”.
و”اليوم دور النقابات، كما نلاحظ، ليس للدفاع عن منتسبيها، بل تريد أن تكون صاحبة قرار في التعيينات، فمثلا الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) كان له وزراء ومديرون عامون داخل الوزارات”، كما أضاف.
وأكمل أن “النقابة لا بد أن تعرف حجمها ودورها الحقيقي أمام الدولة، لا يمكن للنقابات باسم الدور النقابي تعطيل البلاد، فهذا غير مقبول وغير قانوني.. هناك طاولة حوار تجمع النقابات بالحكومة، ولكن رأينا دورا كبيرا للنقابات في الفساد”.
الماجري اعتبر أن “تهديد نقابات التعليم، قبل العودة المدرسية (في سبتمبر/ أيلول الماضي)، بالإضراب (لتحسين أوضاع المدرسين) غير مقبول؛ لأن دور النقابات ليس سياسيا، بل اجتماعي بحت”.
حصار ورقابة
لكن العبيدي رأى أن النظام السياسي الجديد يحدد دورا ما للجمعيات بالقول: “القانون الجديد للجمعيات (مشروع قانون مقترح)، يندرج ضمن رؤية تؤمن بأن مساحة تحرك الجمعيات يجب أن تبقى محاصرة بإرادة السلطة وتحت رقابتها”.
وفي 10 أكتوبر الجاري، أودع 9 نواب مشروع قانون مقترح للجمعيات في مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يتضمن تنظيم عمل الجمعيات وتعاملاتها المالية ووضع ضوابط للتمويل الأجنبي.
وأضاف العبيدي أن هذا المقترح يندرج ضمن “عقيدة الحكم الجديدة التي جاء بها دستور 2022، والمتمثلة في نظام مركزي قوي ومجتمع مدني في تبعية للسلطة التنفيذية”.
و”هذا التقييم ينسحب على النقابات، وخاصة اتحاد الشغل الذي يبدو أنه ضحية خلافاته الداخلية وصراعات الشقوق داخله، والتي حولته إلى مجرد هيكل نقابي بلا روح سياسية وبلا موقف تجاه الأحداث”، على حد تقديره.
وزاد أن “النقابات استفادت من مساحة الحرية طوال السنوات العشر الماضية، حيث كانت سلطة مضادة لكل الحكومات، ومع المكتب التنفيذي الحالي (للنقابات) فقدت القدرة على التأثير في المشهد وغرقت في صراعات”.
المجالس المحلية
نهاية 2023 وبداية العام الجاري، تم تشكيل مجالس محلية من نحو 7 آلاف و205 أعضاء، تمخضت عنها مجالس جهوية وإقليمية ومجلس أعلى للجهات والأقاليم (غرفة ثانية للبرلمان).
وقال الماجري إن “المجالس المحلية هي تصور جديد داخل الدولة التونسية بأن يكون القرار داخل الجهات والمعتمديات والعمادات (تقسيم إداري محلي) عن طريق ممثليها داخل المجالس المحلية”.
وأضاف أن “الفكر الانتخابي الجديد يرتكز على أن يخرج شخص من داخل عمادته يتحدث عن مشاكلها ومتطلبات الحياة فيها ويكون لها ممثلون في المجالس الجهوية ومجلس الجهات والأقاليم”.
الماجري تحدث عن أجواء الانتخابات بعد 25 يوليو 2021، معتبرا أنه “لأول مرة تُنظم انتخابات دون مال فاسد لأناس خرجوا من نبض الشارع ومن أبناء الجهات المحرومة”.
على العكس، رأى العبيدي أن “المجالس المحلية لن يكون لها دور فاعل في إعادة علاقات الإنتاج في تونس ودفع مجال التنمية إلى الأمام، ففكرة البناء القاعدي التي تمخضت عنها هذه المجالس فاقدة لحرية التنفيذ”.
وختم بأن “كل القرارات مرتبطة بالسلطة التنفيذية، وتوجد معوقات عديدة مرتبطة بضعف كفاءة النواب المنتخبين لهذه المجالس وإمكانية الدخول في نزاع صلاحيات مع الولاة وهياكل الإدارة في الجهات التونسية”.
المصدر: الأناضول