هل الغرب مستعد لقطع طهران المحتمل شرايين النفط؟
على الرغم من إعلان الحكومة الإسرائيلية مراراً خلال الأسبوعين الماضيين، أن منشآت النفط الإيرانية في مرمى ضربتها الانتقامية، بعد الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري على إسرائيل، إلا أن القلق الأميركي والأوروبي من تداعيات الاستهداف الإسرائيلي المحتمل ورد فعل طهران عليه باتخاذ خطوات من شأنها قطع إمدادات الخام على نحو كبير من منطقة تمد العالم بنحو ثلثي احتياجاته، ربما يدفع تل أبيب نحو استبعاد منشآت النفط من الضربة المرتقبة.
وتبدو واشنطن والعواصم الأوروبية قلقة من أي صدمات غير محسوبة في سوق الطاقة، حتى لو كانت مخزوناتها الاحتياطية تكفي لمدة 90 يوماً حال انقطاع إمدادات النفط بشكل كامل من منطقة الشرق الأوسط.
ووفق ما أفادت به صحيفة واشنطن بوست الأميركية بناء على مصدرين مطلعين على الأمر أحدهما أميركي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ حليفه الأميركي جو بايدن أنه يعتزم ضرب الجيش الإيراني وليس البنية التحتية الإيرانية النووية والنفطية.
ويأتي ذلك في وقت مشحون سياسياً بالنسبة لواشنطن قبل أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية. ومن شأن ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النفطية، أن تؤدي إلى زيادة أسعار النفط. كما أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية سيكون بمثابة خرق لكل الخطوط الحمر التي تحكم المواجهة الإيرانية ـ الإسرائيلية، مما سيؤدي إلى تصعيد ومزيد من التورط العسكري الأميركي. وسبق أن حذّر بايدن نتنياهو من أي استهداف لمواقع إيران النووية أو لمنشآتها النفطية.
وتراجع سعر برميل خام برنت تسليم ديسمبر/ كانون الأول، بأكثر من 3% خلال تداولات أمس الثلاثاء، ليدور في نطاق 75.1 دولاراً. كما تراجع سعر خام غرب تكساس الوسيط تسليم نوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة مماثلة ليصل إلى نحو 71.5 دولاراً.
كانت أسعار النفط الخام في حالة من التقلب الشديد في الأسابيع الأخيرة، حيث يتتبع المتداولون صراعاً متصاعداً في الشرق الأوسط، موطن حوالي ثلث الإمدادات العالمية، بعدما تعهدت إسرائيل بالرد على وابل الصواريخ التي أطلقتها إيران مطلع هذا الشهر، رداً على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو/تموز، بعد المشاركة في مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان.
توقعات بضربة إسرائيلية محدودة
وقال دومينيك شنايدر، رئيس قسم الصرف الأجنبي والسلع العالمية في “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” لإدارة الأصول، إن “الضربة الإسرائيلية المحدودة على إيران تقلل من مخاطر العرض”.
تأتي المخاوف الأميركية تحديداً من تصاعد تداعيات المخاطر الجيوسياسية على سوق النفط، على الرغم مما تبديه التقارير الغربية حول التقليل من شأن حصة إيران في سوق الخام وجاهزية الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية لسيناريو ضرب النفط الإيراني. وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها، أمس، سوق النفط العالمية تتجه نحو فائض كبير في العام الجديد 2025، مؤكدة للأسواق استعدادها للتحرك إذا لزم الأمر لتغطية أي تعطل للإمدادات من إيران.
وأشارت الوكالة التي تدير مخزونات الطوارئ من النفط للدول الصناعية، إلى أن المخزونات العامة تجاوزت 1.2 مليار برميل، كما أن الطاقة الفائضة في دول تحالف “أوبك+” التي تضم دول أوبك وحلفاء مثل روسيا، بلغت مستويات مرتفعة تاريخية. وأضاف: “مع تكشف تطورات المعروض، تقف الوكالة مستعدة للتحرك عند الضرورة.. في الوقت الحالي يستمر تدفق النفط، وفي غياب أي اضطراب كبير تواجه السوق فائضاً كبيراً في العام الجديد”.
وخفضت وكالة الطاقة الدولية في التقرير أيضا توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لهذا العام، مشيرة إلى ضعف مستوى الطلب في الصين. وظلت الصين لسنوات طويلة تحرك ارتفاع استهلاك النفط على مستوى العالم. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني والتحول نحو المركبات الكهربائية غيرا نمط ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتوقعت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها أن ينمو الطلب الصيني بنحو 150 ألف برميل يوميا فقط في عام 2024، بعدما انخفض الاستهلاك نحو 500 ألف برميل يومياً في أغسطس/ آب الماضي، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، وهو انخفاض للشهر الرابع على التوالي. وقالت: “يستمر الطلب الصيني على النفط في الانخفاض عن التوقعات وهو العامل الرئيسي الذي يعوق النمو الإجمالي”.
ورغم هذه المؤشرات التي تبدو في نظر البعض أنها تحمل تطمينات للغرب بعدم حدوث صدمة قوية في سوق النفط، حتى لو ضربت إسرائيل منشآت النفط الإيرانية، إلا أن تطور الصراع قد يحمل أخطاراً جمة غير محسوبة، لاسيما إذا قررت إيران غلق مضيق هرمز الشريان الحيوي لمرور النفط عالمياً.
