أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (217) شيء عن مصطلحي “الإرهاب” و”الحرب على الإرهاب” على مَن يشُنُّون الحرب؟ دور الإعلام ورأي الذكاء الاصطناعي! (3-3)

حامد اغبارية

1. لو سألتَ فلسطينيًا أو عربيًا أو مسلمًا أو إسرائيليًا أو أمريكيًا أو فرنسيًا أو بريطانيًا أو هنديًا السؤال التالي: عندما تسمع مصطلح “الحرب على الإرهاب” ماذا يخطر لك؟ ومَن هي الجهة المقصودة التي يشُنُّون الحرب عليها؟ ستجدهم جميعا يجيبون بجواب متشابه: الإسلام، المسلمون، الحركات والتنظيمات الإسلامية.

ولو سألتهم: هل هناك جهات أخرى غير إسلامية تتعرض “للحرب على الإرهاب”؟

ستجد هؤلاء جميعا يجيبون بجواب واحد تقريبا: لا! أو على الأقل ستجد أكثرهم دقة يقول: في الحقيقة لا أعلم بوجود جهات أخرى في العالم تُشن عليها حرب بتهمة الإرهاب.

خلاصة القول إن الحرب التي تقودها أمريكا والاتحاد الأوروبي والمؤسسة الإسرائيلية ودول أخرى في منطقتنا تعمل تحت عباءة هذه القوى، ليست حربا على الإرهاب، وإنما هي حرب على الإسلام. هي محاولة دموية لوقف نهضة إسلامية تحرر المسلمين من عرب وغير عرب من التبعية وتنقلهم إلى فضاء الحرية والانعتاق.

بدأ مصطلح “الحرب على الإرهاب” يتصدر المشهد بقوة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. بعد ذلك الحدث المزلزل، والذي ما تزال الكثير من الحقائق حوله طي الكتمان، قررت الولايات المتحدة، تحت قيادة جورج بوش الابن شن حرب “على الإرهاب”. وقد أنشأت أمريكا تحالفا دوليا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية لشن حرب على تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وعلى أفغانستان المسلمة التي كانت في ذلك الوقت تحت حكم حركة طالبان.

غير أن “الحرب على الإرهاب”، أو الحرب على الإسلام، بدأت قبل ذلك التاريخ بنحو عشر سنوات، يوم شنت الدولة الجزائرية العلمانية، بمساعدة مباشرة من فرنسا، حربا على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بتهمة ممارسة الإرهاب، وذلك بعد فوزها الكاسح في انتخابات 1990. وقد وقف العالم كله تقريبا، بغربه وشرقه ضد الجبهة الإسلامية وإلى جانب الحكومة الجزائرية، دون أن ينبس ذلك العالم ببنتٍ شَفة إزاء ضرب حكومة الجزائر وعسكرها بعرض الحائط كل معاني الديمقراطية التي يتغنَّوْن بها إلى يومنا هذا، ولم تقف دولة واحدة لتقول: أيها الفجرة!! لماذا لا تدافعون عن ديمقراطيتكم التي تتغنَّوْن بها؟ الجبهة فازت في الانتخابات، وما هذه الحرب إلا لمنع أي تيار إسلامي من تولي السلطة في بلده! لماذا؟ لأنكم تخافون الإسلام، من حيث أنه يهدد فسادكم وإفسادكم والظلم الذي جعلتم جذوره تضرب عميقا في كوكب الأرض.

هذا ما حدث مع حركة حماس عام 2006، وهذا ما حدث مع الإخوان المسلمين في مصر عام 2012، وهذا ما يحدث وما سيحدث مع كل تنظيم إسلامي يفكر بتولي السلطة، سواء عن طريق الانتخابات أو بقوة السلاح. ذلك أنه (حرام على بلابله الدوح… حلال للطير من كل جنس). المهم ألا يكون الطير من جنسٍ مسلم.

لو ألقيت نظرة سريعة على الجهات التي شنت أمريكا وأوروبا والمؤسسة الإسرائيلية ومن لف لفها من أنظمة العار العربية والإسلامية، حربا دموية بحجة الحرب على الإرهاب ستجدها كلها- دون استثناء- إسلامية… بغض النظر عن منهجها وأسلوبها وإيديولوجيتها:

تنظيم القاعدة، حركة طالبان، تنظيم داعش، حركة الشباب المسلم في الصومال، تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، تنظيم أبو سياف في الفلبين. ويضاف إليها حركة حماس الفلسطينية، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، وتنظيم الإخوان المسلمين على مستوى مصر وسوريا وعلى مستوى العالم، وها هي حركة النهضة في تونس على الطريق.

