مجلة إسرائيلية: أول حرب فصل عنصري تخوضها إسرائيل
قال موقع مجلة 972 إن إسرائيل ظلت تقاتل العام الماضي من دون إستراتيجية سياسية، لتعزيز المشروع العنصري الذي بنته على مدار عقود من الزمن بين النهر والبحر، مشيرا إلى أن كارثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول -التي زعم كثيرون أنها أكبر مذبحة للمدنيين الإسرائيليين في تاريخ البلاد- كانت علامة على انهيار الوضع الراهن للاحتلال الدائم.
وأوضح الموقع -في مقال بقلم الأستاذ والباحث أورين يفتاخيل- أن إسرائيل، تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كانت تتقدم بسياسة “إدارة الصراع” على الأمد الطويل لتعزيز احتلالها واستيطانها للأراضي الفلسطينية مع احتواء المقاومة الفلسطينية المجزأة، بما في ذلك تمويل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “المرتدعة”.
صحيح أن بعض جوانب هذه الإستراتيجية -كما يرى هذا الباحث والناشط في مجال حقوق الإنسان- انهارت في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وخاصة الوهم بأن المشروع الوطني الفلسطيني يمكن سحقه، وأن حماس وحزب الله يمكن إبقاؤهما تحت السيطرة في غياب أي اتفاقيات سياسية، كما حطم أيضا الأسطورة الصهيونية القديمة القائلة إن الاستيطان اليهودي قد يضمن الأمن على طول حدود إسرائيل.
تعزيز المشروع العنصري
ويزعم بعض الخبراء أن حرب إسرائيل في غزة وفي لبنان الآن لا تقوم على إستراتيجية سياسية “لليوم التالي”، بل على إبقاء نتنياهو السياسي، مع أن الرأي السائد هو أن إسرائيل تواصل الترويج لهدف إستراتيجي لا لبس فيه، وهو الحفاظ على نظام التفوق اليهودي على الفلسطينيين وتعميقه بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وبهذا المعنى ربما تفهم 12 شهرا من القتال الماضية على أنها “أول حرب فصل عنصري” تخوضها إسرائيل.
وخلافا لحروبها السابقة، فإن حرب إسرائيل الحالية -كما يرى الباحث- تسعى إلى تعزيز المشروع السياسي العنصري الذي بنته في جميع أنحاء الأرض، والذي تحداه هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بشكل أساسي، وهي تعني أيضا رفض إسرائيل الثابت لاستكشاف أي مسار للمصالحة أو حتى وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين.
وأوضح أورين يفتاخيل أن النظام العنصري الإسرائيلي، الذي كان يُطلق عليه ذات يوم “الزاحف” ومؤخرا “الفصل العنصري المتعمق”، له جذور تاريخية طويلة، وقد أخفي في العقود الأخيرة من خلال ما يسمى بعملية السلام، ووعود “الاحتلال المؤقت”، والادعاءات بأن إسرائيل “ليس لديها شريك” للتفاوض، ولكن حقيقة مشروع الفصل العنصري أصبحت واضحة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، وخاصة تحت قيادة نتنياهو.
أما اليوم فلم تعد إسرائيل تبذل أي جهد لإخفاء أهدافها العنصرية، فقد أعلن قانون الدولة القومية اليهودية عام 2018، وهو ينص على أن “الحق في ممارسة تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل فريد من نوعه لدى الشعب اليهودي”، وأن “الدولة تنظر إلى تطوير المستوطنات اليهودية كقيمة وطنية”.
وفي خطوة أبعد من ذلك، أعلن بيان الحكومة الإسرائيلية الحالية المعروف باسم “المبادئ التوجيهية” بفخر في عام 2022 أن “الشعب اليهودي يتمتع بحق حصري وغير قابل للتصرف في جميع مناطق أرض إسرائيل”، وهي تشمل في المعجم العبري غزة والضفة الغربية، ووعد “بتعزيز المستوطنات وتطويرها في جميع أنحاء أرض إسرائيل”.