ويُعد مضيق هرمز واحداً من أهم الممرّات المائية في العالم نظراً لدوره الحيوي في التجارة الدولية، وخاصة تجارة النفط. ويقع المضيق بين الخليج العربي وخليج عمان، ويبلغ طوله نحو 100 ميل (161 كيلومتراً) وعرضه 21 ميلاً في أضيق نقطة، ويُعتبر ممرًّا استراتيجيًا يربط الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط بالأسواق العالمية.
وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، يعبر المضيق يوميًا ما يقرب من 21 مليون برميل من النفط، وهو ما يمثل حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية، وحوالي 30% من النفط المنقول بحرًا. وتُعد دول الخليج، مثل السعودية، الإمارات، الكويت، والعراق، وإيران، من أبرز الدول التي تعتمد على المضيق لتصدير نفطها إلى الأسواق العالمية.
وإلى جانب النفط، يمرّ عبر مضيق هرمز جزء كبير من التجارة البحرية للغاز الطبيعي المسال، حيث تمثل شحنات الغاز المسال العابرة للمضيق حوالي 25%-30% من إجمالي شحنات الغاز الطبيعي المسال عالميًا، مما يعزز أهميته للاقتصاد العالمي وللدول التي تعتمد على الغاز المستورد.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، شحنت ناقلات النفط ما يقرب من 15.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبيرغ”. وأظهرت البيانات أيضاً أن أكثر من خمس إمدادات الغاز العالمية، وكان معظمها من قطر، مرّ عبر المضيق خلال الربع الأول من العام.
خيارات مفتوحة أمام إيران لقطع إمدادات النفط
وذكرت نشرة “أويل برايس” الأميركية المتخصصة في الطاقة في تقرير، أمس، أن إيران قد ترد على أي استهداف لمنشآت الإنتاج والتصدير من خلال قطع عبور الخام من منشآت النفط الرئيسية في المنطقة، مما قد يؤثر بشدة على الإمدادات والأسعار عالمياً. كما أن هناك خيارات أخرى مفتوحة أمام إيران لتعطيل سوق النفط العالمية بشدة، و”جرى استخدامها من قبل بفاعلية” وفق النشرة الأميركية، “حيث شن الحوثيون في اليمن المدعومون من طهران هجمات على منشآت نفطية رئيسية في السعودية”. ففي 14 سبتمبر/أيلول 2019، أطلق الحوثيون عدة صواريخ على منشأة معالجة النفط في بقيق وحقل خريص النفطي في المملكة، مما تسبب في خفض إنتاج النفط السعودي إلى النصف (لفترة أطول بكثير مما اعترفت به المملكة)، بحسب “أويل برايس”، مما دفع إلى أكبر قفزة في سعر الخام في اليوم الواحد منذ عام 1988.
كما قد تستخدم إيران الحوثيين لزيادة مستوى الهجمات بشكل كبير في منطقة البحر الأحمر وحولها لفترة من الوقت، ما يجعل التأثير التراكمي لكل هذه التحركات كبير على سوق النفط العالمية ومستويات الأسعار.
وعلى خلاف ما حدث بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/ شباط 2022، والتي كان للغرب تدابير لسد فجوات العرض في سوق النفط، فإن الأمر بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط مختلف فقد لا تكون التدابير الغربية مستدامة لأكثر من بضعة أشهر. فالاحتياطي الاستراتيجي للبترول في الولايات المتحدة يحتوي حالياً على حوالي 383 مليون برميل من النفط. وإجمالاً تبلغ احتياطيات النفط الاستراتيجية الجماعية للدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية حالياً حوالي 1.2 مليار برميل، والتي يمكن ضخها “بالتنقيط” في المعروض العالمي كما حدث بعد أوائل عام 2022.
وتنص شروط وكالة الطاقة الدولية التي أُنشئت بعيد أزمة النفط الأولى عام 1974، عقب قطع السعودية ودول خليجية عدة الإمدادات لدعم جبهتي مصر وسورية في الحرب ضد إسرائيل عام 1973، على أن الدول الأعضاء تحتفظ باحتياطيات نفطية تعادل 90 يوما على الأقل من صافي واردات النفط وأن تكون جاهزة للاستخدام في حالات الطوارئ. وتضم الوكالة 29 دولة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، أستراليا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، وكوريا الجنوبية.
وإذا حدث انخفاض كبير في أي من قنوات الإمداد البديلة (احتياطيات الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية)، فإن مؤشراً لما قد يحدث لأسعار النفط قد رسمه البنك الدولي في وقت مبكر من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. فقد ذكر البنك أن “الانقطاع الطفيف” مع انخفاض إمدادات النفط العالمية بمقدار 500 ألف إلى مليوني برميل يومياً (وهو نفس الانخفاض الذي شهدته ليبيا في عام 2011 تقريباً)، من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في البداية بنسبة تتراوح بين 3% و13%.
أما “الانقطاع المتوسط” الذي ينطوي على فقدان ما بين 3 ملايين و5 ملايين برميل يومياً من الإمدادات (وهو ما يعادل تقريباً حرب العراق في عام 2003) فمن شأنه أن يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة تتراوح بين 21% و35%. أما “الانقطاع الكبير” الذي يشمل انخفاض الإمدادات بمقدار 6 ملايين إلى 8 ملايين برميل يومياً (مثل الانخفاض الذي شهده الغرب في عام 1973) فمن شأنه أن يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة تتراوح بين 56% و75%.