وإنك لا تجد على وجه الأرض تنظيمات أو جماعات مسلحة غير إسلامية – وما أكثرها- توصف بأنها تنظيمات إرهابية يجب شن حرب ضدها واجتثاثها. ستجد السيخ والهندوس في الهند، وستجد مثل ذلك في إيرلندا الشمالية، وستجده في ميانمار (بورما) وفي مواقع أخرى كثيرة. لكن أعمال القتل الجماعي والعنف الدموي الذي مارسته تلك القوى لم يحظ بصفة “الإرهاب”، بل وُصف بالعنف السياسي تارة والعنف الطائفي تارة أخرى. ولهذا لم يكن هناك أيُّ داع أن يقرر “المجتمع الدولي المتنور” شن حرب ضدّه. فالمهمة محصورة فقط في “الإرهاب”، وهذا الإرهاب تتصف به فئة واحدة فقط؛ المسلمون!

ولم يكتف ذلك “المجتمع الدولي المتنور” بهذا، بل كان عليه اختراع مصطلح آخر هو مصطلح “الدول الداعمة للإرهاب”. ويا للمفاجأة!! غالبية الدول التي تكرَّم عليها المجتمع الدولي بهذا الوصف هي دول إسلامية، وغير اِلإسلامية منها مغضوب عليها من أمريكا والمؤسسة الإسرائيلية لأنها ترفض السير في التلم الصهيو- صليبي: إيران، السودان، سوريا، تركيا، باكستان، أفغانستان، كوريا الشمالية، كوبا، فنزويلا. بل حتى دولة قطر تعتبر دولة دائمة للإرهاب في نظر بعض الجهات الدولية لمجرد استضافتها لقيادات إسلامية…!

2. اسمها لعبة الإعلام. وهي وسيلة لإجراء عملية غسل دماغ للرأي العام.

لقد عمدت دول “العالم الحر” بقيادة الويلات المتحدة الأمريكية – الإسرائيلية إلى تقسيم العالم إلى معسكرين: معسكر النور ومعسكر الظلام، أو محور الخير ومحور الشر. وهذه بالمناسبة مصطلحات دينية توراتية إنجيلية. ومن هنا عليك أن تدرك البُعد الحقيقي للقضيّة برمّتها.

ومن المهم أن تلاحظ أنّ جميع الدول والتنظيمات التي سبق ذكرها أعلاه، صُنفت على أنها هي “:محور الشر”، وهو محور يسبب صداعا لـ”محور الخير” الذي تقوده واشنطن وتل أبيب والعواصم الأوروبية، ولا بدّ من “علاج” لهذا الصداع! ثم إن “العالم الحر” الذي تقوده أمريكا جند الإعلام للترويج لمصطلح “الإرهاب” و “الحرب على الإرهاب” والحرب على “محور الشر”، حتى نجحت إلى حد كبير في زرع المصطلحات في أذهان الناس، وكونت حوله رأيا عاما عالميا بما في ذلك في الشارع العربي والإسلامي وحتى الفلسطيني. حتى أن وسائل الإعلام العربية الرسمية وغير الرسمية أسهمت في ترسيخ المصطلح في عقول المسلمين بشكل عام، إلى درجة أن المسلم والعربي والفلسطيني بات يتساءل: هل هو إرهاب إسلامي أم هو جهاد أو نضال أو كفاح بهدف تحقيق الحرية والانعتاق؟

إن مجد ورود السؤال في أذهان المسلمين هو نجاح كبير في غسل الأدمغة. لكن الأكثر إشكالا وخطورة أنك تجد من بين العرب والفلسطينيين والمسلمين مَن تجاوز السؤال إلى الإجابة القاطعة: هذا إرهاب.

وحتى وسائل الإعلام العربية التي تقف إلى جانب حركات التحرر في أجندتها الإعلامية (مثل قناة الجزيرة على سبيل المثال) أسهمت من حيث لا تدري، أو لنقل بطريقة غير مباشرة، في ترسيخ مصطلح “الحرب على الإرهاب” ومصطلح “الإرهاب” في عقلية المتلقي، حتى لو فعلت ذلك بتحفظ أو نسبته إلى قائله. فمجرد تكرار المصطلح على مدار الساعة يجعله تلقائيا أمرا مسلّما به، دون أن يتنبه المتلقي إلى تحفظ الوسيلة الإعلامية أو نسبة المصطلح إلى قائليه.

3. أيها الذكاء الاصطناعي … ما رأيك؟

سألت “الذكاء الاصطناعي” عن تعريفه لمصطلحي الإرهاب والحرب على الإرهاب، فأجاب “بذكاء أمريكي”: ليس هناك تعريف محدد للإرهاب وللحرب على الإرهاب. فهذا التعريف يتغير بناء على السياق التاريخي والسياسي والحضاري- الثقافي.