ترسيخ التفوق اليهودي
هيمنت إسرائيل على الفلسطينيين وطردتهم واحتلت بلدهم بعنف طوال أكثر من 45 عاما، ولكن هذا القمع المتطاول يتضاءل أمام الدمار الذي لحق بغزة على مدى العام الماضي، والذي أطلق عليه العديد من الخبراء وصف الإبادة الجماعية، وهو في الحقيقة هجوم مباشر على إمكانية إنهاء الاستيطان والسيادة الفلسطينية، باعتبار أن غزة بعد 17 عاما من الحصار الخانق أصبحت في نظر الإسرائيليين رمزًا لنسخة مشوهة من السيادة الفلسطينية.
وفي السياق نفسه، تسارعت وتيرة الاستيلاء على الضفة الغربية، وأدخلت إسرائيل تدابير جديدة للضم الإداري، وتزايدت حدة عنف المستوطنين بدعم من الجيش، وأنشئت عشرات من البؤر الاستيطانية. وفي الوقت نفسه، عمّقت إسرائيل قمع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ووضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية، كما كثفت القيود الشديدة المفروضة على نشاطهم السياسي من خلال زيادة المراقبة والاعتقالات والفصل والإيقاف والمضايقة.
ويرى الكاتب أن الهجوم المتصاعد في لبنان -الذي بدأ باسم صدّ عدوان حزب الله على شمال إسرائيل وتحول الآن إلى هجوم هائل على كل لبنان- وتبادل الضربات مع إيران يبشران، على ما يبدو، بمرحلة إقليمية جديدة من الحرب. ومن الواضح أن هذه المرحلة مرتبطة بالأجندة الجيوسياسية للإمبراطورية الأميركية، ولكنها تعمل أيضا على صرف الانتباه عن القمع المتزايد للفلسطينيين.
وتفتح حكومة نتنياهو جبهة أخرى من حرب الفصل العنصري على الإسرائيليين اليهود الذين يكافحون من أجل السلام والديمقراطية، وتعمل على إضعاف استقلال القضاء المحدود أصلا، وعلى التمكين لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان من خلال تعزيز السلطة التنفيذية التي تتألف حاليا من التحالف الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
انحدار نحو الاستبداد
ونحن نشهد بالفعل آثار انحدار إسرائيل إلى الحكم الاستبدادي، كما يقول الكاتب، من خلال توزيع الأسلحة على أنصار التفوق اليهودي في مستوطنات الضفة الغربية والمناطق الحدودية، وتمويل مشاريع الاستيطان. وقد نجحت الحكومة فعليا في إسكات أي انتقاد للحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل، بإطلاق العنان للعنف الشديد من جانب الشرطة على المتظاهرين المناهضين للحكومة والمناهضين للحرب، والتحريض على المؤسسات الأكاديمية والمثقفين والفنانين، وتضخيم الخطاب السام والمُدين ضد “الخونة” اليساريين.
غير أن البعد المثير للاشمئزاز بشكل خاص في حرب الفصل العنصري -حسب الباحث- هو تخلّي الحكومة عن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، لأن الحكومة، من خلال استغلال الألم والصدمة التي تعيشها أسرهم، تضمن مواجهة حالة طوارئ مستمرة تمنع فتح تحقيق رسمي في الإهمال الذي أدى إلى مذابح السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، كما يقول الكاتب، فمن الجدير أن نتذكر أن الفصل العنصري ليس هاوية أخلاقية وجريمة ضد الإنسانية فحسب، بل هو أيضا نظام غير مستقر، يتميز بالعنف اللامتناهي، والضرر البعيد المدى الذي يلحق بالاقتصاد والبيئة. ولذلك، فرغم الدعم الكبير الذي يحظى به النظام الإسرائيلي من اليهود في الداخل والخارج، وضمان الإفلات من العقاب الذي تضمنه له الحكومات الغربية بشكل فاضح، فإنه بعيد كل البعد عن الانتصار في حرب الفصل العنصري الأولى.
وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل خسرت المعركة الأخلاقية، بنمو القوى المعارضة لها، ليس فقط بين الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، بل أيضا بين اليهود في الشتات والجماهير الأوسع في الشمال والجنوب العالميين. ولكن خسارة تحالفاتها الدولية وروابطها التجارية وآفاقها الاقتصادية، وروابطها الثقافية والأكاديمية، قد تجبر الحكومة على وقف حربها من أجل التفوق اليهودي.