وكما تعرفون وترَوْن فإن السياق التاريخي والسياسي والحضاري-الثقافي لا يريد أن يتزحزح من ديار الإسلام!

ثم يقول الذكاء الاصطناعي: الإرهاب هو استخدام العنف أو التهديد باستخدام العنف ضد مدنيين أو ضد أهداف المدنية.

وعندما سألناه عن الفرق بين الإرهاب وبين من يستخدم القوة العسكرية لتحصيل حقوقه (محارب من أجل الحرية)، قال: يصعب التفريق بين المقاتل من أجل الحرية وبين الإرهابي؟

ولماذا يا محترم هذه الصعوبة في التفريق؟ أليست هناك شروط أقرتها الأمم المتحدة يمكن من خلالها التمييز بين من يقاتل من أجل حريته ومن يمارس الإرهاب؟

ومن هو الذي يستخدم العنف ويهدد بالعنف ضد المدنيين وضد أهداف مدنية بطريقة منهجية لا لبس فيها؟

أليست هي أمريكا وسائر القوم في “العالم المتنور” التابع لنادي “محور الخير”؟

ثم تجرأتُ وسألت الذكاء الاصطناعي: هل التنظيمات الفلسطينية تعتبر تنظيمات إرهابية؟

فأجاب متأتئا متهربا: إن الصراع بين إسرائيل وغزة معقد والتغييرات بشأنه سريعة. إذا أردت معلومات محدّثة فيمكنك التوجه إلى “غوغل”!

وسألته: هل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين تعتبران تنظيمين إرهابيين؟ فأجاب بنفيس الإجابة: إن الصراع بين إسرائيل وغزة معقد والتغييرات بشأنها سريعة. إذا أردت معلومات محدّثة فيمكنك التوجه إلى “غوغل”!

إنه يتحدث عن الصراع بين إسرائيل وغزة رغم أنني لم أسأله عن غزة!!

ثم تطوع الذكاء الاصطناعي- دون أن أسأله- ليعرَّف لنا الجهاد في الإسلام. وبعد أن خبص تخبيصًا أمريكيا استشراقيًا صليبيًّا قال: هناك جهات متطرفة تستغل الجهاد لتبرير أعمال إرهابية!! ومن المهم التوضيح أن غالبية المسلمين يشجبون الإرهاب بكل أشكاله! واو!! كيف عرف ذلك؟! إنه لشيء عجيب!!

استجمعتُ الشجاعة أكثر وسألت الذكاء الاصطناعي: وهل هناك دول تمارس الإرهاب؟

فأجاب: التاريخ مليء بمثل هذا. هناك دول دعمت الإرهاب أو استخدمته لتحقيق أهدافها. والدول يمكن أن تمارس الإرهاب بطرق مختلفة، مثل: تمويل حركات إرهابية، ودعمها بالسلاح والمتفجرات، وتدريب أفرادها عسكريا، ومنح هذه الحركات الحماية من خلال استضافتها في أرضها، وبث الداعية الداعمة للإرهاب والمشجعة للعنف.

مثلا؟؟
الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة، والولايات المتحد إبان الحرب الباردة كذلك، أيران التي تدعم في السنوات الأخيرة حزب الله وحماس!! وسوريا التي اتهمت بدعم داعش أثناء اثناء “الحرب الأهلية” (يقصد ثورة الشعب السوري ضد النظام). أما اليوم فأمريكا يدها طاهرة نقية نظيفة من الإرهاب، وروسيا لم تسفك دماء السوريين والأفغان والأوكران والشيشان..! كما أن الصين لا تمارس الإرهاب ضد مسلمي تركمانستان الشرقية، ولا الهند الرسمية ولا السيخ ولا الهندوس يذبحون المسلمين في الطرقات ولا يهدمون مساجدهم ولا يهتكون أعراضهم. أما بورما فإنها لم تحرق مسلمي الروهينجيا أحياء، بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم..

وماذا مع ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني؟؟؟

الجواب: يوك…!

وماذا مع ما مارسته أمريكا في العراق وأفغانستان وفي أماكن أخرى حول العالم؟ وماذا مع دعمها غير المحدود للحرب الإسرائيلية على غزة؟

الجواب: يوك؟؟!

هل أدركت الآن لماذا لا يوجد تعريف واحد محدد واضح لمصطلح “الإرهاب”؟

وهل أدركت المعنى الحقيقي لمصطلح “الحرب على الإرهاب”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى